تقارير

بيسان مدينة العيون وسيدة المدن العشر

بدأت المدينة تزدهر في عهد الانتداب البريطاني لأهمية موقعها وموضعها ولاختيارها مركزا إداريا لقضاء بيسان..
ساهم الموقع الجغرافي لمدينة بيسان مساهمة كبيرة في نشأتها الأولى لأنها نشأت فوق قواعد الحافة الغربية للغور، وفي سهل بيسان الذي يعد حلقة وصل بين وادي الأردن شرقا وسهل مرج ابن عامر غربا.

وبيسان ذات أهمية تجارية وعسكرية وزراعية لوقوعها على الطريق الذي يصلها بشرق الأردن وحوران ودمشق، ولوجودها في غور خصيب تتوفر فيه المياه، ويزرع فيه النخيل والقطن والحبوب وغيرها.

وتشرف المدينة على ممر ووادي جالود إحدى البوابات الطبيعية الشرقية لسهل مرج ابن عامر، وتشرف أيضا على الأجزاء الشمالية من وادي الأردن، فكانت محطة تتجمع فيها القوافل التي تسير بين الشام ومصر. وكانت معبرا للغزوات الحربية بينهما أيضا، وغدت متصلة بالأقاليم المجاورة بشبكة حيوية من الطرق الهامة.


                                                       بيسان جنة على الأرض

لكن طرأ تحول على التوجه الجغرافي لحركة المواصلات بين بيسان والمناطق المجاورة إثر حرب 1948، إذ لم يعد موقع المدينة الجغرافي موقعا مركزيا متوسطا كما كان في السابق، بل أصبح موقعا هامشيا تقريبا بعد استيلاء الصهاينة عليها وتعيين خطوط الهدنة عام 1949.

يرجع تاريخ  بيسان إلى عصور ما قبل التاريخ، أي إلى أكثر من ستة آلاف سنة قبل الميلاد، وحملت في العهود الكنعانية اسم بيت شان، وقد يعني هذا الاسم بيت الإله شان أو بيت السكون، وقد أخذ اليهود من الكنعانيين التسمية.

استولى المصريون على بيت شان حوالي عام 1479 ق.م. بقيادة تحتمس الثالث، وبقيت في قبضتهم ردحا من الزمن. وأطلق اليونانيون على بيسان اسم مدينة السكيتيين وقد احتلوها حوالي عام 600 ق.م.

وفي العهد الروماني استمرت أهمية بيسان فكانت زعيمة للمدن العشر (ديكابولس)، وأصبحت مركزا تجاريا هاما تمر القوافل التجارية منها في طريقها إلى الأردن. ولا تزال شواهد هذا الازدهار ماثلة في بيسان حيث توجد بقايا مدرج روماني قائمة في تل الحصن، ولا تزال قناطر الجسر الروماني فوق سيل الجالود (نهر جالود).

وأصبحت بيسان في العهد البيزنطي مركزا لأبرشية كان لممثلها في مجمع نيقية الديني دور بارز، ومن آثار هذا العهد التي لا تزال قائمة دير يتألف من ثلاث غرف.

وبيسان من أوائل المدن الهامة التي فتحها العرب.

ففي عام 1634 حاصر المدينة عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة وفتحاها صلحا. وفي رواية أن شرحبيل هو الذي فتحها وحده بعد أن حاصرها أياما، ولما خرج بعض من فيها لقتال المسلمين قاتلهم وهزمهم ففتحت أبوابها لفرسان المسلمين.

وقد بقيت لبيسان شهرة خاصة في تاريخ المسلمين بسبب وجود قبر الصحابي أبي عبيدة بن الجراح قائد فتوح الشام فيها، وربما يكون فيها أيضا قبر شرحبيل بن حسنة.

تردد ذكر بيسان على لسان كثير من الجغرافيين العرب فذكرها ابن خرداذبة في كتابه "المسالك والممالك"، وذكرها المقدسي في كتابه "أحسن التقاسيم"، وذكرها ياقوت في معجمه "بيسان مدينة بالأردن بالغور الشامي، ويقال هي لسان الأرض، وهي بين حوران وفلسطين، وبها عين الفلوس يقال إنها من الجنة، وهي عين فيها ملوحة يسيرة". وذكرها كذلك الإدريسي والهروي والأندلسي.

عندما تعرضت بلاد المشرق العربي للهجمة الصليبية خضعت بيسان للإفرنج بعد احتلالهم مدينة القدس. ولكن استطاع العرب استردادها بعد معركة حطين عام 1187. وفي عام 1217 أعاد الإفرنج احتلال بيسان مرة ثانية.

ومن الحوادث الهامة التي ارتبطت بيسان بها في العهد المملوكي أنه بعد موقعة عين جالوت، فقد تتبع الجنود المنتصرون أثر التتار حتى تلاقوا بهم مرة أخرى في بيسان فكانت موقعة دموية قتل فيها الكثير من التتار.

ومنها أيضا أن معركة كبيرة حدثت بين المماليك والجيش العثماني انتهت بانكسار المماليك وسقوط بيسان ومنطقتها بأيدي العثمانيين.

وتطورت بيسان بعد أن مد في عام 1905 خط سكة حديد  حيفا-درعا الذي يمر من شمال المدينة وسار نمو السكان جنبا إلى جنب مع نمو العمران.

بدأت المدينة تزدهر في عهد الانتداب البريطاني لأهمية موقعها وموضعها ولاختيارها مركزا إداريا لقضاء بيسان، وتجلى ذلك في ازدياد سكان المدينة من 1,914 نسمة عام 1922 إلى 3,101 نسمة عام 1931، وإلى 5,180 نسمة (منهم 20 يهوديا فقط) عام 1945، وتطورت المدينة عمرانيا نتيجة إنشاء بلدية فيها.

وفي عام 1948 استولى الصهاينة على المدينة وطردوا سكانها العرب الآمنين من ديارهم. ويكشف المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس في كتابه (1948) مخطط عصابات الهاغاناة  بالضغط على أهالي بيسان وصفد ودفعهم للرحيل ضمن الخطة "د". ويصف موريس فظاعة قصف المدينة وعملية تهجير السكان حتى بات مرج بيسان "طاهرا نظيفا وعبريا".

وظلت بيسان مدينة مهجورة طوال عام كامل، حيث قامت سلطات الاحتلال خلاله بتدميرها وهدم بيوتها، ثم أعادت بناء المدينة بعد أن غيرت معالمها الأثرية والتاريخية، ووطنت مئات العائلات اليهودية فيها.


                                                            معبد روماني في مدينة بيسان

وفي بداية السبعينيات بدأ بعض السكان يهاجرون من المدينة لسوء الأحوال الاقتصادية فيها. ونصف سكان بيسان حاليا هم يهود مهاجرون من شمال أفريقيا معظمهم من مصر والمغرب، ونحو 30% من السكان يهود قدموا من أقطار عربية وإسلامية كإيران والعراق وتركيا. أما باقي اليهود فقد قدموا من أوروبا أو ولدوا في فلسطين ويبلغ عدد سكانها نحو 17 ألف نسمة.

المصادر

ـ  "بيسان..مدينة تختصر تاريخ البشرية"، صحيفة الصباح الكويتية، 15/6/2016.
ـ مصطفى مراد الدباغ، بلادنا فلسطين، ج6، ق2، بيروت 1974.
ـ محمود العابدي، "الحفريات الأثرية في فلسطين خلال المدة الواقعة بين 1900 و"1959، عمان 1962.
ـ مدينة بيسان، الموسوعة الفلسطينية.
ـ وديع عواودة، "ضيعة ساحرة كان اسمها بيسان: ملامح وإيقاع الحياة في عروس الأغوار الفلسطينية"، القدس العربي، 28/5/2022.