صحافة دولية

كاتبة فلسطينية: مفاوضات وقف إطلاق النار سلاح الاحتلال لمواصلة الحرب

يتخذ الاحتلال الإسرائيلي المفاوضات غطاء لمواصلة القتل والتخريب والهدم في غزة - الأناضول
نشر موقع "موندويس" مقالًا للكاتبة الفلسطينية من غزة "ملاك حجازي" تناولت فيه استخدام التفاوض بشأن وقف إطلاق النار كسلاح في حرب غزة، حيث يجري تحويل الأمل بالتوصل إلى تسوية لوقف النزاع إلى أداة ضغط ضد الفلسطينيين.

وأفادت الكاتبة، في مقالها الذي ترجمته "عربي 21"، أنه مع امتداد الحرب في غزة حتى صيف 2024، أصبح الوعد بإنهاء هذه المعاناة مجرد وهم قاسٍ. ففي كل مرة تشير فيها الأخبار إلى مفاوضات جديدة، ينتشر الشعور بوميض من الأمل - شعلة صغيرة هشة ربما، ربما فقط، ستكون هذه المرة مختلفة.

وأشارت إلى أن سكان غزة لا يتمتعون بفرصة الحداد كما يجب؛ إذ تتعرض حياتهم لروتين قاسٍ ومؤلم: الانتقال المستمر من مكان إلى آخر، ومتابعة الأخبار المتواترة، وجمع الماء، والبحث عن الطعام، وجمع الحطب لإشعال النار. وسرعان ما يظهر النمط المعتاد: تنهار المفاوضات، وتبدأ لعبة اللوم، ويتلاشى الأمل من نفوسهم.

وأضافت أن كل شهر يتكرر نفس السيناريو: يصدر السياسيون بيانات رسمية، ويتنقل الوسطاء بين العواصم، وتتصدر العناوين الرئيسية بالوعود بتحقيق انفراجة. يحدث بعض التقدم، وتتحقق خطوة مهمة إلى الأمام، لكن سرعان ما تقاوم إسرائيل، وينهار كل شيء.

أمل تعقبه مجزرة
وذكرت الكاتبة أن سكان غزة هم ضحايا المجازر، لكنهم أيضًا أصبحوا فريسة لأمل يتم استغلاله كسلاح ضدهم. في ظل المفاوضات؛ تواصل إسرائيل تنفيذ مجازرها الأكثر وحشية.

 فعلى مدار عشرة أشهر من الإبادة الجماعية؛ تمر العديد من اللحظات التي يتمسك فيها الفلسطينيون بالأمل، لكن هذا الأمل كان يتحطم مع كل مجزرة جديدة. فقد تكرر الأمر مرارًا وتكرارًا، حيث خذلهم الأمل جميعًا.

وأوضحت الكاتبة أنه بعد وقف إطلاق النار الأول في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، كان هناك حديث عن تمديده بهدف إنهاء الحرب، لكن سرعان ما تبدد هذا الأمل.

 فبعد أسبوع واحد فقط من انهيار وقف إطلاق النار، اقتحم الجيش الإسرائيلي منزلها وأجبرها مع عائلتها على مغادرته في ظلام الليل، دون أن يأخذوا معهم هواتفهم أو أي مصدر للضوء.

وقالت إنها شعرت برعب شديد، خاصة عندما هددها أحد الجنود الإسرائيليين بالقتل. وأضافت: "كنت أمشي والدموع تتساقط من عيني، والخوف يملأ قلبي. وفي النهاية، وجدنا ملجأً في أحد المستشفيات، حيث نمنا على أرضية قذرة قبل أن ننتقل إلى منزل أحد أقاربنا. بعد شهر، عدنا إلى حي تغيرت معالمه بشكل كبير. كان منزلنا قد دُمّر جزئيًا، في حين فقدت العديد من العائلات منازلها بالكامل".

وأضافت أنها تلقت اتصالا، في شهر آذار/ مارس الماضي، من عمتها وهي مقتنعة بأن الحرب ستنتهي قبل شهر رمضان الماضي، بناءً على الأخبار التي قرأتها. وكانت سعيدة ومتفائلة، حتى أنها كانت تشاركهم خططها للحياة بعد الحرب والوصفات التي ستطبخها.

ولكن بعد فترة وجيزة، اجتاح الجيش الإسرائيلي مستشفى الشفاء والحي المحيط به للمرة الثانية، حيث كانت عمتها تعيش. لقد حوصرت في منزلها لمدة ثلاثة أيام خلال شهر رمضان، دون طعام أو ماء، وكانت مرعوبة من أصوات الدبابات التي تقصف كل شيء حولها دون هدف واضح.

وعندما اتصلت بها، كانت تبكي وهي تشعر بأن الموت قريب. وفي النهاية اقتحم الجيش الإسرائيلي منزلها وأجبرها هي وأطفالها والجيران على التحرك جنوبًا سيرًا على الأقدام بأمعاء خاوية ومشيًا فوق جثث القتلى.

ولفتت الكاتبة إلى أن حركة حماس أظهرت، في أيار/ مايو الماضي، استعدادها لقبول وقف إطلاق النار الذي اقترحه الرئيس الأمريكي جو بايدن. في تلك اللحظة، ظن الناس أن أهوال الحرب قد انتهت أخيرًا، واحتفلت العائلات النازحة بهذا الأمل الجديد، معتقدة أن الخلاص من معاناتها القاسية أصبح قريبًا.

لكن تلك الفرحة لم تستمر طويلاً؛ ففي اليوم التالي مباشرة، شنت إسرائيل غزوًا على رفح، مما دمر الأمل القصير في نهاية معاناتهم الموعودة.

وأفادت الكاتبة أن كل جولة من المفاوضات تقابل بما يسمى "الضغط العسكري" المتزايد على حماس، والذي غالبًا ما يترجم إلى قتل المزيد من الفلسطينيين. وتستخدم إسرائيل إستراتيجية تنطوي على ارتكاب جرائم حرب ومجازر لعرقلة المفاوضات، مثل حرق خيام النازحين، وقتل أكثر من 200 فلسطيني لتحرير أربعة رهائن إسرائيليين، أو قتل 100 فلسطيني أثناء صلاة الفجر.


 وتبرر إسرائيل هذه الجرائم بأنها ضرورية لفرض شروطها لوقف إطلاق النار. ولكن ما هي هذه الشروط؟ إسرائيل لا تريد حقًا أن تنتهي الحرب. إنها تريد فقط فترة توقف قصيرة لإعادة تنظيم صفوفها قبل العودة لقتل المزيد من الفلسطينيين.

 وتريد إسرائيل أن تسيطر على ممرات فيلادلفيا ونتساريم لتسيطر على حياة الفلسطينيين إلى أجل غير مسمى، وتمنع وصول الغذاء والدواء، وتزيد من القيود المفروضة على السفر، وتجعل الحياة في غزة غير صالحة للعيش مرة أخرى. ولا تزال تمنع الفلسطينيين من العودة إلى منازلهم في شمال غزة.

عندما يتم استخدام أملنا كسلاح ضدنا
وأضافت: "بعد كل فشل لمفاوضات وقف إطلاق النار، أتساءل عن الهدف من الحرب المستمرة: ما الذي تريده إسرائيل حقًا؟ حرب إقليمية؟ القضاء التام على الفلسطينيين في غزة؟ التهجير القسري للفلسطينيين إلى مصر؟ ما هي الخطط التي يتم وضعها خلف الأبواب المغلقة؟ أجد نفسي أفرط في تحليل كل تصريح من القادة الإسرائيليين والمرشحين للرئاسة الأمريكية. يبدو أن حياتنا يسيطر عليها مرضى نفسيون مجرمون".

واعتبرت أن قرار الديمقراطيين بتخصيص 3.5 مليارات دولار إضافية لإسرائيل بعد أن دعت كامالا هاريس إلى إنهاء الحرب يبدو مخادعًا بشكل ملحوظ. ويسلط هذا التناقض الضوء على نفاق مقلق. وتساءلت الكاتبة عن عدد الأطفال الآخرين الذين سيعانون؟ وعدد المنازل التي ستتحول إلى أنقاض؟ وعدد الأحلام التي ستدمر؟

وأضافت أنه عندما ينادي دونالد ترامب بتوسيع أراضي إسرائيل، ما الذي يترتب على ذلك؟ ما هي الأراضي التي سيتم الاستيلاء عليها؟ هل سيتم نقل أهل غزة قسراً إلى صحراء سيناء؟

وقالت إن كلاً من الولايات المتحدة وإسرائيل مدفوعتان بسعيهما لتحقيق النصر العسكري والمكاسب السياسية، وكل ذلك على حساب أهل غزة. ومع ذلك، لا يبدو أن أحدًا يهتم بضرورة إعادة إعمار غزة. بينما يجب أن يعود الأطفال إلى المدارس، ويجب أن يتم إعادة بناء الجامعات والمستشفيات.

واختتمت مقالها قائلة إنه مع اقتراب هذه الحرب من إتمام عام على اندلاعها، أدرك أن مفاوضات وقف إطلاق النار ليست سوى سلاح آخر في هذه الحرب. فهم يطلقون الوعود بإنهاء هذه المحرقة، ثم يخطفونها. وبينما يتحدث العالم عن الحاجة إلى وقف إطلاق النار، لا يحدث أي تغيير على أرض الواقع؛ حيث تُرتكب المجازر واحدة تلو الأخرى بطرق مروعة، ويموت الأبرياء الذين كانوا يحلمون بنهاية الحرب.