سياسة عربية

لماذا يعين السيسي قادة الهيئات والأجهزة كقائمين بالأعمال ويحرمهم من صفة رئيس؟

مصر في المرتبة 108 بمؤشر مدركات الفساد للعام الماضي- جيتي
دأب رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، على تعيين رؤساء بعض الهيئات الحكومية والأجهزة الرقابية ذات التأثير، لمدة عام فقط، وبصفة قائمين بالأعمال، دون تعيينهم بوصفهم رؤساء لأجهزتهم أو هيئاتهم، وذلك مخالف للمادة (216) من الدستور المصري، ما يثير التساؤل حول الأسباب التي تدفع السيسي لمثل هذه القرارات، والنتائج السلبية على عمل تلك الأجهزة.

والأربعاء، أصدر السيسي، قرارا جمهوريا بتمديد تكليف محمد فريد صالح قائما بأعمال رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، لمدة عام آخر، اعتبارا من 7 آب/ أغسطس الجاري، بعد تعيينه بالمنصب كقائم بالأعمال، قبل عام.

كما أصدر السيسي، قرارا رئاسيا بتكليف محمد الفيصل يوسف، بالقيام بأعمال رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، بدرجة وزير، ومحمد عبدالغني عبدالرازق بالقيام بأعمال نائب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات لمدة عام، اعتبارا من 7 آب/ أغسطس الجاري.

ويكون السيسي بالقرار الأخير، قد أنهى خدمة المستشار هشام بدوي، القائم بأعمال رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات منذ 7 آب/ أغسطس 2016، الذي جاء خلفا للمستشار هشام جنينة صاحب التصريحات المثيرة للجدل عن فساد يقدر بـ600 مليار جنيه داخل الجيش والحكومة.

وبعد واقعة جنينة، الذي كان مصيره إثر تلك التصريحات السجن لخمسة سنوات (أفرج عنه في شباط/ فبراير 2023)، قضى بدوي 8 سنوات بالمنصب الرفيع كقائم بأعمال رئيس الجهاز، دون أن يقرر السيسي تسميته كرئيس للجهاز، فيما يرى مراقبون أن واقعة جنينة، كانت السبب في بقاء بدوي، هذه المدة بلا منصب رئيس للجهاز.


"البنك المركزي والرقابة الإدارية"
وفي سياق تعيين السيسي لأصحاب المناصب المرموقة في مصر كقائمين بالأعمال، يأتي تعيين محافظ البنك المركزي حسن عبدالله، في 18 آب/ أغسطس 2022، أيضا كقائم بأعمال رئيس البنك المركزي، مدة عام، ودون تسميته رئيسا لأكبر جهاز مالي حكومي في البلاد، بعد مغادرة المحافظ السابق طارق عامر لمنصبه، الذي ظل فيه منذ 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، مدة 7 سنوات، كمحافظ للبنك، وليس كقائم بالأعمال.

كما قام السيسي بتمديد قرار استمرار عبدالله، في منصب القائم بأعمال رئيس البنك المركزي في 18 آب/ أغسطس 2023، ولمدة عام أيضا، ومن المقرر تمديد عمله لعام آخر بذات الصفة، أو تغييره بشخص آخر بعد نحو 10 أيام، حيث قضى بالمنصب عامين فقط من 4 سنوات، هي ولاية المحافظ قانونا، التي يجوز تمديدها لدورة ثانية.

ويجري نفس الأمر بحق رئيس هيئة الرقابة الإدارية ونائب رئيس الهيئة، اللذين يجري تعيينهما لمدة عام وكقائمين بأعمال رئيس ونائب رئيس الهيئة، دون التعيين رسميا وبصفة وصلاحيات رئيس الهيئة.

وكان السيسي قد أصدر في 30 آب/ أغسطس 2023، قرارا بتجديد تكليف عمرو عادل على حسني إبراهيم، بالقيام بأعمال رئيس هيئة الرقابة الإدارية لمدة عام، وتعيين المستشار تامر عبدالحميد فرجاني بالهيئة، مع تكليفه قائما بأعمال نائب الرئيس في 2 أيلول/ سبتمبر 2023.

"حتى الجامعات"
كما طال الأمر رؤساء الجامعات الحكومية المصرية، وعمداء الكليات، الذين كان يجري اختيارهم إثر ثورة 25 كانون الثاني/ يناير 2011، عبر الاقتراع الحر المباشر من أعضاء هيئة التدريس، ليلغي السيسي، هذا المكسب وفق رؤية البعض، ويقرر هو التعيين بنفسه، بعد تزكية الأمن للمرشحين للمنصب، الذي بقي أغلبه في إطار القائم بالأعمال.

ونهاية الشهر الماضي، كلف وزير التعليم العالي أيمن عاشور، الدكتور محمد سامي عبدالصادق للقيام بأعمال رئيس جامعة القاهرة، خلفا للدكتور محمد عثمان الخشت، الذي جرى تعيينه رئيسا للجامعة مدة 4 سنوات منذ مطلع آب/ أغسطس 2017، ليقرر السيسي استمراره في المنصب، ولكن بصفة قائم بالأعمال 4 سنوات أخرى، منذ 31 تموز/ يوليو 2021.



كما جرى في 31 تموز/ يوليو الماضي، تعيين 7 قائمين بأعمال رؤساء 7 جامعات حكومية، هم: غادة فاروق بعين شمس، أحمد عكاوي لجنوب الوادي، وناصر خميس لجامعة بنها، وعبدالرازق يوسف لكفر الشيخ، وحسان حمدي لسوهاج، وحمدان ربيع لدمياط، وعلي حسين قائما بأعمال رئيس جامعة السويس.

"البداية مع واقعة جنينة"
وكان السيسي، في 18 كانون الثاني/ يناير 2018، قد أصدر قرارا بتكليف مدير مكتبه اللواء عباس كامل، بتسيير أعمال جهاز المخابرات العامة خلفا للواء خالد فوزي، الذي تولى مسؤولية الجهاز في كانون الأول/ ديسمبر 2014، لكن كامل، أدى اليمين الدستورية كرئيس للجهاز بعد نحو 6 شهور منذ 28 حزيران/ يونيو 2018، وحتى اليوم.

وبقراءة لتلك التواريخ، يبدو أن السيسي لم يتوجه لأمر تعيين رؤساء الهيئات والأجهزة الرقابية والمالية والجامعات الحكومية، إلا بعد ما لاقاه نظامه من إحراج إثر واقعة الفساد الذي كشفه رئيس الجهاز المركزي الأسبق المستشار هشام جنينة.

وحينها، أقال السيسي جنينة، وقرر تعيين المستشار هشام بدوي، قائما بأعمال رئيس الجهاز في 7 آب/ أغسطس 2016، ليبدأ عهدا جديدا مع القرارات الإدارية بتعيين قائمين بالأعمال، وهو التوجه الذي غلب على قراراته بولايته الثانية (2018- 2024).

وفي نص المادة (216) من الدستور، يعين رئيس الجمهورية رؤساء الهيئات والأجهزة الرقابية، وهي: البنك المركزي، والهيئة العامة للرقابة المالية، والجهاز المركزي للمحاسبات، وهيئة الرقابة الإدارية، "بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية أعضائه، لمدة 4 سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة، ولا يُعفى أي منهم من منصبه إلا في الحالات المحددة بالقانون، ويحظر عليهم ما يحظر على الوزراء".

وتثار التساؤلات حول أسباب إصرار السيسي على تعيين المناصب الكبرى بالأجهزة المالية والهيئات الرقابية كقائمين بأعمال، دون تسميتهم كرؤساء لإداراتهم أو هيئاتهم الحكومية، برغم مخالفة ذلك للقانون والدستور المصري؟.

"عربي21"، بحثت عبر خبراء في الأسباب الإدارية والفنية من وجهة نظر السيسي، التي تجعله يعين أغلب الدرجات العليا والممتازة بصيغة قائم بالأعمال وتجديدها عاما بعام.

وأكد البعض أن أمر التعيينات موكول إلى الأمن الوطني، كما أن السيسي يسعى للتقليل من استقلالية قرارات رؤساء تلك الهيئات، والانتقاص من أدوارهم، وحجب الحصانة القانونية والدستورية لتلك المناصب، مشيرين إلى الآثار السلبية نتيجة نزع صلاحيات الدرجات الوظيفية الكبيرة والمتعلقة بحقوق وقرارات إدارية لها تأثير.


"يريدهم منزوعي الإرادة"
وقال الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية، الدكتور ممدوح المنير: "ليس مستغربا قيام السيسي بذلك؛ فالرجل لا يريد رجالا مستقلين ولو نسبيا، ولو حتى اسميا في المناصب الحساسة للدولة".

الباحث المصري، وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح أنه "ومن ثم فإن تعيين السيسي، هؤلاء بصفة (قائم بالأعمال)، يعطيه الحق في إقالتهم بأي وقت، ويرفع عنهم الحصانة التي قد يمنحها لهم الدستور والقانون، وهو ما لا يريده السيسي".

ويعتقد أن "هذه الطريقة غير الدستورية وغير القانونية تجعل شاغل هذا المنصب منزوع الإرادة، حريصا على إرضاء النظام، فهو عمليا بلا استقلال أو حصانة لأداء مهام وظيفته، التي أساسها الاستقلال عن سلطة النظام الحاكم".

ويرى أن "هذا الوضع يتفق مع شخصية السيسي، لذلك نجد دائما هناك مناكفات بينه وبين شيخ الأزهر أحمد الطيب، صاحب الحصانة والاستقلال؛ فلا يمكن لرئيس الدولة إقالته من منصبه؛ ومن ثم لا يريد السيسي تكرار نفس التجربة مع مواقع وظيفية أكثر أهمية بالنسبة له، كالبنك المركزي أو الرقابة المالية".

وأشار إلى سياسات النظام القائمة على "الصناديق الخاصة، التي هي صندوق أسود، مفاتحه مع السيسي فقط، والصفقات التي تجري بالأمر المباشر، وميزانية الجيش لا يعلم عنها أحد شيئا، ولا عن عشرات المليارات التي دخلت مصر من الخارج، والديون الداخلية والخارجية التي تقترب في مجموعها من 400 مليار دولار".

الباحث المصري، أكد أن "كل هذا يستتر بمظلة فساد كبيرة ومتوغلة في كل مؤسسات الدولة، التي تكفي لإقالة النظام بكامله وليس الحكومة فحسب".

وخلص للقول: "وعليه، فسيظل السيسي متوجسا من أي مسؤول قد يضعه في هذه المناصب الرقابية، حتى لو كان يضمن ولاءه، فمن كان طبعه الخيانة والغدر، يظل دائما مسكونا بهاجس الخيانة من كل الذين حوله".


"مؤسسات بلا رأس"
من جانبه، قال رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر"، الباحث مصطفى خضري: "منذ أن قام السيسي بانقلابه في 2013؛ يسعى لتفكيك الدولة العميقة، وهذا ليس ذكاء منه؛ بل هو تنفيذ لتعليمات الجهات الدولية التي تدعمه وتحركه".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن "الدولة العميقة، برغم تغلغل الفساد فيها؛ إلا أنها ما تزال تحافظ على قدر من العقيدة القُطرية للدولة المصرية، وتفرق بين الفساد المالي والخيانة، وهو ما يجعلها تعارض قرارات السيسي التي تعدّ خيانة عظمى وفقا للدساتير المصرية، ووفقا أيضا للتعريف الإنساني لمعنى خيانة الوطن".

ولفت إلى أن ما يجري من "التنازل عن مقدرات الوطن وثرواته وقراره، وتقزيم دور مصر أمام بعض الدويلات محدثة النعمة، والانبطاح أمام الكيان الصهيوني العدو الاستراتيجي والدائم لمصر".

الخبير في التحليل المعلوماتي وقياس الرأي العام، أوضح أن "هذا ظهر جليا في معارضة قطاعات الدولة العميقة-ما عدا المحكمة الدستورية- للتنازل عن جزيرتي (تيران وصنافير) للسعودية عام 2016، وهو ما سبب حرجا للسيسي، وكشف خيانته أمام المجتمع المصري، وضعف قبضته أمام حلفائه".

ويرى أنه "لذلك، سعى لكي لا يكون هناك قوة لتلك المؤسسات التي تمثل الدولة العميقة، وأكثر ما يساعده على ذلك جعلها مؤسسات بلا رأس، من خلال استراتيجية القائم بأعمال".

"عرائس ماريونت"
وعن الأسباب الإدارية من وجهة نظر السيسي لجعل أغلب الدرجات العليا والممتازة بصيغة قائم بالأعمال وتجديدها عاما بعام، قال خضري: "ليس هناك أسباب إدارية؛ بل هي أسباب متعلقة باستقرار السيسي من وجهة نظره".

وأكد أنه "لا يريد رؤوسا قوية في دولاب عمل الدولة، يمكن أن تنازعه أو تعارضه، فالسيسي يرتعب من وجود الشخصيات القوية في محيطه، ولذلك يحيط نفسه بكثير من عرائس الماريونت التي يحركها يمينا ويسارا كيفما شاء داعموه، وفق مصالحهم".

وحول ما إذا كان هدف السيسي، هو التقليل من استقلالية قرارات رؤساء تلك الهيئات، والانتقاص من أدوارهم وحجب الحصانة القانونية والدستورية لتلك المناصب، يرى الباحث المصري أن "هذا أحد الأسباب".

وأوضح أن "بعض المناصب كانت بالانتخاب كأحد مكتسبات ثورة 25 يناير 2011، مثل عمداء الكليات، ولكن السيسي قام بإلغاء هذا النظام، ورجع لنظام التعيين؛ خوفا من ظهور قيادات أكاديمية مستقلة؛ يمكن أن تؤثر في طلاب الجامعات الذين كانوا هم القوام الأكبر في ثورة يناير، ثم تمادى في الأمر فجعل معظم القيادات الجامعية على نظام القائم بالأعمال".

وأضاف: "قس على ذلك في باقي الوظائف القيادية للدولة، التي تستدعي الموافقة والاعتماد من المجالس النيابية المنتخبة -حتى لو كانت مجالس مصنوعة بالتزوير-، فالسيسي يعاني من أزمة نفسية تجاه أي إجراءات شرعية (حتى ولو كانت صورية)، تشعره باستيلائه على السلطة دون شرعية حقيقية.

وفي تقديره لحجم الآثار السلبية لنزع صلاحيات الدرجات الوظيفية الكبيرة والمتعلقة بحقوق وقرارات إدارية لها تأثير، قال خضري: "وجود قيادات تحت مصطلح قائم بالأعمال، تجعلها دائما متأرجحة ما بين الخوف من الاستغناء عنها، والرغبة في التمديد لها، فهي الثنائية الشهيرة سيف المعز وذهبه، وهو ما يجعلهم دائما في خدمة حذاء الجنرال؛ خوفا وطمعا".

ولفت إلى أن "هذا ما انعكس على أداء المؤسسات التي يرأسونها، والتي تعاني من غياب القرار وعدم وجود استراتيجية حقيقية وانعدام الرؤية المستقبلية، بالإضافة إلى سعي تلك القيادات المستمر في إرضاء حلفاء الجنرال وداعميه الخارجيين، حتى لو كان على حساب مصر والمصريين، ودون حتى طلب من السيسي نفسه".

وختم بالقول: "فهم يعرفون مفتاح ذهب الجنرال، ومستعدين لخلع ما يستر سوأتهم والانبطاح أمامه وأمام حلفائه وداعميه، في مقابل الحفاظ على لقب قائم بأعمال".


"فقد التركيز"
وانتقد البعض تلك الحالة، بينهم الكاتب الصحفي مصباح قطب، الذي كتب عبر صفحته بـ"فيسبوك"، يقول: "يبدو لي أن من يُمسك خريطة التعيينات بقرار جمهوري فقد التركيز؛ لأن مناصب كثيرة خلت أو أديرت لوقت أطول من اللازم بنظام القائم بالأعمال، دون سرعة شغلها وفقا للدستور والقانون".






وتحل مصر بالمرتبة 108 بمؤشر مدركات الفساد لعام 2023، الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، ويصنف 180 دولة ومنطقة حول العالم من خلال المستويات المتصورة لفساد القطاع العام.

ووفقا لبيان المنظمة الصادر في 30 كانون الثاني/ يناير الماضي، تذبذبت درجة مصر حول (35) لأكثر من عقد من الزمن، ولا تزال من بين الدول ذات الدرجات الأدنى في العالم في مؤشر سيادة القانون، مشيرة إلى أن عهد السيسي الذي حصل في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، على ولاية ثالثة حتى 2030، يفتقر إلى الشفافية.