زعم محللون مقربون من شؤون السياسة السورية ومصادر
القرار، درسوا في معاهد غربية، وأُوفدوا إليها من قبل الدولة نفسها، واختيروا على
عينها العوراء، دولة الغنيمة والقبيلة والطائفة، التي تنظر إلى ضمائر الشعب
بالمجاهر، وتختار الموالين الذين لا تشوب تاريخهم شائبة، وبكلمة أدق وأفصح، تختارهم
من الطوائف الكريمة.. أنَّ الرئيس السوري ضعف كثيرا، وأنه دُعي على عجل إلى أولياء
أمره في روسيا، التي اشترى فيها منتجعا احتياطيا للمنفى، وأنَّ الرئيس الروسي استشعر
خطرا عليه، فوقّاه وصانه وحفظه من إيران وعين الحاسد، لحين انجلاء الغمّة. ولم
يذكر الزاعم نوع الطائرة التي سافر بها، أهي طائرة شحن أم طائرة نقل ركاب "فيرست
كلاس"؟ وأنَّ بوتين حذره من القتل بيد الإيرانيين.
ومن المعلوم أنه انتشر قبل سنوات أنَّ الرئيس
المصري ساقط،
وأنَّ نظامه يترنح، إثر تحريضات رجل الأعمال محمد علي المقيم في ديار فريق ريال
برشلونة. وكذلك انتشرت أقوال بقرب سقوط الرئيس
التونسي الفصيح "الهوبيت"،
الذي تذكر خطبه "العصماء" ولغته العربية المتفيهقة بأفلام الفانتازيا
التاريخية الكوميدية، ومعلم اللغة العربية رمضان مبروك أبو العلمين حمودة الذي أدى
دوره عندليب الدقي محمد الهنيدي.
الرئيس العربي هو أقوى رجل في الوطن، هو عملاق الوطن،
والشعب أقزام، هو الأب الذي يقضي نهاره وليله في العمل، وهم الأبناء الأطفال
الجياع. إنَّ واحدة قياس القدرة والاستطاعة في كتب الفيزياء، هي الواط والجول
والحصان وسواها، أما واحدة قوة الرئيس العربي، فهي قوة شعبه وقوة وطنه. وبناء عليه
تكون قوة الرئيس السوري هي قوة الشعب السوري المسلوبة، الذي كان يبلغ 23 مليونا
عددا، وهم أقوياء وأذكياء، ومسبّعو كارات، وأصحاب ميراث عظيم، وقد فتحوا الدنيا
يوما، وألحقوها ببستان هشام، كما تقول أنشودة شهيرة، تضاف إليها قوة
سوريا
الجغرافية والإقليمية والتاريخية، وقد حولها الرئيس السوري إلى عازل، فهي تعزل
تركيا عن إسرائيل، وتعزل إسرائيل عن العرب، فسوريا واحدة من الوسائد المحيطة
بإسرائيل، والتي تنام عليها هانئة ملء عيونها عن شواردها.
وكذلك قوة الرئيس المصري، وهو أضعف مخلوقات الله لسانا
ويدا، ويشبه تولّيه رئاسة أقوى دولة عربية، توّلي الفقير مثابةَ الأمير في الحكاية
الشهيرة، وقد اختلس قوة مصر التي وصفها عمر بن الخطاب بقوله: "إِذَا فَتَحَ
اللهُ عَلَيْكُمْ مِصْرَ، فَاتَّخِذُوا فِيهَا جُنْدا كَثِيفا؛ فَذَلِكَ الْجُنْدُ
خَيْرُ أَجْنَادِ الْأَرْضِ".
وقد خُدع الشعب التونسي بالمرشح الرئاسي قيس سعيد أيما خدعة،
وأخذوا بألقابه الجامعية والأكاديمية، وأرفعها لقب أستاذ القانون الدستوري، وحراسة
حقوق الإنسان التي سحقت في تونس في ظله الوريف، فأصبح الشعب يقلب كفيه خاوية.
إن الإرهاصات بقرب سقوط الرئيس السوري، أو الرئيس
التونسي لخروج مظاهرة، مبالغ فيها، مثل النبوءات بسقوط رئيس مصر، فعرشه مشدودٌ
أمنيا وعربيا وعالميا وإقليميا بالأوتاد، وأغلب الظنِّ أنَّ الرئيس السوري سيحكم
طويلا، وأنَّ حكمه سيكون اسميا، وأنَّ الرئيس التونسي قيس سعيد سيحكم حتى الموت،
فالإمارة حلوة الرضاع مُرة الفطام. وكنا قد فُتنا بمبشرات بقرب فرار الرئيس
السيسي
مع أمواله التي ادّخرها من أموال الجباية الداخلية والرز والسكر والرغيف، وأموال
تمويل الانقلاب الخارجية، لكن الأمر لا يعدو كونها سوى أضغاث أحلام.
ويتفاءل محللون سياسيون، وأولو نظر في علوم المُلك،
بانطلاق ربيع عربي جديد من تونس. وكانت تونس مهملة، بعيدة عن الرقباء، لصغرها وقلة
تأثيرها السياسي، وقد قال الأسلاف قديما: معظم النار من مستصغر الشرر، لكنَّ الأغلب
الأعم أنَّ هذه الدول العظيمة قد تحولت إلى عوازل سياسية حامية وقبة عربية واقية
لإسرائيل، وعدة من عتاد القبب الكثيرة التي تقي إسرائيل من الأذى وعرضها صيّن، وأنَّ
التغيير في إحداها يعني تغييرا في كلها، فهي مثل القطار، وأنَّ رؤساءها قد استقروا
وضربوا بجرانهم الأرض، وأنَّ تغييرهم لن يتم إلا بتغيير إسرائيل، ويتفاءل كثيرون أنَّ
غزة قد تكون رافعة التغيير الكبير، وقد تكون كذلك.
إنَّ قواعد المُلك في الدول العربية التي استقرت في
الحرب العالمية الثانية لن تتغير إلا بحرب عالمية ثالثة، التي قد تكون منطلقة من
غزة أو من أوكرانيا، والتي قد تمتد إلى الإقليم والعالم. وتجتهد أمريكا في منع
امتداد الحرب إلى لبنان، والإقليم بعامة، وإن كانت قد امتدت إلى اليمن البعيد غير
السعيد، لكن رئيس وزراء إسرائيل يصون حكومته بالحرب، فلا صوت فوق صوت المعركة.
عودا إلى الرئيس السوري المستضعف المذل: لنذكر أنَّ
الدولة العباسية بلغت طور الضعف بعد وفاة الخليفة "المتوكل على الله" في
عام 247هـ، وأنَّ السلاجقة الأتراك والقادة العسكريين حجروا على الخلفاء وحكموا بأسمائهم
وسلطانهم قرنين أو أزيد، فقد تصيد ثوار شعبه الضرغام ببازي إيران وروسيا
فتصياده كما يقول بيت المتنبي الشهير. وهذا ما وقع للرئيس السوري الذي لم يعد يملك
من أمر ملكه الكثير، لكنه لا يزال يحكم ثلث سوريا، وقد تنهار سوريا كلها لكنه
سيكون آخر حجر فيها.
تفككت قبضة الدولة المركزية في الخلافة العباسية، فظهر
حُكام إقليميون في المشرق، وظهر الطولونيون والإخشيديون والأغالبة والأدارسة
والأمويون في مصر والمغرب والأندلس، وهو الحال في سوريا المنقسمة إلى ثلاث دويلات،
وهي محتلة من عشرات الكتائب الشيعية، ولم تكن للخليفة العباسي سوى السلطة الروحية
والاسمية التي يحكم الحكام باسمه. وسيكون شأن
الأسد كشأن الخلفاء العباسيين
المتأخرين.
وإنَّ الروس وأحفاد البويهيين يحكمون سوريا، ومثل ذلك حكم
المنصور بن أبي المشهور
بلقب الحاجب (يعادل رئيس الوزراء)، الذي حكم الخلافة الأموية في الأندلس، باسم الخليفة هشام
المؤيد بالله الذي لم يكن له من الملك سوى الاسم، وشتّان بينه وبين البويهيين.
كنا نتحدث عن قياس واحدة
قدرة الرؤساء العرب العمالقة، وقد سرقوا ثروات الوطن، وأغناها وأثراها العزائم
البشرية، وقد حكموا كما لم يحكم نيرون في زمانه ولا الحاكم بأمر الله الذي يضرب به
المثل في الاستبداد، أما الحجاج فقد أساء له مؤرخون كثيرون، فقد كان حاكما صلبا،
فتح البلاد، وأرسى الأمن.
كان القذافي مضرب المثل
في الطيش والسفاهة والتحولات وغرائب الأطوار وعجائب الأحوال، وكان فرد زمانه، ثم أفقنا
بعد ما يسمى بالربيع العربي، فوجدنا أمثاله يملؤون العروش العربية، حتى أصبحنا
نقيس الملوك بواحدة "قدرة" ومُلك جديدة اسمها: وحدة القذافي، فنقول:
يعادل الرئيس الفلاني ثلاثة قذافي ونصف، والعلاني أربعة قذافي والبلاني عشرة قذافي
وربع.
كثير من توقعات المحليين
مضللة في الغالب، وهي أحيانا متفائلة لبثِّ الأمل، واليأس أرحم من الأمل الكاذب، وإن
مظاهرات تونس سيجري الاحتيال عليها ببعض الأعطيات الاقتصادية أو السياسية المؤقتة
المسكّنة، أو الانتخابية الشكلية. إنَّ رمضان قيس سعيّد أبو العلمين حمودة فائز في
الانتخابات حتما مقضيا، وإن الأسد لا يزال على ضعفه يستطيل على الشعب بزئيره
وأنياب فروعه الأمنية.
"وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ".
x.com/OmarImaromar