صحافة دولية

NYT: كيف فشلت أجهزة الأمن الإسرائيلية في وقف هجوم حماس؟

تقرير: "التداعيات كارثية على أمن إسرائيل"- الأناضول
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحفيين رونين بيرغمان، وباتريك كينغسلي، قالا فيه "إنه قبل وقت قصير من تدفق المهاجمين من غزة إلى إسرائيل، فجر يوم السبت، اكتشفت المخابرات الإسرائيلية زيادة في نشاط بعض شبكات المسلحين في غزة التي تراقبها. وبعد أن أدركوا أن شيئا غير عادي يحدث، أرسلوا تنبيها إلى الجنود الإسرائيليين الذين يحرسون حدود غزة، وفقا لاثنين من كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين".

وأوضحت الصحيفة، أن "التحذير لم يتم تنفيذه، إما لأن الجنود لم يفهموه أو لأن الجنود لم يقرأوه؛ وبعد فترة وجيزة، أرسلت حماس، التي تسيطر على غزة، مسيرات لتعطيل بعض محطات الاتصالات الخلوية وأبراج المراقبة التابعة للجيش الإسرائيلي على طول الحدود، مما منع الضباط المناوبين من مراقبة المنطقة عن بعد بكاميرات الفيديو". 

وتابعت: "دمرت المسيرات أيضا مدافع رشاشة يتم التحكم فيها عن بعد، والتي قامت إسرائيل بتركيبها على تحصيناتها الحدودية، مما أدى إلى إزالة وسيلة رئيسية لمكافحة الهجوم البري. وقد سهّل ذلك على مهاجمي حماس الاقتراب وتفجير أجزاء من السياج الحدودي وهدمه بالجرافات في عدة أماكن بسهولة مدهشة، مما سمح لآلاف الفلسطينيين بالمرور عبر الفجوات".

وأكد المصدر نفسه أن "هذه الإخفاقات ونقاط الضعف العملياتية، كانت من بين مجموعة واسعة من الهفوات اللوجستية والاستخباراتية التي ارتكبتها أجهزة الأمن الإسرائيلية، والتي مهدت الطريق للتوغل الغزاوي في جنوب إسرائيل، وفقا لأربعة من كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين الذين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم من أجل مناقشة مسألة حساسة وتقييمهم المبكر لما حدث من خطأ".

وأردف: "كان التسلل الجريء إلى أكثر من 20 بلدة وقاعدة عسكرية إسرائيلية في تلك الغارة هو أسوأ اختراق لدفاعات إسرائيل منذ 50 عاما، وحطم الشعور بالأمن. لساعات طويلة، حيث أصبح أقوى جيش في الشرق الأوسط عاجزا عن القتال ضد عدو أضعف بكثير، مما ترك القرى بلا دفاع طوال معظم اليوم ضد فرق المهاجمين الذين قتلوا أكثر من 1000 إسرائيلي، بما في ذلك جنود يرتدون ملابسهم الداخلية وأسر ما لا يقل عن 150 شخصا واجتاح ما لا يقل عن أربع قواعد عسكرية تنتشر عبر أكثر من 30 ميلا مربعا من الأراضي الإسرائيلية".

وبحسب الصحيفة، فإن المسؤولين الأربعة، أفادوا بأن "نجاح الهجوم، بناء على تقييمهم المبكر، كان متجذرا في سلسلة من الإخفاقات الأمنية من قبل مجتمع المخابرات والجيش الإسرائيلي، بما في ذلك: إخفاق ضباط المخابرات في مراقبة قنوات الاتصال الرئيسية التي يستخدمها المهاجمون الفلسطينيون".

كذلك: "الاعتماد المفرط على معدات مراقبة الحدود التي يسهل على المهاجمين إغلاقها، مما يسمح لهم بمداهمة القواعد العسكرية وقتل الجنود وهم في أسرتهم؛ وتجميع القادة في قاعدة حدودية واحدة تم اجتياحها في المرحلة الأولى من التوغل، مما أدى إلى منع التواصل مع بقية القوات المسلحة؛ وكذا الاستعداد لقبول تأكيدات القادة العسكريين في غزة، التي تم ترديدها في الاتصالات الخاصة التي كان الفلسطينيون يعلمون أنها تخضع للمراقبة من قبل إسرائيل، بأنهم لا يستعدون للمعركة".

وفي هذا السياق، قال المسؤول الكبير السابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، يوئيل جوزانسكي: "إننا ننفق المليارات والمليارات على جمع المعلومات الاستخبارية عن حماس؛ ثم، في ثانية واحدة، انهار كل شيء مثل قطع الدومينو" بحسب الصحيفة.

إلى ذلك، تابع التقرير: "ترسخ الفشل الأول قبل أشهر من الهجوم، حيث وضع قادة الأمن الإسرائيليون افتراضات غير صحيحة حول مدى التهديد الذي تشكله حماس على إسرائيل من غزة" مردفا أن "حماس ابتعدت عن معركتين في العام الماضي، مما سمح لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، وهي جماعة مسلحة أصغر حجما في غزة، بمواجهة إسرائيل وحدها. وفي الشهر الماضي، أنهت قيادة حماس أيضا فترة من المظاهرات على طول الحدود، في اتفاق توسطت فيه قطر، مما أعطى الانطباع بأنها لا تسعى إلى التصعيد".

وقال مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنجبي، في مقابلة إذاعية، قبل ستة أيام من الهجوم: "إن حماس منضبطة للغاية وتتفهم عواقب المزيد من التحدي"؛ وعندما أطلع مسؤولو الاستخبارات الإسرائيلية كبار قادة الأمن الأسبوع الماضي على التهديدات الأكثر إلحاحا التي تواجه دفاعات البلاد، ركزوا على المخاطر التي يشكلها المسلحون اللبنانيون على طول الحدود الشمالية لإسرائيل. فيما لم يتم ذكر التحدي الذي تمثله حماس إلا بالكاد.

وبحسب أحد المسؤولين الأمنيين، قال المطلعون على الأمر،  إن "حماس مردوعة"؛ وفي المكالمات، أعطى نشطاء حماس، الذين تحدثوا مع بعضهم البعض حيث تم التنصت عليهم من قبل عملاء المخابرات الإسرائيلية، إحساسا أيضا بأنهم سعوا إلى تجنب حرب أخرى مع إسرائيل بعد فترة وجيزة من صراع مدمر استمر أسبوعين في أيار/ مايو 2021، وفقا لاثنين من المسؤولين الإسرائيليين. وأضافوا أن المخابرات الإسرائيلية تبحث الآن فيما إذا كانت تلك المكالمات حقيقية أم مفبركة.

فشل عملي
وقال اثنان من المسؤولين، إن "نظام مراقبة الحدود الإسرائيلي يعتمد بشكل شبه كامل على الكاميرات وأجهزة الاستشعار والمدافع الرشاشة التي يتم تشغيلها عن بعد"، فيما أصبح القادة الإسرائيليون واثقين بشكل مفرط من أن النظام منيع. لقد اعتقدوا أن الجمع بين المراقبة عن بعد والأسلحة، والحواجز فوق الأرض والجدار تحت الأرض لمنع حماس من حفر الأنفاق إلى إسرائيل، يجعل التسلل الجماعي غير مرجح، مما يقلل من الحاجة إلى تمركز أعداد كبيرة من الجنود فعليا على طول الخط الحدودي نفسه.

وأكد التقرير نفسه، أنه، "مع وجود النظام، بدأ الجيش في تقليل عدد القوات هناك، ونقلهم إلى مناطق أخرى مثيرة للقلق، بما في ذلك الضفة الغربية، وفقا لإسرائيل زيف، وهو لواء متقاعد قاد القوات البرية في الجنوب لسنوات عديدة وخدم في الجيش كرئيس لقسم العمليات في جيش الدفاع الإسرائيلي من عام 2003 إلى عام 2005 وتم استدعاؤه مؤخرا للخدمة مرة أخرى بسبب الحرب".

وقال: "إن تضاؤل القوات بدا معقولا بسبب بناء السياج والهالة التي خلقوها حوله، وكأنه لا يقهر، ولن يتمكن أي شيء من تجاوزه؛ لكن نظام التحكم عن بعد كان به ثغرة أمنية: حيث يمكن أيضا تدميره عن بعد".

واسترسل التقرير، بأن "حماس استغلت هذا الضعف من خلال إرسال مسيّرات لمهاجمة الأبراج الخلوية التي تنقل الإشارات من وإلى نظام المراقبة، وفقا للمسؤولين وكذلك لقطات من الطائرات بدون طيار وزعتها حماس يوم السبت وحللتها صحيفة نيويورك تايمز".

وتابع: "بدون الإشارات الخلوية، كان النظام عديم الفائدة. ولم يتلق الجنود المتمركزون في غرف التحكم خلف الخطوط الأمامية إنذارات تفيد بأن السياج الذي يفصل بين غزة وإسرائيل قد تم اختراقه، ولم يتمكنوا من مشاهدة لقطات فيديو تظهر لهم المكان الذي كان فيه مهاجمو حماس يقومون بهدم المتاريس بالجرافات. بالإضافة إلى ذلك، تبين أن اختراق الجدار أسهل مما توقعه المسؤولون الإسرائيليون".

وأشار، إلى أن ذلك "سمح لأكثر من 1500 مقاتل من غزة بالتقدم عبر ما يقرب من 30 نقطة على طول الحدود، بعضهم في طائرات شراعية تحلق فوق قمة المتاريس، والوصول إلى أربع قواعد عسكرية إسرائيلية على الأقل دون اعتراضهم"؛ وأظهرت الصور التي شاركها أحد المسؤولين الإسرائيليين إطلاق النار على عشرات الجنود الإسرائيليين أثناء نومهم في مساكنهم. وكان بعضهم لا يزال يرتدي ملابسه الداخلية.

وأردف أن "الفشل العملي الثاني كان تجمع قادة فرقة غزة في الجيش في مكان واحد على طول الحدود. وبمجرد اجتياح القاعدة، قُتل أو جُرح أو أُخذ معظم كبار الضباط كرهائن، وفقا لاثنين من المسؤولين الإسرائيليين".

وتابع: "قد حال هذا الوضع، إلى جانب مشاكل الاتصال التي سببتها ضربات المسيرات، دون الاستجابة المنسقة. وقد منع هذا أي شخص على طول الحدود من فهم النطاق الكامل للهجوم، بما في ذلك القادة الذين هرعوا من أماكن أخرى في إسرائيل لشن هجوم مضاد".

وقال القائد الإسرائيلي الذي ساعد في قيادة الهجوم المضاد، دان غولدفاس: "كان فهم صورة الهجمات الإرهابية المختلفة أمرا صعبا للغاية". وفي مرحلة ما على الأرض، التقى العميد – بالصدفة – بقائد من لواء آخر. هناك وفي ذلك الوقت، قرر الرجلان على أساس ارتجالي القرى التي ستحاول وحدات كل منهما استعادتها.

وأضاف العميد: "لقد قررنا فيما بيننا فقط. وهكذا كنا ننتقل من قرية إلى أخرى". كل هذا يعني أنه كان من الصعب، خاصة في المراحل الأولى، إيصال خطورة الوضع إلى القيادة العسكرية العليا في تل أبيب.

ونتيجة لذلك، لم يشعر أحد هناك بالحاجة الفورية إلى غطاء جوي سريع وضخم، حتى مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي مع تقارير عن هجمات في العديد من المجتمعات. واستغرق الأمر ساعات حتى يصل سلاح الجو فوق جزء كبير من المنطقة، على الرغم من أن لديه قواعد على بعد دقائق فقط من زمن الطيران، وفقا لاثنين من المسؤولين الإسرائيليين والناجين من الهجمات.

وكانت التداعيات كارثية على أمن إسرائيل، فضلا عن احتمال الإضرار بسمعتها في المنطقة كشريك عسكري يمكن الاعتماد عليه. حيث قال جوزانسكي: قبل يوم السبت، "كانت إسرائيل بمثابة رصيد للعديد من دول المنطقة فيما يتعلق بالقضايا الأمنية.. الصورة الآن هي أن إسرائيل ليست رصيدا".

تجدر الإشارة إلى أن أجهزة الأمن الإسرائيلية، لا تجادل في حجم فشلها الأولي، لكنهم يقولون إنه لا يمكن التحقيق في الأمر إلا بعد انتهاء الحرب. فيما قال المتحدث باسم الجيش، ريتشارد هيشت، "بينما كان الجيش يحاول استعادة السيطرة على المجتمعات يوم السبت: "سننهي هذا" مردفا: "أنت تعلم أنه سيتم التحقيق في هذا الأمر".
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع