وضعت الحكومة الجديدة برئاسة مصطفى مدبولي
خططها للثلاث سنوات المقبلة، والتي انبثق منها بيان الحكومة الذي ألقاه رئيس
الوزراء أمام مجلس النواب الأسبوع الماضي.
وقد قسمت الوثيقة الخطط إلى أربعة أهداف
رئيسية هي: حماية الأمن القومي وسياسة
مصر الخارجية، وبناء المواطن المصري وتعزيز
رفاهيته، وبناء
اقتصاد تنافسي جاذب للاستثمارات، وتحقيق الاستقرار السياسي.
ومن ينظر إلى هذه الأهداف يجد أنها أهداف
حميدة ومرغوبة، ولكن من ينظر على أرض الواقع يجد أنها أهداف خيالية، لغياب الإرادة
اللازمة لتحقيقها، في ظل ماض شعاره الكلام المعسول والواقع المتأزم بلا حدود. فمنذ
الانقلاب العسكري في 2013 لم تنته الخطط الوردية التي تتكلم عن الاستدامة والرخاء،
ولكن في الواقع حل محلها الاستدانة والشقاء.
إن حماية الأمن القومي المصري هدف نبيل ولكن
كيف يتم حماية هذا الأمن القومي وقد تم التفريط في مياه نهر النيل التي هي سر وجود
مصر وحياتها؟! وكيف يتم حماية هذا الأمن القومي ومسلسل بيع الشركات والأصول
والأراضي والشواطئ للأجانب مستمر بلا انقطاع، حتى أن سيناء نفسها لم تسلم من ذلك،
وما صفقة رأس الحكمة عنا ببعيد؟! وكيف يتم حماية هذا الأمن القومي وقد تعدى الكيان
الصهيوني على الحدود المصرية، وتركنا بعدنا الاستراتيجي غزة تحت القصف والموت؟! وكيف
يتم حماية هذا الأمن القومي وقد تركنا السودان في حرب ضروس وهي امتداد لمصر وأمنها
القومي؟!
كما أن بناء المواطن المصري وتعزيز رفاهيته
هدف نبيل، ولكن بناء المواطن يبدأ من منح حريته وبناء المصانع والمدارس
والمستشفيات لا بناء السجون وبيع للأجانب المنتجعات السياحية والخدمات الصحية
والتعليمية، فالتنمية البشرية هي أساس التنمية المستدامة، ولن تتم التنمية البشرية
إلا بتعليم جيد وصحة جيدة وحرية التعبير عن
الرأي، ومنع تقسيم المجتمع بطبقية
مقيتة فكريا واجتماعيا، وتوفير بيئة توفر للمواطن الأمن المادي والروحي معا.
إن كلمة السر في تحقيق الأهداف الأربعة المعلنة للحكومة المصرية هي الإصلاح السياسي بمنح الحرية السياسية واختيار الشعب لمن يحكمه بإرادته، وبعدها تلقائيا سيتحقق الإصلاح الاقتصادي، وكل كلام عن إصلاح اقتصادي في ظل غياب الإصلاح السياسي هو نوع من الهراء والاستخفاف بالناس، ولا محل له في عالم المال والأعمال، بل في حياة البلاد والعباد.
أما تحقيق رفاهية المواطن فهو ضرب كذلك من
الخيال في ظل تجارب الشقاء التي يعيشها المواطن تحت ظل شعارات التنمية والرفاهية
المرفوعة، فأي رفاهية يتوقع ذو عقل وبصيرة والشعب المصري أكثر من نصفه يعيش تحت خط
الفقر ويزداد كل يوم فقرا!، وأي رفاهية واقتصاد الدولة يتحكم في توزيع عوائد عناصر
الإنتاج فيه الكبار لصالح فئة صغيرة، وباقي الشعب لا يجد سوى الفتات؟ وأي رفاهية
وقد عم البلاء وازداد الغلاء وعجز الآباء عن الإنفاق على الأبناء، وانتشر الانتحار
لضيق اليد وعجز الكسب.
كما أن بناء اقتصاد تنافسي جاذب
للاستثمارات، هو أمر موهوم، فالاستثمارات من أهم عوامل جذبها الثقة، والثقة لا
يمكن أن تتحقق في ظل غياب الحرية والعدل، فمصر تعاني من ذلك، وإذا جاءت استثمارات
فإنها لن تكون سوى أموالا ساخنة يجذبها سعر الفائدة المرتفع، وسرعان ما تخرج بعد
انخفاض سعر الفائدة محققة عائدا مرتفعا لصاحبها، وخللا وضررا للاقتصاد. ثم أي اقتصاد تنافسي في بلد يسيطر
العسكر على اقتصاده وله من مزايا الأرض والعمالة المجانية والإعفاء الضريبي ما
يطرد القطاع الخاص من أمامه؟!
ثم أي اقتصاد تنافسي وقد كبله الدين تكبيلا
وبات الاقتراض عنده هدفا، حتى أن مصروفات فوائد الدين العام في موازنة العام
الحالي بلغت نسبة 47.4 في المئة من جملة المصروفات، واستحوذت على نحو 70 في المئة
من جملة إيرادات الحكومة المصرية، ونحو 11 في المئة من دخل البلد كله أفراد وشركات
وحكومة. وما زالت الحكومة تعيش في ظل عباءة استعباد صندوق النقد الدولي الذي رغم
خضوعها لشروطه المجحفة لا يشبع من تلك
الشروط، حتى أن المجلس التنفيذي
للصندوق أرجأ المراجعة الثالثة والتي كان مقررا عقدها في 10 تموز/ يوليو
الجاري، إلى يوم 29 من الشهر الجاري. وذلك لصرف شريحة جديدة بقيمة 820 مليون دولار
من برنامج قرض مصر البالغ 8 مليارات دولار.
كما أن تحقيق الاستقرار السياسي هو كذلك ضرب
من الخيال، فشتان بين الاستقرار السياسي والقبضة الأمنية الباطشة، والاستقرار
السياسي هو سر جذب الاستثمارات، وهو على عكس البطش الأمني الذي تنتهجه الحكومة
المصرية، ولن يتحقق الاستقرار السياسي في ظل غياب الحريات، وغياب التصالح المجتمعي
وإزاحة فصائل المجتمع المختلفة مع الحكومة.
إن كلمة السر في تحقيق الأهداف الأربعة
المعلنة للحكومة المصرية هي
الإصلاح السياسي بمنح الحرية السياسية واختيار الشعب
لمن يحكمه بإرادته، وبعدها تلقائيا سيتحقق الإصلاح الاقتصادي، وكل كلام عن إصلاح
اقتصادي في ظل غياب الإصلاح السياسي هو نوع من الهراء والاستخفاف بالناس، ولا محل
له في عالم المال والأعمال، بل في حياة البلاد والعباد.