قضايا وآراء

"إعادة الانتشار" من قطاع غزة لا يعني أن إسرائيل لم تعد دولة احتلال (تقييم قانوني)

ما زال الاحتلال يتحكم بحياة الفلسطينيين في غزة- جيتي
في ذكرى إعادة إسرائيل انتشارها من قطاع غزة وبعض مستوطنات الضفة الغربية، بات التساؤل هو ما إذا كان قطاع غزة لا يزال يُعَدّ من الأراضي المحتلة من قبل إسرائيل. نناقش في هذا المقال التقييم القانوني لخطوة إعادة الانتشار هذه، وهل تشكل انسحابا عسكريا يعفي الاحتلال من مسؤولياته القانونية تجاه سكان قطاع غزة؟ وما هو المصطلح القانوني الأفضل في هذه الحالة؟ تترتب على التقييم القانوني لوضع قطاع غزة حقوق والتزامات من المهم الاستفادة منها.

تبلغ مساحة قطاع غزة 365 كيلومتراً مربعاً، وله حدود مع مصر يبلغ طولها 14 كيلومتراً، وحدود مع الاحتلال الإسرائيلي يبلغ طولها 51 كيلومتراً. وتسيطر إسرائيل على هذه الحدود وعلى شاطئ البحر الذي يبلغ طوله 45 كيلومتراً، وقد أقام الجيش الإسرائيلي سياجاً إلكترونياً وإسمنتيا حول الحدود البرية لقطاع غزة مع دولة الاحتلال، ويواصل توسيع منطقة عازلة من الأراضي المجرفة بين السياج والمناطق الفلسطينية.

بتاريخ 14 نيسان/ أبريل 2004، اقترح رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي الراحل أرئيل شارون خطة لإعادة انتشار عسكري في قطاع غزة، وإعادة انتشار محدودة في بعض المناطق في الضفة الغربية. في 12 أيلول/ سبتمبر 2005، أعاد الجيش الإسرائيلي انتشاره في قطاع غزة، واحتفظت إسرائيل لنفسها بالسجل السكاني والمجال المائي والفضائي، وشبكات الكهرباء والصرف الصحي، وتوزيع العائدات الضريبية وشبكة الاتصالات السلكية.

هدف الاحتلال من وراء هذه الخطة إلى تعزيز الاحتلال الحربي الإسرائيلي، ولصرف الأنظار عن أوضاع حقوق الإنسان المتدهورة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كذلك تعمل هذه الخطة على تحقيق رغبة إسرائيل في "فصل" قطاع غزة عن مسؤوليتها القانونية، من خلال الاستمرار في رفض تطبيق القانون الدولي الإنساني. وتهدف الخطة الإسرائيلية أيضاً إلى تعزيز عزل قطاع غزة

وهدف الاحتلال من وراء هذه الخطة إلى تعزيز الاحتلال الحربي الإسرائيلي، ولصرف الأنظار عن أوضاع حقوق الإنسان المتدهورة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كذلك تعمل هذه الخطة على تحقيق رغبة إسرائيل في "فصل" قطاع غزة عن مسؤوليتها القانونية، من خلال الاستمرار في رفض تطبيق القانون الدولي الإنساني. وتهدف الخطة الإسرائيلية أيضاً إلى تعزيز عزل قطاع غزة وزيادته، وبالتالي زيادة الخنق الاقتصادي والاجتماعي للسكان المدنيين.

ومن أشكال الحصار المترتبة أيضاً على خطة الانفصال، سجلّ السكان؛ فسجلّ السكان الفلسطينيين في قطاع غزة تتحكم به إسرائيل بنحو كامل؛ فهي صاحبة القرار في إعطاء الهويات، وملفات المواطنين موجودة في إسرائيل.

إحدى وجهات النظر تقول: إن الانسحاب الإسرائيلي يعني أن الأراضي التي أصبحت تحت إدارة الجانب الفلسطيني لم تعد أراضي محتلة؛ إذ إنها لم تعد تحت "السيطرة الفعلية" لإسرائيل. وهذا الرأي يؤكد أن الاحتلال يتطلب سيطرة فعلية، لا نظرية فقط على الحياة اليومية على أرض الواقع. لكن وجهة النظر الأقوى تقول إن الانسحاب الإسرائيلي لم يكن كاملاً، حيث إن إسرائيل احتفظت بمسؤولية الأمن الخارجي أيضاً فضلاً عن مرافق أخرى كثيرة.

شكلت خطة إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة أو ما تسميه حكومة الاحتلال الإسرائيلي "خطة الانفصال" المقدمة الأولى لبدء حصار القطاع. ورغم الاختلاف في التسمية بين "انسحاب إسرائيلي" و"إعادة انتشار"، نفضل استخدام المصطلح القانوني إعادة انتشار دون التقليل من الإنجاز الكبير الذي حققته المقاومة الفلسطينية من خلال إجبار جيش الاحتلال على إعادة انتشاره أو انسحابه كما تسميه القوى السياسية المقاومة.

يخضع قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، لاحتلال حربي متواصل من قبل إسرائيل منذ عام 1967. وبالتالي، إن اتفاقية جنيف الخاصة بحماية الأشخاص المدنيين في زمن الحرب لعام 1949، التي تكفل حماية المدنيين خلال النزاعات وتحت الاحتلال، هي الإطار القانوني الأساسي لكافة النشاطات في قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية المحتلة. وقد أكّد المجتمع الدولي بنحو متكرر، بما في ذلك أجسام الأمم المتحدة، والحكومات، ومحكمة العدل الدولية، والمنظمات الدولية، الانطباقَ القانوني لهذه الاتفاقية على الأراضي الفلسطينية المحتلة. وإسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تعترف بالانطباق القانوني للاتفاقية.

شكلت خطة إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة أو ما تسميه حكومة الاحتلال الإسرائيلي "خطة الانفصال" المقدمة الأولى لبدء حصار القطاع. ورغم الاختلاف في التسمية بين "انسحاب إسرائيلي" و"إعادة انتشار"، نفضل استخدام المصطلح القانوني إعادة انتشار دون التقليل من الإنجاز الكبير الذي حققته المقاومة الفلسطينية

في ذكرى إعادة إسرائيل انتشارها من قطاع غزة وبعض مستوطنات الضفة الغربية؛ بات التساؤل هو ما إذا كان قطاع غزة لا يزال يُعَدّ "من الأراضي المحتلة من قبل إسرائيل". إحدى وجهات النظر تقول: إن الانسحاب الإسرائيلي يعني أن الأراضي التي أصبحت تحت إدارة السلطة الفلسطينية لم تعد أراضي محتلة؛ إذ إنها لم تعد تحت "السيطرة الفعلية" لإسرائيل. وهذا الرأي يؤكد أن الاحتلال يتطلب سيطرة فعلية، لا نظرية فقط على الحياة اليومية على أرض الواقع.

قامت إسرائيل بإعادة انتشار جيشها في قطاع غزة في نهاية عام 2005(1)، وتهدف من وراء ذلك إلى إخلاء مسؤوليتها، والتنصل من التزاماتها القانونية تجاه السكان المدنيين الفلسطينيين تحت الاحتلال وفقاً لقواعد القانون الدولي، وإلى إكمال مشروعها الاستيطاني في الضفة الغربية، واستكمال بناء الجدار الفاصل، وتهويد القدس.

إنّ ما قامت به إسرائيل لا ينفي عن القطاع صفة الإقليم المحتل، حيث إنه في صورة وجود الاتفاق بين سلطة الدولة الشرعية وبين المحتل لا يؤثر على الحماية التي توفرها الاتفاقية للأفراد المحميين؛ فمن باب أولى وأحرى أن تبقى هذه الحماية وأن تطبق قواعد القانون الدولي الإنساني في غياب هذا الاتفاق والتنسيق حسب نص المادة (47) من الاتفاقية الرابعة، حيث انسحبت سلطات الاحتلال من القطاع من دون أي تنسيق مع الجانب الفلسطيني، واحتفظت إسرائيل بصلاحيات أمنية واسعة وبقيت مسيطرة على جميع منافذ القطاع، فضلاً عن قيامها بالعديد من عمليات العدوان الواسعة النطاق تحت ذرائع أمنية (حق الدفاع عن النفس، محاربة الإرهاب- حروب 2007، 2019، 2012، 2014، 2021).

وجعلت إسرائيل القطاع خاضعاً للسيطرة العسكرية والاقتصادية لسلطاتها، وبقي الاحتلال مصدر الصلاحيات المدنية والأمنية الممنوحة للجانب الفلسطيني في قطاع غزة، وعدم سيطرة الجانب الفلسطيني على الميناء البحري والمطار والمعابر، وعدم توافر حرية المرور للمواطنين الفلسطينيين القاطنين في قطاع غزة منه وإليه، واحتفظت إسرائيل بحق إعادة احتلال قطاع غزة تحت ذرائع أمنية.

ومن المظاهر العملية لبقاء القطاع محتلاً، تدخُّل إسرائيل في أمور مدنية وإدارية في قطاع غزة، كتسجيل السكان في السجل المدني، حيث لا يمكن الحصول على بطاقة هوية شخصية من دون الحصول على موافقة إسرائيل على ذلك. وفضلاً عن ذلك، يجب على سلطات الاحتلال أن تعيد الأسرى إلى أوطانهم من دون أي تأخير عند وقف الأعمال العدائية الفعلية وفقاً لنص المادة (118) من اتفاقية جنيف الثالثة، إلا أن سلطات الاحتلال لم تقم بذلك.

كل هذه الأعمال لا يتضمن نقلاً للسيادة إلى الجانب الفلسطيني، وكل ذلك يعيدنا إلى الوضع السابق قبل الانسحاب الأحادي من قطاع غزة، المتمثل بكون قطاع غزة أرضاً محتلة تنطبق عليها قواعد القانون الدولي الإنساني. كذلك إن خطة الفصل الأحادية تتناقض مع ما أكده اتفاق أوسلو عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، الذي جاء فيه: "ومن المفهوم أن الترتيبات الانتقالية هي جزء لا يتجزأ من العملية الشاملة، وأن المفاوضات حول الوضع النهائي ستؤدي إلى تطبيق قراري مجلس الأمن 242 و238، وهذا يعني أن اتفاق الطرفين على أنّ الأراضي الفلسطينية هي أراضٍ محتلة، ستبقى تحت الاحتلال الإسرائيلي إلى أن يتم التوصل لاتفاق سلام نهائي وتطبيقه بالكامل".

من المهم استخدام مصطلحات دقيقة بهذا الخصوص. إن موضوع الانسحاب أو لفظ الانسحاب هو مصطلح سياسي قانوني يجب التعامل معه بصورة محددة لا تقبل التأويل، حتى لو فرضنا جدلاً أن الاستيطان قد انتهى في قطاع غزة بموجب اتفاق أوسلو وأن ذلك -حسب الادعاء الإسرائيلي- يعني انتهاء الاحتلال، فإن غزة والضفة، بما فيها القدس الشرقية، تمثل وحدة جغرافية وسياسية واحدة "وإنهاء الاحتلال من جزء لا يعني نهايته".

يُعَدّ نموذج حزب الله بالنسبة إلى مزارع شبعا، نموذجاً مقبولاً في التعامل مع هذا الموضوع. فبعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، بقي ما يقارب من 650 دونماً، هي مساحة مزارع شبعا وهي منطقة متنازع عليها بين سوريا ولبنان، تحت الاحتلال الإسرائيلي. وكان موقف حزب الله واضحاً؛ فقد أعلن مرارا وتكرارا بأن الاحتلال لم ينته لأنه موجود في مزارع شبعا، وأن من حقه الاستمرار في المقاومة، ولو أقر حزب الله بالانسحاب الإسرائيلي من كافة الأراضي اللبنانية لسقط حقه في المقاومة.

ونحن بدورنا إذا سلمنا بانتهاء الاحتلال من قطاع غزة نكون أمام مغالطة غير مسبوقة، وخاصة أن ذلك يعني إسقاط الحق في المقاومة؛ فجيش الاحتلال عبر عملية إعادة الانتشار لم يُنه الاحتلال بالمفهوم المادي والقانون، وقد ظل قطاع غزة تحت المسؤولية السياسية للاحتلال العسكري الإسرائيلي (وهذا هو تعريف الاحتلال ومضمونه)، وما دام الاحتلال مسيطراً بصورة يومية وعملية على حياة السكان المدنيين، فهذا هو مفهوم الاحتلال من وجهة نظر القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني: السيطرة على حياة السكان المدنيين في يومهم وحياتهم وعملهم وحركتهم وتنقلهم. وبالذات من يوم إعادة الانتشار، وحتى هذه اللحظة، أثبتت الوقائع بما لا يدع مجالاً للشك كيف أن الاحتلال يسيطر على مجمل حياة السكان في قطاع غزة.

إذا سلمنا بانتهاء الاحتلال من قطاع غزة نكون أمام مغالطة غير مسبوقة، وخاصة أن ذلك يعني إسقاط الحق في المقاومة؛ فجيش الاحتلال عبر عملية إعادة الانتشار لم يُنه الاحتلال بالمفهوم المادي والقانون، وقد ظل قطاع غزة تحت المسؤولية السياسية للاحتلال العسكري الإسرائيلي (وهذا هو تعريف الاحتلال ومضمونه)، وما دام الاحتلال مسيطراً بصورة يومية وعملية على حياة السكان المدنيين، فهذا هو مفهوم الاحتلال من وجهة نظر القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني: السيطرة على حياة السكان المدنيين

وفي 19 أيلول/ سبتمبر 2007، أعلنت حكومة إسرائيل أنها قررت اعتبار قطاع غزة كياناً معادياً، وكانت الحكومة الأمنية الإسرائيلية المصغرة قد قالت في قرارها إن حركة حماس الإسلامية منظمة إرهابية سيطرت على قطاع غزة وجعلت منه كياناً معادياً، وإن تلك المنظمة تقوم بنشاطات معادية لدولة إسرائيل ومواطنيها، وهي بالتالي مسؤولة عن تلك النشاطات. وأكد البيان الصادر عن حكومة إسرائيل أنه علاوة على مواصلة العمليات العسكرية التي تستهدف المنظمات الإرهابية، ستفرض إسرائيل قيوداً على السلطة المنبثقة من حماس بنحو يحدّ من نقل البضائع إلى قطاع غزة، وتزويدها بالوقود والكهرباء، وأن تلك القيود ستطبق بعد دراسة جوانبها القانونية، مع الأخذ في الاعتبار القضايا الإنسانية في قطاع غزة لتفادي أزمة إنسانية.

يبدو الأمر للوهلة الأولى أن الحالة بين إسرائيل وقطاع غزة قبل هذا الإعلان كانت تقوم على أساس من التبادل الدولي السلمي والتجاري، وأنّ هناك تبادلاً في البعثات الدبلوماسية. في حقيقة الأمر، كان الوضع قبل هذا الإعلان كأنه حالة عداء غير معلنة. لكن الفارق في هذا الإعلان أن حماس أصبحت المسيطرة على قطاع غزة بالكامل، وليس هناك وجود أو مظاهر لوجود السلطة الوطنية الفلسطينية الموجودة بفعل الاتفاقيات الموقعة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.

أما من ناحية القانون الدولي الإنساني، فليس هناك فرق في التوصيف الذي أوردناه سابقاً، حيث إن إسرائيل محتلة لقطاع غزة، كما ظهر في السياق بالأدلة والنصوص القانونية، وبالتالي هناك حالة احتلال موجودة بوجود الاحتلال، وواجبات إسرائيل ستكون ملزمة لها بقدر أكثر؛ لكونها أعلنت حالة عداء إضافة إلى احتلالها المستمر للقطاع، وهذا بكل الأحوال يؤكد وجود حالة الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة. وزيادة على ذلك، يضفي هذا الإعلان على إسرائيل مسؤولية جنائية دولية نتيجة الأفعال التي ترتكبها بحق المدنيين الفلسطينيين هناك، بوصفها حالة حرب عدوانية إسرائيلية فوق إقليم محتل، وبالتالي فإن أحكام القانون الدولي، وخاصة الجنائية لمعاقبة مرتكبي جرائم الحرب الإسرائيليين، ستكون من منطق القانون واجبة التطبيق أكثر من ذي قبل، وخاصة أنها في هذه الحالة تكون قد ضربت بكل وضوح الجوانب الإنسانية، عندما أعلنت وقف كافة الإمدادات الغذائية وحاجات السكان من مواد أساسية ومصادر الطاقة وغيرها، وفق أهوائها وتوجهاتها، من دون مراعاة الحد الأدنى من هذه الحاجات للسكان المدنيين.

يركز قانون الاحتلال على السيطرة الفعلية دون النظرية؛ فالمادة 6 من معاهدة جنيف الرابعة تشير إلى أن معظم البنود ذات الصلة في الميثاق تُعَدّ ملزمة لسلطة الاحتلال "طوال مدة الاحتلال وإلى الحد الذي تتولى فيه هذه السلطة وظائف الحكومة في تلك الأراضي". كذلك تنص المادة 42 من قواعد لاهاي لعام 1907 أيضاً على أن الأرض تُعَدّ محتلة حين "تكون تحت السيطرة الفعلية للجيش المعادي"، ولكن فقط "حين تكون هذه السيطرة قد تحققت وأصبح بالإمكان ممارسة السلطات"، وهما شرطان يتشابهان من حيث تأكيد السيطرة الفعلية، لا مجرد السيطرة النظرية، ويختلفان من حيث أن أحدهما يشدد على الوظائف "الحكومية"، والآخر على سيطرة "الجيش". لكن من الواضح أن كلا هذين النوعين من السيطرة يساعدان على تقرير ما إذا كانت السلطة تُعَدّ جهة محتلة.

يمكن القول حسب قانون الاحتلال نفسه إن الاحتلال لا يزال موجوداً في قطاع غزة، ولو أن السلطات العسكرية للقوة المحتلة لا تمارس السلطة اليومية للإدارة. من غير الدقيق أيضاً الافتراض أن السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي سلطة تمثل الشعب الفلسطيني بنحو يمنحها سلطة اتخاذ القرارات المصيرية التي اتخذتها وتتخذها منذ بدء مسيرة أوسلو، ولا سيما في مفاوضات الوضع النهائي. والمهم بالنتيجة القول إن العالم بأسره، ومجلس الأمن الدولي، واللجنة الدولية للصليب الأحمر تصرُّ على أن اتفاقية جنيف الرابعة تنطبق على حالة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها قطاع غزة.

التقييم القانوني السليم لوضع قطاع غزة، باعتباره أراضي محتلة، تترتب عليه حقوق والتزامات قانونية واضحة يمكن للشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال الاستفادة منها، كما تترتب أيضا، في المقابل، التزامات على الاحتلال نفسه يمكن أن يشكل عدم احترامها جرائم حرب وتترتب عليها مسؤوليات جزائية ومدنية جسيمة

قطاع غزة المحتل يمكن أن يُعَدّ نموذجاً يوضّح ما سبق؛ فقد قامت إسرائيل بإعادة انتشار جيشها حول قطاع غزة في أيلول/ سبتمبر 2005، وقد اتخذت هذه الخطوة بنحو منفرد ومن دون شروط. اعتبرت حركات المقاومة المسلحة الفلسطينية هذه الخطوة بمثابة انتصار وتحرير لقطاع غزة من احتلال استمر قرابة 38 عاماً. ومع أن هذه الخطوة عُدّت تجسيداً لنجاح المقاومة الفلسطينية التي لم تتوقف منذ الاحتلال عام 1967، إلا أن هذه الخطوة لم تُعفِ إسرائيل من اعتبارها دولة احتلال.

وهناك خلط كبير على المستوى القانوني، وحتى السياسي والإعلامي بين المصطلحين: "إعادة انتشار" و"انسحاب". والخطة الإسرائيلية تستخدم مصطلح "إعادة انتشار"، فيما تستخدم الأوساط العربية والفلسطينية مصطلح الانسحاب.

وقد أثارت إعادة انتشار جيش الاحتلال الإسرائيلي جدلاً سياسياً كبيراً، لكنها لم تغير من طبيعة الوجود الإسرائيلي باعتباره دولة احتلال. والمادة 42 من اللائحة الملحقة باتفاقيات لاهاي الخاصة بقوانين الحرب البرية وأعرافها لسنة 1907، عرّفت الاحتلال الحربي بأنه "الإقليم الذي يصبح واقعياً خاضعاً لسلطة الجيش المعتدي..". وكل عناصر السلطة واقعة هنا؛ فدولة الاحتلال الإسرائيلي تسيطر على المعابر البرية بنحو مباشر وغير مباشر، وتسيطر على المياه الإقليمية لقطاع غزة، وتسيطر على المجال الجوي، وهي بهذه السيطرة تؤثر في حياة السكان المدنيين، وخاصة أن معظم حدود قطاع غزة مرتبط بدولة الاحتلال.

إن التقييم القانوني السليم لوضع قطاع غزة، باعتباره أراضي محتلة، تترتب عليه حقوق والتزامات قانونية واضحة يمكن للشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال الاستفادة منها، كما تترتب أيضا، في المقابل، التزامات على الاحتلال نفسه يمكن أن يشكل عدم احترامها جرائم حرب وتترتب عليها مسؤوليات جزائية ومدنية جسيمة.
__________
(1) أخلت إسرائيل 700 مستوطن و22 مستوطنة من مستوطنات قطاع غزة وعودة ما يقرب من 42 في المئة من الأراضي التي سيطر عليها المستوطنون من مجمل 365 كيلومتر مربع إلى هذه المنطقة (قطاع غزة) الأكثر كثافة سكانية في العالم.