قضايا وآراء

الحرب النفسية ومعضلة افتقار الاحتلال للقيادة

دعا نتنياهو المستوطنين للصبر- جيتي
نقلت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية عن الاختصاصية النفسية، عنات سركيس، التي أشرفت على بحث نفسي أجري في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب وينشر خلال الأيام القليلة المقبلة، قولها؛ إن المجتمع اليهودي في الكيان الإسرائيلي، لا يزال يعاني من الصدمة النفسية الشديدة التي ضربته في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ويصعب عليه التفكير بمنطق سليم، بل يصعب عليه أن يفكر، مضيفة بأنه وعلى الرغم من مرور 10 شهور، لم يعرف بعد كيف يستوعب الصدمة؛ ولذلك يصعب عليه أن يجابهها.

الصدمة بحسب البحث الاستطلاعي، لم تختف طوال الأشهر العشرة الفائتة، والأهم أنها تتجدد بفعل الانتظار والترقب للضربة العسكرية من محور المقاومة، الأمر الذي دفع العديد من المستوطنين وعلى رأسهم رئيسا المجمع الاستيطاني في مدينة نهاريا وحيفا المحتلة عام 48 لدعوة جيش الاحتلال توجيه ضربة استباقية للبنان وإيران؛ تنهي معاناة الترقب التي أوهنت أعصاب المستوطنين وأغرقتهم في الخوف والركود الاقتصادي.

الصدمة والترقب انتقل تأثيرهما من القيادات العسكرية التي ناقشت إمكانية توجيه ضربات استباقية، ليقابلها نتنياهو بدعوة المستوطنين من داخل قاعدة تل هاشومير في فلسطين المحتلة، الأربعاء، للتحلي بالصبر، في رسالة مزدوجة للعسكر ومواطنيهم المستوطنين على أرض فلسطين، صبر يتوقع أن يطول، فنتنياهو جزء من المشكلة لا الحل؛ كونه يريد إطالة الحرب وتوسعتها،
الصدمة والترقب انتقل تأثيرها من القيادات العسكرية التي ناقشت إمكانية توجيه ضربات استباقية، ليقابلها نتنياهو بدعوة المستوطنين من داخل قاعدة تل هاشومير في فلسطين المحتلة، الأربعاء، للتحلي بالصبر، في رسالة مزدوجة للعسكر ومواطنيهم المستوطنين.
والأسوأ أنه لا يملك المعلومات الوافية عن موعد الضربة وطبيعتها وحجمها، كما هو حاله في السابع من أكتوبر، فهل يثق المستوطنون بنتياهو وقيادته للحرب لتكرار خطأ الثقة، الذي سبق واقترفه قبل عشرة أشهر من الآن!

الجواب لن يتأخر، فالدراسة أجابت بالقول؛ إن ثقة المستوطنين بقيادتهم السياسية والعسكرية تراجعت، في مقابل غياب البدائل التي يرجح أن محاولات تعويضها تتم عبر الزيارات المتكررة لقيادات عسكرية أمريكية، على رأسها الجنرال الأمريكي سيئ السمعة مايكل كوريلا، قائد المنطقة الوسطى للجيش الأمريكي الذي تجاوز التحفظات في الظهور العلني المتكرر مع قيادات عسكرية وسياسية إسرائيلية، في محاولة لبث الطمأنينة في صفوف المستوطنيين والجنود، الذين استشعروا ضعف وهزال القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية وتداعيات قراراتها الكارثية.

المجمع الاستيطاني في فلسطين المحتلة، يعاني من فقر في القيادات ذات الكاريزما المؤثرة المبادرة والمقنعة، ورغم محاولات نتنياهو تعويضها بمقارنة نفسه برئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل في الحرب العالمية الثانية، إلا أن ذلك لم ينجح بحسب ما كشفته مواقف المستطلعين من جمهور المستوطنيين، فالترميز لا يأتي من القادة أنفسهم لذواتهم بل من جمهورهم، وهذا ما عكسه موقف الجمهور الإسرائيلي من قادته الحاليين. فالشهيد إسماعيل هنية لم يدع يوما أنه أبو بكر أو عمر أو علي أو القسام أو عبد القادر الحسيني، كما لم يدع يحيى السنوار يوما أنه خالد بن الوليد أو صلاح الدين، بل تركا الأمر لجمهورهما.

صعوبة واضحة يواجهها الاحتلال في إنتاج نخب وقادة ورموز من رحم الحرب العدوانية على قطاع غزة، كما حدث في لحظة أرئيل شارون، صاحب ثغرة "الدفرسوار"، التي طوقت الجيش المصري وحاصرته في حرب رمضان عام 1973، الأمر الذي فاقم أزمة الثقة بالذات وزاد الاعتماد على الولايات المتحدة،
صدمة السابع من أكتوبر والافتقار للقيادات الكارزمية الجامعة لدى الجانب الإسرائيلي، واتساع نطاق الحرب وانعدام اليقين، محركات قوية للتحليل النفسي للمجتمع الصهيوني الاستيطاني.
وهو ما عبر عنه الجنرال المتقاعد يتسحاق بريك بالتحذير غير المباشر من الإفراط في الاعتماد على الولايات المتحدة، وذلك في مقالته على موقع القناة 12 الخميس، تحت عنوان "إسرائيل تندفع إلى حرب إقليمية، تعتمد فيها بشكل كامل على الولايات المتحدة".

افتقار الكيان للقادة قابله وفرة لدى الطرف الفلسطيني والعربي والإسلامي على نحو غير مسبوق، فالحرب أنتجت العديد من الرموز على الجانب الفلسطيني واللبناني واليمني، في حين أنتجت العديد من خيبات الأمل على الجانب الإسرائيلي، آخرها كان إيتمار بن غفير، الذي تراجعت مكانته والثقة في قدراته إلى حد وصفة بالشخص الصبياني وغير الناضج، بحسب دراسة معهد الأمن القومي (INSS) النفسية.

ختاما.. التحلل النفسي الإسرائيلي انتهى باللجوء للعقاقير والأدوية والهجرة ومزيد من الاعتماد على الولايات المتحدة وجنرالاتها، فصدمة السابع من أكتوبر والافتقار للقيادات الكارزمية الجامعة لدى الجانب الإسرائيلي، واتساع نطاق الحرب وانعدام اليقين، محركات قوية للتحليل النفسي للمجتمع الصهيوني الاستيطاني لم تختف، إذ لا تزال تعمل بكفاءة وقوة وبتواصل على مدى عشرة أشهر، ما سيقود بدوره إلى إضعاف مناعة المجتمع الاستيطاني في الكيان المحتل، مفاقما أزمته الداخلية أمام التحديات المتعاظمة المقبلة والمزمنة.

x.com/hma36