حينما خلق الله الإنسان في مراحل حياته
المختلفة من المهد إلى الطفولة إلى الشباب والنضوج والرجولة ثمّ الكهولة والوفاة، قدّر
لكلّ مرحلة فترتها الكافية، وإلا فإنّ تداخل أيّ مرحلة بالمراحل الأخرى سيقود
لخراب وخلل في بقيّة المراحل.
وهكذا حال تطوّر المجتمعات، أيّ مجتمع،
يفترض أن يسلك في مراحل تطوّره مسالك التدرّج في تحضّره وثقافته وحتّى حقوقه،
ولهذا يصعب تطبيق القانون المجتمعيّ الفرنسيّ مثلا في أيّ دولة عربيّة وذلك
لاختلاف العادات والتقاليد.
ومعلوم أنّ العُرْف أو العادة من مصادر
التشريع السماويّة والأرضيّة؛ لأنّ الإنسان ابن بيئته، ولا يُمكن تخيّل قوانين
عرفيّة غريبة يمكن تطبيقها بسهولة في مجتمعات أخرى لم تعتد عليها.
وما حصل للمجتمع العراقيّ بعد العام 2003
يمكن تشبيهه بملايين البالونات التي أسقطتها الطائرات الأمريكيّة والغربيّة، التي تحمل
في جوفها الموت والخراب وشعارات حقوق الإنسان التي فُهِمَت بشكل سلبيّ، وكذلك القوانين
المليئة بالحرّيّة المتوحشة، والتكنولوجيا الغريبة والإعلام المنفتح وغيرها من
القضايا.
ومن أبرز الظواهر الدخيلة على العراقيّين المخدّرات، والابتزاز الإلكترونيّ، والانتحار، والتحرّش، وتفشي الرشوة، والإلحاد، وتشظّي الهويّة الوطنيّة، وتنامي روح القتل والإرهاب والاستهانة بالقوانين، والجريمة المنظّمة وتجارة الأعضاء البشريّة، والاستغلال الجنسيّ، والعنف الأسريّ وغيرها.
ومن أبرز الظواهر الدخيلة على العراقيّين المخدّرات، والابتزاز الإلكترونيّ، والانتحار، والتحرّش، وتفشي الرشوة، والإلحاد، وتشظّي الهويّة الوطنيّة، وتنامي روح القتل والإرهاب والاستهانة بالقوانين، والجريمة المنظّمة وتجارة الأعضاء البشريّة، والاستغلال الجنسيّ، والعنف الأسريّ وغيرها.
ومن أهم أسباب تنامي هذه الظواهر، الفهم
الخاطئ للديمقراطيّة والحرّيّة الشخصيّة، والتراخي الأخلاقيّ، وغياب الدولة
الضابطة للمجتمع.
ومن أبسط آثار تلك الظواهر الهجينة تهالك العديد
من الأُسر، ومن صورها ارتفاع حالات الطلاق، وقد سجّلت المحاكم العراقيّة 5537 حالة
خلال نيسان/ أبريل الماضي، وهذا يعني 70 ألف حالة طلاق سنويّا، ويعني كذلك أنّه خلال
العقدين الماضيين، ربّما هنالك أكثر من مليون ونصف حالة طلاق، خلّفت ملايين
الأطفال خارج إطار
الأسرة، وبعيدا عن مقاعد الدراسة.
ولا ننسى هنا دور المرأة الإيجابيّ في محاولاتها
ومعاناتها للخروج من هذا المستنقع السحيق؛ كونها صمام الأمان للأسرة والمجتمع،
ولكن، ومع الأسف، لا يمرّ شهر إلا ونسمع بامرأة قتلت زوجها، وكأنّها حالة تتنامى بسرعة
ولأسباب تافهة ومرفوضة.
وقد أعلنت الداخليّة العراقيّة، الأربعاء
الماضي، أنّ 3500 رجل تعرّضوا للعنف الأسريّ من زوجاتهم منذ بداية العام الحاليّ.
وبخصوص المخدّرات التي تفتك بالوطن والناس
وبنسب مذهلة، عَرَض التلفزيون الرسميّ، قبل أسبوعين، لقاء مع بنت عمرها 15 عاما
تقريبا، واعترفت بأنّ والدها علّمها على تعاطي الكريستال، ودفعها لأخذ حبوب مخدّرة
وتوزيعها على طالبات مدرستها، وكانت تعطي الحبوب مجّانا لزميلاتها، حتّى وصلن لمرحلة السرقة من عوائلهنّ لشراء الحبوب، ومَن لا تملك المال كانت تمارس أمورا لا
أخلاقيّة مقابل الحبوب.
ومن المظاهر المتكرّرة مطاردة عصابات
الجرائم المتنوعة في وضح النهار، وآخر المطاردات المسلّحة كانت في بغداد منتصف
الأسبوع الماضي، بين الشرطة وعصابة للمخدّرات، وكأنّنا في فيلم مافيات في المكسيك
وغيرها من دول تجارة المخدّرات.
ومن الصور المؤلمة، جريمة القتل الغريبة
التي حدثت قبل شهر، حيث إنّ القاتل قَتَل الضحية؛ لأنّه رآه يَخنقه في المنام.
والمواجهة الغريبة قبل أسبوع، في منطقة
السيدية في بغداد، بسبب أسبقيّة السير بين منتسب أمنيّ يحمل مسدّسا وصيدلانيّ يحمل
"عصا".
وكذلك تَرَدّي مظاهر الاهتمام بالعلوم
المختلفة، ومنها احتفال طلبة جامعة أهليّة، قبل أسبوع، بنهاية امتحاناتهم بتمزيق
كتبهم، ورميها دفعة واحدة من الطوابق العلويّة في دلالة على عدم الاهتمام بالعلم
والدراسة.
وغيرها العشرات من الحوادث اليوميّة ولأسباب
تافهة.
وبموازاة ذلك، لا نريد الخوض في بيانات
مفوّضيّة حقوق الإنسان العراقيّة التي أكّدت قبل ثلاث سنوات، وجود خمسة ملايين
يتيم، وثمانية آلاف مفقود، والإحصائيات التي تحدّثت عن مليوني أرملة، وستّة ملايين
أمّي، و35 في المئة من الشعب تحت خطّ الفقر، وغيرها من الإحصائيات لمنظّمات
عراقيّة وأجنبيّة.
والآن، لا ندري كم هي نسب هذه الآفات
المجتمعيّة بسبب غياب الإحصائيات الرسميّة، ولا نعلم ما الإجراءات الحكومية
لمعالجة هذه المهلكات المجتمعيّة والإنسانيّة. وهكذا، فنحن فوق ألغام قاتلة يمكن أن
تنفجر في أيّ لحظة.
حالة الانفصام التي يعيشها غالبيّة مكوّنات المجتمع العراقيّ، لا يمكن أن تكون نهاياتها آمنة، ولهذا ينبغي العمل لتدارك ومعالجة الظواهر الغريبة عن الإنسان والمجتمع بسرعة وحكمة.
إنّ التّرف الإلكترونيّ والديمقراطيّة
المزيّفة لا تنقل الإنسان من الجهل إلى العلم، ومن التخلّف إلى التطوّر، ومن
التعاسة إلى السعادة، ومن الظلام إلى النور، ومن الخراب إلى البناء.
إنّ التغافل عمّا يجري في المجتمع، هو
مساهمة في تنميّة الخراب الذي سَبّبته المخدّرات والاستخدام السيئ لمواقع التواصل.
فعلا ألا تعسا للجهل، والعادات المستوردة
التي تلبس المجتمعات ثيابا هزيلة، لا تستر العورات ولا تضيف أيّ زينة للناس
والحياة.
الدولة الناجحة تمتاز بقدراتها القانونيّة والعمليّة على معالجة الظواهر السلبيّة وسعيها لحماية الإنسان، وعملها
على عدم ترك المواطن تحت وطأة الإهمال، وتكبيله بسلسلة من
الأزمات والضغوطات والتجهيل الممنهج.
إنّ قوّة القانون هي الفيصل في معالجة الملفّات
الخطيرة، وينبغي على الحكومة أن تأخذ دورها الحقيقي في ضبط أخلاقيات الشارع، فضلا
عن المنابر الدينيّة والإعلاميّة والثقافيّة والنخبويّة.
حالة الانفصام التي يعيشها غالبيّة مكوّنات
المجتمع العراقيّ، لا يمكن أن تكون نهاياتها آمنة. ولهذا، ينبغي العمل لتدارك
ومعالجة الظواهر الغريبة عن الإنسان والمجتمع بسرعة وحكمة.
x.com/dr_jasemj67