قضايا وآراء

الاستفراد الصهيوني بغزة على مرأى من حليفها وعربها

"جرائم الإبادة تستمر لأن الفلسطينيين بلا ظهير وبلا سند سوى إيمانهم بسواعدهم لمواجهة مخاطر إبادة وجودهم"- الأناضول
الخرافة التي نسجتها المخيلة الصهيونية طيلة عقود، حول خطر إبادة مزعوم يتهدد إسرائيل بالزوال من وجود جيوش عربية عقيدتها تهدف تحقيق ذلك، ثم الادعاء أن هناك جماعات تأخذ هذه المهمة بممارسة "الإرهاب"؛ خرافة حلت محلها واقعة الرد الصهيوني عليها بإحداث جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي في غزة، وما دامت هذه الجريمة المستمرة محاطة بجيوش وهياكل أمنية عربية تتعايش مع الإبادة منذ عام تقريبا، ومصرّة بشكل أكثر من ذي قبل على ممارسة سياسات فيها تخلٍ واضح عن منع الجريمة الكبرى في فلسطين من إبادة وتهويد وتهجير واستيطان، يبقى حسم الأمر كله متعلقا بقضية فلسطين، وإخضاع شعبها للإرادة الصهيونية والتعامل مع نتائج هذه الإرادة على أرض الواقع انطلاقا من المصلحة الإسرائيلية أولا.

يجري العمل على إكساب الجريمة الصهيونية بُعدا واقعيا بجملة ذرائع ثابتة بالمفاهيم الغربية والأمريكية، وحصر الخطر القائم في المنطقة العربية بالفلسطينيين أنفسهم، كشعب صامد فوق أرضه وبمقاومته لاحتلاله بكل السبل والوسائل التي تكفلها الشرائع والقوانين، ولأن التهديد الحقيقي للمشروع الاستعماري الصهيوني في المنطقة العربية لا يأتي من جيوش عربية تمنح الطمأنينة المستمرة للاحتلال ولا من أنظمة شغلها الشاغل توفير الاستقرار للحاكم، فإن الخرافة الصهيونية والأساطير التلمودية عن الإبادة للأغيار تلقى إجماعا في الخطاب الإسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.

تصاعد اللهجة والسلوك على الأرض في غزة ومدن الضفة والقدس يعني أن الاستفراد الإسرائيلي بالفلسطينيين شعبا وقضية يتحقق ليس لأن الفلسطينيين يقاومون محتلهم فقط، بل لأن هناك جملة من المتغيرات التي تضيف على جرائم الإبادة ذرائعها العربية المتوجسة من الفعل الفلسطيني المُقزِم لكل حالة عربية عسكرية وأمنية وسياسية

تصاعد اللهجة والسلوك على الأرض في غزة ومدن الضفة والقدس يعني أن الاستفراد الإسرائيلي بالفلسطينيين شعبا وقضية يتحقق ليس لأن الفلسطينيين يقاومون محتلهم فقط، بل لأن هناك جملة من المتغيرات التي تضيف على جرائم الإبادة ذرائعها العربية المتوجسة من الفعل الفلسطيني المُقزِم لكل حالة عربية عسكرية وأمنية وسياسية منشغلة في تبديد مخاوف زعزعة الاستقرار لها وللمحتل.

لذلك تسعى إسرائيل ومن خلفها القوى الغربية والولايات المتحدة، وبشكل أكثر تحديدا بعض النظام العربي، لتطويق وحصار مقاومة الفلسطينيين وإظهار جرائم الإبادة كعقوبة على أفعال غير "محسوبة" ولا تنتمي لصلب شعبٍ يرزح تحت احتلال فاشي عنصري دموي.

والحزام العربي القائم اليوم حول فلسطين وغزة يقدم دلائل قوية لمشهد الخزي من الانتظار العربي لإنهاء المحتل جريمته حتى يتسنى له إصلاح ما تزعزع في العقد الأخير من هياكل الاستبداد والطغيان العربي، والذي كشفت فيه المواجهة في غزة بين المقاومة والاحتلال التغيير النوعي الذي أحدثته في وعي الشارع العربي، وسقوط أكاذيب كثيرة متعلقة بالدعم والإسناد لفلسطين ولمقاومتها.

جرائم الإبادة تستمر لأن الفلسطينيين بلا ظهير وبلا سند سوى إيمانهم بسواعدهم لمواجهة مخاطر إبادة وجودهم، وما ظهر للآن بعد عام من جرائم الحرب والإبادة الجماعية من الجعبة العربية أو الإقليمية "المساندة" بأشكال مختلفة لا يرقى بأي شكل من الأشكال لمستوى القول إن هناك دعما وإسنادا لا لمقاومة الفلسطينيين ولا للضحايا ولا لمنع الجرائم، والحديث عن مشاغلة وإسناد من جبهات أخرى لا يرقى لفعل مقاوم حافي القدمين يلاحق دبابة الميركافاه ويزرع فوقها عبوة متفجرة.

القضية الفلسطينية وجرائم الإبادة الصهيونية بحق شعبها، ليست عالة إنسانية تستدر العطف، هي واقع تثويري نضالي لمستعمر استيطاني إحلالي، مقاومته ستستمر، ونهايته محتومة بمنطق المصير الطبيعي لكل قوى الاحتلال

فهذه الجرأة الفلسطينية من البسالة التي تعادل عمل جيوش أنظمة عربية، وتعادل جدوى مخزون السلاح لمن يتشدق بامتلاكه من حليف الفلسطينيين وبقدرته على مسح العدو ولا يفعل، ويراقب مسح العدو لحياة حليفه ويقتلعه من جذوره، لا تفهم من هذا بعد حصول الجرائم والإبادة الجماعية عن جدوى التغني بذات الشعارات التي فشلت بأن تترجم على أرض الواقع، وأنت تعلم كضحية أنه باستطاعة حليفك أن يناصرك بشكل يمنع إبادتك ولا يفعل، فهذا يُفهم لدى المؤسسة الصهيونية ويترجم بالاستفراد الماثل أمامنا في غزة وبقية فلسطين، وعليه يبرز الوجه الآخر للنتائج المترتبة عن الجرائم، وعن حالة الخذلان والنفاق الدولي والعربي للفلسطينيين كعنصر يراكم على ما سبقه.

والقضية الفلسطينية وجرائم الإبادة الصهيونية بحق شعبها، ليست عالة إنسانية تستدر العطف، هي واقع تثويري نضالي لمستعمر استيطاني إحلالي، مقاومته ستستمر، ونهايته محتومة بمنطق المصير الطبيعي لكل قوى الاحتلال والاستعمار في التاريخ.

أخيرا، لا عجب إطلاقا أن تكون قضية وقف جرائم الإبادة في غزة، شعارا عربيا جافا غير مصحوب بأي سلوك عربي دبلوماسي وسياسي وأمني يمنح مصداقية لكل الادعاءات المرتبطة بالجهود والتحرك الذي تطلقه بيانات رئاسية عربية ومن زيارات خارجيتها لتفخيم جهودها، بينما القضية المهيمنة أساسا أن هناك استفرادا صهيونيا قد تم بالفعل في غزة على مرأى ومسمع عربي محيط بغزة وفلسطين، وتفسير ذلك ما ورد أعلاه لفحوى الجهد العربي الذي تُستشف منه حقائق الاستفراد الصهيوني بغزة وبجرأته على استمرار ارتكاب الجرائم، وهو مؤشر عميق أيضا على من تعلق بأهداب أملٍ على نصرة غزة وقد أصبح سرابا بعد إكمال المجرم مذبحته وقد اندحرت أمامه كل شعارات النفاق الغربي والعربي.

x.com/nizar_sahli