نشرت مجلة "
نيولاينز" الأمريكية تقريرا، تحدث عن سعي
دول الخليج لتعزيز نفوذها في
أفريقيا، مع التركيز على الأبعاد الاقتصادية بدلا من الأيديولوجية، مشيرة إلى تنامي شراكة خاصة بين أبو ظبي وتل أبيب في منطقة الساحل الأفريقي.
وقالت المجلة في هذا
التقرير الذي ترجمته "عربي21"؛ إن تاريخ الصراع في الشرق الأوسط منذ
أوائل القرن العشرين مرّ بثلاث مراحل رئيسية، وقد صاغت كل مرحلة السياسات العربية
الداخلية والإقليمية لعقود. أما المرحلة الثالثة، فلا تزال في طور التبلور، لكنها
لا تقل أهمية عن المراحل الأخرى، إذ تمتد إلى ما وراء الخطوط التقليدية للصراع في
البلدان العربية، لتشمل بشكل متزايد أفريقيا وأفغانستان.
كان الصراع في الفترة
الأولى مدفوعا بحركات التحرر الوطني، التي كانت تقاتل في البداية ضد القوى
الاستعمارية و"
إسرائيل"، ثم دعت لاحقا إلى الوحدة الإقليمية تحت راية
العروبة. ثم تركزت معظم الصراعات في مرحلة ما بعد الاستعمار على أجزاء محددة من
المنطقة، لا سيما في غرب آسيا - بدءا من حملات جمال عبد الناصر، التي كانت تناصر
القومية العربية خارج مصر في بلاد الشام واليمن، مرورا بحروب صدام حسين ضد كل من
إيران والكويت، وتدخل حافظ الأسد في لبنان.
أعقب ذلك مرحلة ثانية
يمكن اعتبارها ثمرة عضوية للمرحلة الأولى، وتميزت بصعود القوى الإسلامية والأطراف
التي تحاول التصدي لها. كانت العروبة قد خفتت وحلّ محلها صعود الحركات الإسلامية
القومية، مع صعود تركيا وإيران اللتين أصبحتا أكثر حزما في ساحات الصراع
التقليدية. لكن بينما تغير اللاعبون، ظلت ساحات الصراع كما هي إلى حد كبير، فقد
تشكلت السياسة العربية لعقود من الزمن بفعل الشدّ والجذب بين الأيديولوجيات
القومية العربية والإسلامية.
دخلت المنطقة الآن
مرحلة جديدة تتسم بالابتعاد عن العروبة والإسلامية على حد سواء، وأصبحت محددة
بالمصالح السياسية والاقتصادية لدول الخليج. كانت الانتفاضات العربية سنة 2011
نقطة تحول، حيث بدأت الأنظمة في تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا في الانهيار
والتراجع عن القيادة الإقليمية. ومع تحول مركز القوة الإقليمية إلى دول الخليج،
تغيرت أيضا المحركات الرئيسية للصراع الإقليمي.
أوضحت المجلة أن هذه الصراعات لم تعد محصورة في البؤر
الساخنة التقليدية أو خطوط الصدع الأيديولوجية، بل امتدت إلى مناطق خارج الدول
العربية، بما في ذلك أفريقيا وأفغانستان. وهناك سوابق تاريخية لقوى عربية كبرى في
تقديم الدعم للدول الأفريقية، كجانب من جوانب السياسة المناهضة للاستعمار وسياسات
الحرب الباردة.
ففي
أوائل الستينيات، أرسل جمال عبد الناصر قوات مصرية إلى الكونغو لدعم حكومة باتريس
لومومبا، وسعى معمر القذافي في ليبيا إلى تأكيد
نفوذه في أفريقيا من خلال التعاون
الاقتصادي والسياسي، ولطالما سعت دول الخليج إلى تحقيق مصالحها في المنطقة؛ كما
فعلت السعودية عبر تحالف نادي السفاري السري، الذي قادته الولايات المتحدة
الأمريكية في السبعينيات، وكما فعلت
الإمارات في سيشيل على مدى العقدين الماضيين.
لكن
هذه العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية لم تكن جزءا من استراتيجية لفرض السيطرة أو
التنافس بين دول المنطقة، كما هو الحال في أفريقيا اليوم. ويمكن لهذه الديناميكية
الجديدة أن تساعدنا على فهم أفضل للدوافع الكامنة وراء العديد من التطورات الأخيرة
في المنطقة. فمثلا، ينظر المحللون إلى هجمات الحوثيين على طول البحر الأحمر في
سياق الحرب الإسرائيلية على غزة والمواجهات بين إسرائيل و"محور
المقاومة" الذي تقوده إيران. غير أن هذا يغفل ديناميكية أكثر أهمية في هذا
السياق: قد يكون من الأدق النظر إلى الهجمات على أنها مرتبطة بالتطورات في القرن
الأفريقي.
وبالمثل،
يمكن فهم التوترات المتصاعدة بين مصر وإثيوبيا حول حقوق المياه، إلى جانب المصالحة
التي تمت الأسبوع الماضي بين القاهرة وأنقرة، بشكل أفضل من خلال هذا المنظور،
وكذلك الحروب في السودان والصومال. ومع استمرار دول الخليج في تأكيد نفوذها
واستمرار القوى الدولية مثل روسيا والصين في زيادة انخراطها في أفريقيا
وأفغانستان، يرجّح أن تزداد هذه الأنماط حدة وتشكل مستقبل السياسة العربية. وأحد
الآثار المترتبة عن ذلك، هو تزايد الانقسامات في البلدان التي تمزقها الصراعات
التي تشارك فيها هذه القوى؛ حيث تركز هذه القوى على تحقيق أهداف اقتصادية محددة من
خلال اقتطاع مناطق مصالح محدودة.
الصراع بين مصر وإثيوبيا
وأشارت المجلة إلى
الصراع الدائر بين إثيوبيا ومصر حول حقوق المياه في نهر النيل. وقد استكملت
إثيوبيا بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير في 26 آب/ أغسطس الماضي بتكلفة 4.7 مليار
دولار.
بدأ بناء سد النهضة سنة
2011 رغم اعتراضات مصر والسودان؛ دولتي المصب اللتين تعتمدان بشكل كبير على مياه
النيل. وفشلت العديد من جهود الوساطة، بما في ذلك جهود الوساطة التي بذلتها
الولايات المتحدة والبنك الدولي والعديد من الجهات الخليجية والدولية، في تأمين
اتفاق يحمي حقوق مصر والسودان المائية. يمثل نهر النيل أهمية حيوية لمصر حيث يوفر
أكثر من 14 تريليون جالون من المياه سنويّا، وهو ما يمثل 79 بالمائة من إجمالي
الموارد المائية في البلاد، ويلبي 95 بالمائة من احتياجاتها المائية.
وفي الوقت الذي احتفلت
فيه أديس أبابا باكتمال السد باعتباره إنجازا تاريخيّا، جاء رد القاهرة سريعا في
الصومال، حيث هبطت طائرتان عسكريتان مصريتان في مقديشو، محملتان بالجنود والأسلحة
والمعدات. كان هذا جزءا من انتشار أكبر لـ 10 آلاف جندي مصري بموجب اتفاقية الدفاع
بين البلدين. وردت إثيوبيا سريعا بنقل قوات عسكرية إضافية إلى حدودها مع الصومال.
وقد حذّر متحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية من أن البلاد لن تقف مكتوفة الأيدي،
بينما تقوم قوات خارجية بزعزعة استقرار المنطقة وتهديد الأمن القومي الإثيوبي.
وأفادت المجلة بأن
الانتشار المصري حمل هدفين: تعزيز المشاركة المصرية في بعثات حفظ السلام الأفريقية
في الصومال، وقطع الطريق على طموحات إثيوبيا في تأمين منفذ دائم على البحر الأحمر.
والأهم من ذلك، تضمن هذه الخطوة وجودا عسكريّا مصريّا بالقرب من حدود الصومال مع
إثيوبيا. وقد زادت هذه التطورات من حدة التوترات بين اثنتين من القوى الإقليمية في
أفريقيا، مما يهدد بإشعال مواجهة عسكرية وجذب دول أخرى في الجوار وخارجه.
في أوائل سنة 2024،
وقّعت إثيوبيا مذكرة تفاهم مع أرض الصومال، وهي جمهورية مستقلة أعلنت استقلالها،
ويعتبرها الصومال جزءا من أراضيه السيادية. وبموجب هذا الاتفاق، ستستأجر إثيوبيا
مساحة 12 ميلا من الخط الساحلي على طول البحر الأحمر لمدة 50 سنة، مما يسمح لها
ببناء قاعدة عسكرية. في المقابل، تعترف إثيوبيا باستقلال أرض الصومال وتقدم لها
حصة من أرباح الخطوط الجوية الإثيوبية. وفي آب/ أغسطس، أوفدت إثيوبيا مبعوثا رفيع
المستوى إلى أرض الصومال، في أول بادرة دبلوماسية من هذا النوع من قبل أي دولة.
وقد أغضب الاتفاق بين
إثيوبيا وأرض الصومال جيرانها، لا سيما الصومال، التي تصر على أن أرض الصومال -
التي تعتبرها جزءا من أراضيها - لا يمكنها الدخول في اتفاقيات دولية. كما أثارت
مناورة أديس أبابا أيضا مخاوف في جيبوتي، التي ستخسر المليارات من عائدات الموانئ،
وفي إريتريا، حيث تزايدت المخاوف من التوسع الإثيوبي.
رأت القاهرة فرصة
سانحة وسط التوترات المتزايدة بين إثيوبيا وجيرانها، وسارعت إلى إدانة اتفاقية أرض
الصومال. في كانون الثاني/ يناير الماضي، أوضح الرئيس عبد الفتاح السيسي معارضة
مصر للاتفاقية، مؤكدا التزام بلاده بسيادة الصومال واستعدادها لمواجهة الأطماع
الإثيوبية. وفي وقت لاحق، وقّعت مصر اتفاقية التعاون العسكري مع الصومال، مما زاد
من حدة المواجهة.
أفادت المجلة بأن هذا
النزاع الذي يبدو ثنائيا بين إثيوبيا ومصر، يزداد تعقيدا بسبب مشاركة جهات فاعلة
أخرى من خارج حوض النيل. وقد حققت كل من الإمارات، وتركيا، وإسرائيل، وإيران
توغلات كبيرة في أفريقيا. فمصر التي تحاول الآن استعادة نفوذها من خلال التواصل مع
الحكومة المركزية في الصومال، تحاول في الوقت نفسه التعامل مع مصالح الجهات
الفاعلة الإقليمية والدولية الأخرى في المنطقة.
لقد كان لتركيا
والإمارات على وجه الخصوص بصمة راسخة لسنوات في منطقة القرن الأفريقي وما وراءها.
فهذه المنطقة التي تضم الصومال وإريتريا وإثيوبيا وجيبوتي، تكتسب أهمية استراتيجية
بسبب طرقها البحرية الرئيسية، وبالأخص خليج عدن ومضيق باب المندب. وقد ظهرت هذه
المنافسة في البداية، من خلال التنافس الاقتصادي الهادئ عبر بناء التحالفات
والتعاون العسكري. ومع نشوب الصراع في الصومال، ومؤخرا في السودان، أفسحت هذه
الدبلوماسية الهادئة المجال للتدخلات العسكرية، بدءا من إمداد الصومال بالطائرات
التركية المسيرة منذ 2017 إلى دعم الإمارات الحالي للقوات العسكرية في السودان.
وقد أدى التوتر
المتزايد بين مصر وإثيوبيا أيضا إلى إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية؛ حيث وجدت
مصر نفسها إلى جانب تركيا وقطر ضد حلفائها السابقين في الإمارات والسعودية، وتوجت
هذه المساعي بزيارة تاريخية قام بها السيسي إلى أنقرة في 4 أيلول/سبتمبر الماضي،
بعد تحسن تدريجي في العلاقات بين تركيا ومصر في السنوات الأخيرة.
ورغم هذا التقارب، فإن
تركيا تسعى إلى تنفيذ استراتيجيتها التوسعية في القارة؛ حيث اكتسبت موطئ قدم راسخ
في الصومال منذ 2017، كجزء من طموحاتها الأوسع نطاقا في استعراض القوة البحرية،
وكذلك التجارة والاستثمار في جميع أنحاء أفريقيا. وفي 8 شباط/ فبراير، وقّع وزير
الدفاع التركي يسار غولر ونظيره الصومالي اتفاقية للتعاون الدفاعي والاقتصادي في
أنقرة. ومن المقرر أن تستمر هذه الاتفاقية لمدة 10 سنوات.
وأشارت المجلة إلى أن
النفوذ الخليجي المتزايد في القرن الأفريقي أضاف طبقة أخرى من التعقيد إلى
الجغرافيا السياسية في المنطقة. فقد حظيت الصفقة بين إثيوبيا وأرض الصومال بدعم
الإمارات، حليف مصر الوثيق في أماكن أخرى. وتدعم أبو ظبي كلا من أرض الصومال
وإثيوبيا، ويتضمن جزء من الاتفاق بينهما بناء الإمارات ميناء جديدا. وتزيد صفقة
الميناء من حدة المنافسة بين الصومال وحلفائها ومحور إثيوبيا وأرض الصومال
والإمارات؛ حيث تمثل الاتفاقية الدفاعية التركية (والآن المصرية) بالنسبة للصومال،
موازنة للنفوذ المتزايد للإمارات وإثيوبيا، خاصة أن تركيا تمتلك بالفعل أكبر قاعدة
عسكرية لها خارج حدودها في مقديشو.
حافظت الإمارات على وجودها في أرض الصومال منذ سنة 2018،
عندما أعلن الرئيس موسى عبدي أن الإمارات تقوم بتدريب قوات الأمن في أرض الصومال،
بموجب اتفاقية لإنشاء قاعدة عسكرية إماراتية، وذلك بعد سنة واحدة من تقديم تركيا
تدريبا عسكريّا مماثلا للصومال. وتقع القاعدة في مطار بربرة وستبقى هناك لمدة 30
سنة. وتقع بربرة على بعد أقل من 20 ميلا من اليمن، وهي موقع استراتيجي على خليج
عدن، ويمتد تدخل الإمارات هناك إلى مصالح اقتصادية أوسع في القرن الأفريقي. في عام
2019، أطلقت موانئ دبي العالمية توسعة لميناء بربرة بتكلفة 101 مليون دولار؛ حيث
سيتم من خلالها تصدير الماشية - وخاصة الإبل - إلى الشرق الأوسط واستيراد السلع
مثل المواد الغذائية. وتعتمد قدرات الإمارات العربية المتحدة في عرض قوتها في
المقام الأول، على قوتها المالية وخبرتها في تطوير الموانئ.
إن
وجود الإمارات في أفريقيا يسبق العديد من هؤلاء اللاعبين الجدد، ولم يكن حضورها في
أفريقيا مدفوعا دائما بالتنافس الاستراتيجي، فقد بنت روابط من خلال العلاقات
الاقتصادية مع أماكن مثل جزر القمر وسيشيل والبلدان الغنية بالموارد مثل الكونغو
وتنزانيا وزامبيا.
وفي
حين كانت مصر والسودان تتمتعان بالنفوذ في السابق، أصبحت الإمارات الآن صاحبة
النفوذ الأكبر، بينما لا تزال السعودية غائبة بشكل واضح. وتواصل الإمارات والسعودية
تقديم الدعم المالي لمصر، لكنهما فقدتا الثقة في السيسي بسبب سوء إدارته
الاقتصادية، وتسعى كل منهما إلى تحقيق أجنداتها الخاصة، مما يهدد بتقويض حكومة
السيسي وتفاقم المشاكل الاقتصادية في مصر.
وأوضحت
المجلة أن السعودية أيضا تدعم إثيوبيا، سواء في نزاعها مع مصر حول سد النهضة، أو
في الاعتراف بجمهورية أرض الصومال. وقد اتفقت الرياض وأديس أبابا على تعزيز
العلاقات الثنائية في مختلف المجالات في آذار/ مارس، ووقعتا في حزيران/ يونيو
الماضي اتفاقا لإنشاء مجلس أعمال سعودي إثيوبي مشترك والتعاون في الاستثمارات في
إثيوبيا، بما في ذلك في مجالات الصناعة والزراعة والطاقة.
كما
تتعاون السعودية والإمارات في استثمارات الموانئ. ففي كانون الأول/ ديسمبر 2019،
وقّعت هيئة الموانئ السعودية اتفاقيات امتياز مع موانئ دبي العالمية لاستخدام
ميناء جدة الإسلامي كمركز شحن رئيسي على البحر الأحمر. وتهدف كل من السعودية
والإمارات إلى زيادة حركة المرور إلى ميناء جبل علي في دبي، من خلال مشاريع تطوير
الموانئ في القرن الأفريقي.
تمتلك
السعودية أطول خط ساحلي على طول البحر الأحمر، مما يمكنها من توسيع عمليات
موانئها. ووفقا لتقرير صدر في نيسان/ أبريل 2020 عن مركز الملك فيصل للبحوث
والدراسات الإسلامية في الرياض، فإن الاستثمار السعودي يساعد إثيوبيا على الوصول
إلى موانئ البحر الأحمر. ويشير التقرير إلى أن إثيوبيا وقّعت اتفاقيات موانئ مع
السودان وجيبوتي، وحصلت على حصة 19 بالمائة من عمليات موانئ دبي في بربرة في أرض
الصومال، ويمكن أن تساعد هذه الاتفاقيات السعودية على تجاوز مضيق هرمز عند تصدير
نفطها. وفي الوقت نفسه، تخطط الإمارات لبناء خطوط أنابيب نفط بين ميناء عصب
الإريتري وأديس أبابا، وتواصل أرامكو السعودية مشاريعها لتوسيع طرق أنابيب النفط
الخام من المنطقة الشرقية للمملكة إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر.
وأشارت
المجلة إلى أن قطر كانت الوجهة الثالثة للرئيس الصومالي بعد زيارته لمصر في 2023،
ولم تتخذ قطر موقفا علنيّا واضحا من الاتفاقية بين إثيوبيا وأرض الصومال عقب
الزيارة. وفي حزيران/ يونيو الماضي، أعلنت إثيوبيا وقطر عن خطة ذات مسارين لتعزيز
التعاون بين قطر والصومال من جهة، وقطر وإثيوبيا من جهة أخرى. وتعد قطر حليفا
وثيقا لمقديشو منذ سنة 2006.
تعمل
الدوحة أيضا على تعميق علاقاتها مع العديد من الدول الأفريقية الأخرى، على الرغم
من أن اهتمامها أقل وضوحا من الإمارات. فهي تقيّم علاقات وثيقة مع رواندا والعديد
من دول الساحل الأفريقي، وقد أدى استخدامها للقوة الناعمة إلى زيادة نفوذها حتى مع
الأفراد والجماعات، في دول مثل موريتانيا التي يُنظر إليها على أنها صديقة لخصوم
قطر الخليجيين، الإمارات والسعودية.
وأفادت
المجلة بأن الحرب الإسرائيلية على غزة حولت الاهتمام العالمي نحو القرن الأفريقي.
ونتيجة لهذه الحرب، استهدف الحوثيون في اليمن سفن الشحن التي تمر عبر خليج عدن
والبحر الأحمر، مما سلط الضوء على هشاشة هذا الممر الحيوي للتجارة الدولية. وقد
أصبح عدم الاستقرار في المنطقة مصدر قلق متزايد للقوى العالمية، مما أدى إلى زيادة
اتفاقيات التعاون العسكري والأمني التي تهدف إلى تأمين هذه الطرق.
لكن هجمات الحوثيين ليست مجرد ردّ على
"إسرائيل"، بل تعد جزءا من التطورات الجارية في القرن الأفريقي،
فالهجمات لها هدف مزدوج على جانبي البحر الأحمر. فداخل اليمن، تندرج الهجمات
ضمن استراتيجية محور المقاومة المتمثلة في رفع تكاليف الحرب في غزة، بالإضافة
إلى ترسيخ حكم الحوثيين من خلال حشد الناس خلف القضية الفلسطينية. وفي الجانب
الآخر من البحر، يفرض الحوثيون وجودهم كقوى معرقلة بالقرب من بعض نقاط الاختناق
الأكثر حيوية في العالم، بهدف فرض أنفسهم كشركاء لا مفر منهم في المشهد الأمني
المتطور في القرن الأفريقي. وتتماشى هذه المناورات مع استراتيجية إيران الأوسع
نطاقا لتوسيع نفوذها في جميع أنحاء أفريقيا، من القرن الأفريقي إلى الساحل، في
تكرار لتكتيكات مماثلة استُخدمت في العراق ولبنان وسوريا.
وقد
جمعت هذه الحسابات بين رفقاء غريبين: الحوثيون في اليمن
وحركة الشباب الصومالية، اللذان أقاما علاقات في الأشهر الأخيرة، حيث يعملان معا
لتهريب الأسلحة والقيام بأنشطة غير مشروعة أخرى. وهذا استمرار لتقليد من هذا
التعاون بين القوات في اليمن والقرن الأفريقي، مستغلين شبكات طويلة الأمد كانت
تعمل أيضا في ظل الأنظمة السابقة في اليمن. ورغم الاختلافات الأيديولوجية، إلا أن
التنظيمين لديهما أعداء مشتركون، وتجمعهما هذه الروابط المتجذرة والمرنة عبر البحر
الأحمر.
وبنت
إيران وجودها الخاص في غرب أفريقيا، إلى جانب شبكات حزب الله، باستخدام القوة
الناعمة والمنح التعليمية لتوسيع نفوذها من السنغال إلى نيجيريا. ووفقا للمجلة،
فإن هذه البصمة الإيرانية المتنامية في القارة هي سبب رئيسي لاهتمام
"إسرائيل" المتزايد بأفريقيا، حيث تحافظ على علاقات قوية من السنغال إلى
أوغندا والمغرب وتراقب بحذر عمليات حزب الله.
وتوفر
"إسرائيل" الأمن والتدريب العسكري وإدارة الموانئ والتكنولوجيا في جميع
أنحاء القارة. ومع التحالف المتنامي بينهما بعد تطبيع العلاقات في سنة 2020، من
المتوقع أن تشكل الإمارات و"إسرائيل" شراكة خاصة في القرن الأفريقي
ومنطقة الساحل.
وأضافت
المجلة أن الصراعات العربية الأخرى أيضا تمتد إلى أفريقيا. فقد كثّف المغرب من
تواصله مع الدول الأفريقية لحشد الدعم لمطالبته الإقليمية بالصحراء الغربية ضد
المقاومة المحلية المدعومة من الجزائر. وكانت الرباط قد انسحبت من طليعة الاتحاد
الأفريقي في سنة 1984، بعد أن اعترفت المنظمة بالإقليم المتنازع عليه كدولة ذات
سيادة. ومنذ إعادة قبولها في سنة 2017، ألغت نحو عشرين دولة أفريقية هذا الاعتراف.
أضف
إلى هذا مزيج القوى الدولية مثل روسيا والصين التي تهدف إلى ترسيخ مصالحها
الاقتصادية والسياسية، من خلال الاصطفاف مع حلفاء الغرب مثل الإمارات ضد القوى
الغربية مثل فرنسا. إن دول الخليج تحاكي ما تقوم به الصين منذ فترة طويلة في
أفريقيا: بناء علاقات اقتصادية قوية بهدوء وملء فراغات السلطة في دول القارة.
تلعب
روسيا لعبة مختلفة عن الآخرين، من خلال انتهاج سياسة مماثلة للحرب الباردة للإطاحة
بالأنظمة الموالية للغرب، واستبدالها بأنظمة صديقة لموسكو بهدف إنشاء ممر استراتيجي
من البحر الأحمر إلى المحيط الأطلسي. وفي خضم هذه التغيرات، تتقاطع المصالح
الروسية مع مصالح بعض حلفاء أمريكا التقليديين، مثل الإمارات. فقد كسبت قوات الدعم
السريع السودانية بقيادة حميدتي الملايين من خلال السيطرة على مناجم الذهب، وإرسال
مرتزقة للقتال لصالح التحالف السعودي الإماراتي في اليمن.
وأكدت
المجلة أن العديد من ديناميكيات القوة في البحر الأحمر وأفريقيا لا تزال جديدة،
ويبقى أن نرى كيفية تطورها. أما في الوقت الراهن، فقد خلق هذا المشهد المتغير
تحالفات غير محتملة، مثل التحالف بين مصر وتركيا، أو بين الحوثيين وحركة الشباب،
بينما أدى أيضا إلى انقسام دول الخليج حول التطورات في القرن الأفريقي وعلى النيل.
يمكن النظر إلى هذا التنافس باعتباره فشلا عربيّا في مواجهة
إيران بعد خسارة المنافسة الجيوسياسية ضدها في قلب غرب آسيا على مدى العقد الماضي.
مع ذلك، فإن توسعها خارج المنطقة يمثل قصة مهمة خرجت عن سياق الصراعات السابقة.
ومن المرجح أن تختلف طبيعة هذه الصراعات الجديدة عن تلك التي سبقتها، مما يعكس
الطموحات السياسية والاقتصادية للقوى الخليجية، التي تتجاوز التنافس مع طهران على
دول مثل لبنان وسوريا. ومع أنها تبدو غير فعالة في الشرق الأوسط، إلا أن دول
الخليج تستفيد الآن من قوتها المالية لتأسيس نفوذها في مسارح جديدة، بما في ذلك
أفريقيا وأفغانستان.
لكن دول الخليج غير قادرة على استنساخ الصيغة الإيرانية
للاستيلاء على الدولة؛ لذا فهي تهتم بالاستيلاء على الأراضي: فهي تضع نصب أعينها
أهدافا محددة في حدود إمكانياتها، وهو ما يعني في كثير من الأحيان الانحياز إلى
جهة فاعلة واحدة تعمل في منطقة اهتمام محددة، حتى لو أدى ذلك إلى انشقاق داخل بلد
معين.
وبالفعل، يمكن للمرء أن يرى هذا النمط في الأماكن التي دعمت
فيها دول الخليج جهات فاعلة محلية: في ليبيا والسودان واليمن والصومال، وإلى حد ما
في سوريا. وقد أدت هذه السياسات بالفعل إما إلى تقسيم الدول أو تعميق الانقسامات
القائمة. وتعكس هذه الاستراتيجية محدودية قدرة هذه القوى الناشئة على الهيمنة على
بلد ما والسيطرة على سياساته، كما فعلت إيران والأنظمة العربية القديمة في معظم
أنحاء المنطقة. وقد يكون هذا هو إرث الجولة القادمة من الصراعات التي تغذيها أو
تدعمها دول الخليج المتنافسة: صراعات لا تتعلق بالأيديولوجيات الكبرى بقدر ما
تتعلق بالحسابات الباردة للنفوذ والموارد والسيطرة.