كتاب عربي 21

أحمد الطنطاوي.. قبل إغلاق الملف!

- فيسبوك
ليس لمثلي أن يتطرق للحياة الخاصة لأحد، إلا من باب الضرورة التي تقدر بقدرها، ومن حيث صلة هذا بالمجال العام!

وقد راج خبر زواج النائب السابق أحمد الطنطاوي من الإعلامية السابقة بقناة بي بي سي "رشا قنديل"، فقد اعتبرته خبرا يندرج تحت باب الحرية الشخصية، فلست من الذين يؤمنون بأن على من يتصدى للعمل الآن أن يتبرع بشيء من عرضه، أو تكون حياته الخاصة نهبا لآكلي لحوم البشر. وقد اعتبرت هذا الزواج عتبة مانعة من الترشيح، بجانب العتبة التي تشيدها السلطة الآن على نار هادئة، بإصدار حكم قضائي بإدانته في قضية التوكيلات! فضلا عن أن زواجه من مزدوجة للجنسية ربما يحقق الغرض، في طمأنة السلطة بعدم تفكيره في خوض انتخابات 2030، فهذا باب قد أُغلق، وأغلقه هو بنفسه، وبالتالي فلا يحتاج الأمر إلى افتعال قضية لإحداث أثر قانوني لها، وإن كنت أدرك أن هذه السلطة لن يستقر لها حال إلا إذا كانت العتبة من جانبها، وبحكم بالإدانة، كهذا الذي تم به وقف النمو السياسي لجمال مبارك. وقانون الانتخابات الرئاسية وضع نصا غشيما؛ فلا يجوز ترشح من أدين في جنحة، أو جناية مخلة بالشرف، وإن رُد إليه اعتباره، والسائد في عموم القوانين والوظائف الأخرى، هو النص "ما لم يكن قد رُد إليه اعتباره"!

وبينما كنت أفكر بمنطق السلطة تذكرت واقعة قديمة، عندما ناقش بعض الأصدقاء فكرة إقناع المستشار هشام جنينة بالترشح مع الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، في ولاية الرئيس محمد مرسي، وقال أحدهم إن زوجته تحمل الجنسية الفلسطينية، فرد أحدهم: نقنعه أن يطلقها. عندئذ وجدتني غير معني بهذا الحديث، ولأنني ابتداء كنت ضد الانتخابات الرئاسية المبكرة، ومع أن يكمل الرئيس المنتخب دورته كاملة غير منقوصة!

التنازل عن الجنسية

وإذ قرأت خبر زواج أحمد الطنطاوي من رشا قنديل، فلم يشغلني لأبحث إن كان حقيقة أو شائعة ضده، رغم إدراكي بتأثير مثل هذه الأخبار على الشعبية في مجتمع كالمجتمع المصري، ففضلا عن الجانب الشخصي في الموضوع، فرأيي أن أحمد الطنطاوي ملف وطُوي، وهو ما تنبأتُ به مبكرا، لولا أن السيدة قنديل أعلنت وقوفها خلف زوجها وأنها ستتنازل عن جنسيتها الإنجليزية، حتى لا يحرم من خوض الانتخابات المقبلة. في موعدها أو هذا طرأ طارئ، استدعى انتخابات رئاسية مبكرة، عندئذ كان لازما علينا أن نضع النقاط فوق الحروف ليستوي لنا الصف!

فتنازل الإعلامية رشا قنديل عن جنسيتها الإنجليزية لن يغير من طبيعة الأمر شيئا، فالدستور في نصه على شرط الجنسية جاء متعسفا، وكأنه "نص تفصيل" صنعه ترزي على حالة بعينها، فالدستور لا يشترط فقط أن يكون المرشح، وقت تقديم طلب الترشيح، لا يحمل هو ووالداه وزوجه سوى الجنسية المصرية، ولكن اشترط ألا يكون أي منهم قد حمل جنسية دولة أخرى في أي وقت من الأوقات، وإن حملها لساعة من نهار، فالتنازل عنها لا قيمة له!

الشروط في الدساتير المصرية السابقة لم تكن على هذا النحو من التربص، فقد كان شرط الجنسية، أن يكون المرشح من أب وأم مصريين، وهذا يكفي لاستقلال الموقع ويزيد، لكن النص الذي بين أيدينا جاء متشددا بشكل يثير الريبة!

وحتى لا يذهب عقلك بعيدا، فهذا شرط جاء في التعديلات الدستورية في اللجنة التي شكلها المجلس الأعلى للقوات المسلحة عشية استلامه الحكم من مبارك، وكانت برئاسة المستشار طارق البشري رحمه الله، وعضوية صبحي صالح فك الله أسره، ثم دخلت في دستور 2012 بدون تعديل، ومنه لدستور 2014 أيضا بدون تعديل!

كنا ندرك أن النص المانع لحامل جنسية دولة أجنبية وإن تنازل عنها (المنع أبديا) يستهدف الدكتور أحمد زويل، الذي تم الإعلان عن نيته الترشح عقب تنحي مبارك، وقد حارب المجلس العسكري فكرة ترشيح شخصيات تحظى بالحضور الدولي، لأن هذا سيغل أيديهم ويمنع العسكر من فرض هيمنتهم على السلطة التنفيذية، ولهذا كانوا ضد ترشح البرادعي، أو أن يكون في منصب قيادي بالنظام يضمن ثقة دولية فيه، ولم يلتفتوا له إلا عندما راقت لوزير الدفاع فكرة عزل الرئيس المدني المنتخب بغطاء مدني، واستغلالا لمثل هذه الشخصيات، كالدكتور سعد الدين إبراهيم مثلا، الذي جندوا ضده سكرتيرته داليا زيادة بعد ذلك، حتى اعتقدت هي أنها جزء من النظام، فلم تدرك أنها استدعيت لهدف معين، فلما انتهى إبراهيم بحكم السن والمرض، زهدوا فيها فصارت تتصرف كالذي يتخبطه الشيطان من المس!

وأستطيع أن أتفهم تلاقي الإرادات بدون اتفاق، إرادة المجلس العسكري مع قامة فكرية مشهود لها بالاستقامة والشجاعة كالمستشار طارق البشري؛ وهو من مدرسة مجلس الدولة المصري التي قد تذهب بعيدا في شرط الوطنية، فتضع اجتهادا غير مستند لنصوص قانونية تمنع به مزدوجي الجنسية من الترشح لعضوية البرلمان وإن لم تأخذ باجتهادها بعد الثورة، وإن لم أتفهم أن يشمل المنع من حمل أي من والديه وزوجته جنسية دولة أجنبية ولو لساعة من نهار!

ولهذا تمنيت أن ألتقي بالمستشار البشري لكي أعرف ملابسات هذا النص المتعجرف، فلما صدرت مذكراته عن دار الشروق عن هذه الفترة حرصت على حملها ضمن أمتعتي في رحلة السفر، لكنها ضاعت قبل الوصول إلى هذه الجزئية!

مرشح الماسونية

ما علينا، فلن يغير شيئا أن تتنازل السيدة قنديل عن جنسيتها، وإذ فكر الطنطاوي على النحو الذي فكر فيه أحد أنصار المستشار هشام جنينة في جلستنا سالفة الذكر، فسيجد أمامه حكما قضائيا مانعا في قضية التوكيلات، والذي لا أستبعد فيه الإدانة بغض النظر عن الموقف القانوني!

والقضية في حد ذاتها، هي واحدة من توقعاتي فيما يختص بحالة أحمد الطنطاوي عندما أعلن منافسته على الانتخابات الرئاسية وسط تشكيك مبالغ فيه من كثيرين، أو الذين لا يعملون ويؤذيهم أن يعمل الآخرون!

وقد قالوا إنها مؤامرة، أو جزء من مؤامرة، وهناك من ذهب بعيدا حتى قال إنه مرشح الماسونية، وعلمت أنه قال هذا الكلام على قناته على "يوتيوب"، فلما اتصل بي هاتفيا وذكره لي استمعت له ولم أعلق، مما دفعه لأن يتحدث كثيرا، فلما انتهى عند قوله إنه سيترشح ويفوز، قلت له: وما هو قولك إذا أكدت لك الآن إنهم لن يسمح له أن يصل للانتخابات، ولن يكمل توكيلاته، قال: إذا حدث فسوف يتوقف عن التحليل السياسي ويخصص قناته للطبيخ!

وعشية الإعلان عن عدم استكمال توكيلاته، اتصل بي مُقرا بصدق توقعاتي، وإذ استبعد أن يخصص قناته لفنون الطهي، معتبرا ما قيل لم يكن وعدا ولكنه مزاح، فإنه أقر بأنه سيلتزم بوعد الامتناع عن الحديث في السياسة. ولست متابعا لخط سيره الآن، فقد كان أكثر موضوعية من غيره، وأحد الزملاء عندما علقت عليه بأن "الطنطاوي" ليس مدفوعا من أي جهة داخلية أو خارجية، ولن يستوفي شروط الترشيح، استمر في موقفه عند أنه مؤامرة، وجزء من خطة استبدال السيسي، فلما سألته الرأي بعد منعه قال: إن السيسي لم يجد نفسه بحاجة إليه بعد انشغال الناس بطوفان الأقصى!

فهناك من قرروا أن ترشيح أحمد الطنطاوي جزء من سيناريو معد سلفا، ثم يبحثون عما يؤكد صدق هذه الرؤية، فذكروني بصديقي الملحد الذي كان يظل يومه كله يبحث عما يقوي إلحاده، فإن عثر في معلومة شاردة، في رحلة البحث المضني عبر الإنترنت، جاء إلى جلستنا مساء ليعيد فيها ويزيد مبتهجا وكأنه عثر على بئر بترول في منزله، أو أنف أبو الهول في مقبرة أثرية!

وكنت أقول له إن أزمته أنه قرر أن يلحد دون أن تتوفر له المعلومات الكاملة ويستوفي شروط الملحد الجاد، وها هو يأتي كل ليلة فيصدع رؤوسنا بحكاية قد يكون تم تفنيدها والرد عليها، وأن إنصات الأصدقاء له لا يعني أهميتها، فأحد منهم لم يقرأ كتابا في الدين خارج المقرر الدراسي، فتبدو أمامهم أنت كما لو كنت جئت بالذئب من ذيله!

مما قيل وبدا منطقيا: ولماذا لم يتم اعتقاله إلى الآن إلا لأنه مرشح المؤامرة؟ وهناك من رسم سيناريو كاملا، فطنطاوي سوف ينجح، وأجهزة الدولة لن تزور النتيجة، وأن السيسي لن يعترف بها، لكن سيُحمل على الاعتراف بها بتدخل الغرب، والجيش، والماسونية العالمية.. يا إلهي كم هم مبهرون هؤلاء الناس!

سؤال لماذا تركوه طليقا من قبل، وحديث المؤامرة، حدث مع حالات أخرى، ومع النهايات الأليمة بعد التشويه والتشهير باعتقال المشار إليه؛ لا نسمع لهم ركزا، كما حدث في حالة الضابط قنصوة، الذي لا يزال معتقلا إلى الآن!

وعندما ظهر الفنان والمقاول محمد علي ودعا لمظاهرات تحدث البعض عن جهات أمنية وأفراد داخل المؤسسات العسكرية قرروا الانقلاب، وأن محمد علي يتبع لهم لاستيفاء الشكل ليتولوا هم الأمر، وسمعت لأحد وجهاء الإخوان يقول هذا في صبيحة يوم المظاهرات، بأن هناك انقلابا عسكريا سيحدث الليلة وأنهم -والحال كذلك- لن يشاركوا في الانقلاب على الانقلاب، وقد دُعوا فرفضوا فليقم القوم بانقلابهم بعيدا عنا.. ووجدتني أقول له إن شيئا مما قال ليس صحيحا، فلا انقلاب ولا جهات تقف خلف محمد علي، وأخشى أن أدخل معك في رهان، فيكون الرد بعد أن تخسر النتيجة إن الرهان حرام!

وإن كان من الأفضل لي وله الانسحاب من إعلان انتصار التوقعات، فكثيرون لا يرضون بالهزيمة وسيتم الرد وفق سياق أنهم أبعدوه لأنهم ليسوا بحاجة له بعد طوفان الأقصى، فهناك ردود حاضرة في مثل هذه المواقف، وعندما تعشش نظرية المؤامرة في الأذهان، وعندما يُعجب كل ذي رأي برأيه، فإن من الأسلم الابتعاد عن الجدل حفاظا على السلامة العقلية، فما أوتي قوم الجدل إلا ضلوا!

عندما كانوا يقولون ولماذا لم يعتقل أحمد الطنطاوي، كنت أقول لهم للتقدير المختلف من جانب أهل الحكم، وربما كانوا لا يتوقعون ترشحه، ولما ترشح كانت فاتورة اعتقاله باهظة، فلماذا يصنعون منه بطلا وفي أيديهم منعه عن طريق التوكيلات!

جزء من الموقف من أحمد الطنطاوي، هو الانتقام من كل الشخصيات التي لم تقف ضد الانقلاب، أو تعمل وفق منظومة الحكم الحالية، كمثل الموقف الأكثر سخفا عندما حدثت مظاهرات الأرض، فكان الرد: الدم أم التراب؟ فهؤلاء لم يقفوا ضد مجازر رابعة، وكنت أقول إن المجازر سابقة على رابعة، وأول الدماء لم تسل فيها، لكنهم يتمسكون بما يخصهم، وفي معركة يكونون هم أئمة وليسوا مأمومين!

وأخيرا هل طويت صفحة أحمد الطنطاوي؟

المؤكد أنها طويت كمرشح رئاسي، كما طويت صفحة أيمن نور في عهد مبارك، واستمرت معه العتبة المانعة حتى بعد الثورة، وإلى الآن!

ولكن هل هذه النهاية؟

نتذكر أنه في مرحلة الحراك التي استمرت في مصر ثماني سنوات حتى قيام الثورة، أضيئت قناديل وأطفئت، ومن أول تحدي أيمن نور لنظام مبارك، والذي تم تغييبه بالسجن، ثم انتفاضة القضاة فأحبطت، فجاء البرادعي وقبل سقوط رمزيته واكتشاف المصريين أنه لا يصلح لا طبلة ولا طار، وكانت الثورة، فهي تروس تدفع بعجلة التغيير، وترفع سقف التطلعات، لكن البعض يحلو له أن يضع العصا في العجلة لإيقافها، فإما أن نكون كل تروسها وإما فلا تحركت ولا تحركنا.

ونحن نغلق ملف أحمد الطنطاوي فأود القول إنني تنبأت بأنه لن ينجح في معركة التوكيلات وصدق توقعي، وتوقعت أنه سيصنعون له عتبة مانعة وها هم يفعلون، وتوقعت أنه سيسجن بعد الانتخابات الرئاسية وأرجو ألا يحدث، فالإدانة مع إيقاف التنفيذ تؤدي الغرض!

من له رغبة في شيء فليتفضل، لا أحد يزاحمه!

twitter.com/selimazouz1