كشف رئيس مرصد "رقابة" بتونس عماد الدايمي، عن وجود ملفات
فساد ضد
وزيرة التجارة في حكومة نجلاء بودن، فضيلة الرابحي، وشبهات تضارب مصالح في صفقات تزويد السوق بمادة السكر، التي عانى
التونسيون من فقدانها خلال الأشهر الماضية.
ومساء، أعلنت الرئاسة التونسية، في بلاغ مقتضب، أن رئيس البلاد قيس سعيّد قرر إقالة وزيرة التجارة فضيلة الرابحي ومحافظ صفاقس، جنوب شرق البلاد، فاخر الفخفاخ، دون توضيح الأسباب.
والإقالة هي الأولى في حكومة بودن التي بدأت عملها في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، عندما أعلنت تشكيلة حكومتها من 24 وزيرا وكاتبة دولة وحيدة، بعد إعلان حل حكومة هشام المشيشي في 25 تموز/ يوليو من العام ذاته، ضمن إجراءات الرئيس سعيّد الاستثنائية.
وفي تصريح لـ"
عربي21"، أكد الدايمي أن مرصد "رقابة" رفع
قضية صباح الجمعة ضد عدد من المسؤولين البارزين من ضمنهم وزيرة التجارة المقالة، بعد عملية تقصي مطولة بشأن فقدان مادة السكر في الأسواق.
وتشمل القضية وزيرة التجارة التي أقالها سعيّد، ووزير التجارة السابق، والرئيس المدير العام الحالي للديوان الوطني للتجارة، وعدد من المسؤولين، فضلا عن مزود ذي نفوذ، بحسب الدايمي.
وأضاف رئيس المرصد: "قدمنا للمحكمة عددا من المعطيات المؤكدة والمتمثلة في 18 وثيقة و40 مستندا، تؤكد جميعها جملة من الأحداث"، معتبرا أن فقدان مادة السكر في الأسواق التونسية كانت "عملية منظمة ومقصودة من قبل مسؤولين في وزارة التجارة وديوان التجارة، من أجل تمكين مزود بعينه من تزويد السوق بمادة السكر بسعر أعلى بكثير عن السعر المحدد من قبل الدولة".
وتابع: "قدمنا ما يثبت فعلا تضارب مصالح مؤكدة منذ سنوات عديدة، وما يفيد حصول المعني بالأمر على دعم من الدولة بشكل غير مستحق، بتواطؤ مسؤولين في الوزارة وديوان التجارة".
وقدم مرصد "رقابة" في ملف القضية ما يؤكد "التلاعب بالإجراءات وبصفقات التزويد بالسكر والتفاوض المباشر"، بحسب رئيسه الدايمي الذي أشار إلى "ثبوت بيع ديوان التجارة لمادة السكر بسعر أعلى من ثمن الشراء ما تسبب في خسائر كبيرة للدولة، بقرار يخدم مصالح لوبيات، في الوقت الذي كان فيه المواطنون يبحثون عن مادة السكر".
وخلال شهري أغسطس/ آب وأيلول/ سبتمبر الماضيين، عانى التونسيون من فقدان مادة السكر في المحلات التجارية، فيما اتهم سعيّد معارضيه بالوقوف وراء احتكار السلع ورفع الأسعار.
ولمدة قاربت الشهرين، خلت المحلات التجارية من سلع غذائية أساسية في مطابخ التونسيين، خاصة السّكر ومختلف المواد الغذائية المرتبطة به، مثل الحلوى محلية الصنع والمشروبات الغازية، إضافة إلى الأرز وزيت الطهي والحليب والزبدة والمياه المعدنية؛ ما أدى إلى تضاعف أسعارها.
وقال رئيس مرصد "رقابة" بتونس عماد الدايمي إن الملف الذي تم تقديمه للقضاء يثبت تسبب صفقة مادة السكر في الأزمة التي عرفتها البلاد خلال الفترة الماضية، مضيفا أن "لدينا يقين بأنه لو يتم فتح تحقيق فإن قائمة المتورطين ستكون كبيرة جدا".
وأعرب الدايمي عن أمله في تحمل القضاء لمسؤوليته في هذا الملف، قائلا: "لدينا تجربة مع القضاء الذي توصل سابقا إلى نتائج جيدة عندما توفرت المؤيدات كاملة ولم يكن هناك ضغط سياسي كبير عليه".
وعن تزامن إقالة وزيرة التجارة مع الملف الذي تقدم به مرصد "رقابة" للقضاء، قال الدايمي: "ليست لدينا أي معرفة بشأن هذا الموضوع، ربما الإقالة جاءت بسبب الملف الذي أودعناه أو بسبب قضايا أخرى، لكن القرار جاء متأخرا بالنظر لوجود إثباتات عديدة على تورط مسؤولين في وزارة التجارة في عمليات احتكار للسلع".
واستدرك الدايمي بالقول إنه "لا توجد إرادة سياسية حقيقية لفتح ملفات الاحتكار والتلاعب بالمواد الأساسية خلال هذه المرحلة، ولو كانت هناك إرادة حقيقية لتم تحميل المسؤوليات وإيقاف هذا النزيف سريعا، لكن الإرادة لم تكن موجودة".
وأضاف: "لذلك اشتغلنا في مرصد رقابة بجهدنا الذاتي من أجل الوصول إلى الحقيقة، وكشفنا أنه عندما تكون هناك إرادة من أجل الوصول إلى الحقيقة، فالنتيجة تكون الوصول إلى تقديم ملف إلى القضاء من أجل تحميل المسؤوليات".
وتعيش تونس منذ سنوات على وقع أزمات اقتصادية متلاحقة تسببت في ارتفاع الأسعار ونقص بعض المواد الأساسية بسبب البدء في سياسة رفع الدعم، حيث تعول الحكومة على الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بحوالي 1.9 مليار دولار على مدى أربع سنوات، لفتح المجال أمام التمويل الخارجي.
وأجّل صندوق النقد اجتماع مجلس إدارته بشأن برنامج القرض التونسي، الذي كان مقررا في 19 كانون الأول/ ديسمبر، بعد إعلان اتفاق بينهما في وقت سابق.
وجاء هذا القرار من أجل منح السلطات التونسية مزيدا من الوقت للانتهاء من إصلاحاتها، حيث تعتزم تونس إعادة تقديم ملف برنامج الإصلاح مرة أخرى عند استئناف اجتماعات صندوق النقد في كانون الأول/ يناير 2023.
وتضمن قانون الموازنة الجديد بعض الإصلاحات الاقتصادية التي تم الاتفاق عليها مع خبراء صندوق النقد الدولي بما في ذلك رفع الدعم، حيث تراجعت تكلفة الدعم بـ3.2 مليار دينار (مليار دولار) مع خوصصة بعض المؤسسات العمومية في ظل ارتفاع الموارد غير الجبائية بـ1.5 مليار دينار (0.48 مليار دولار).
وسيشمل رفع الدعم، جزءا من المواد الأساسية والمحروقات، ما سيتسبب في ارتفاع الأسعار التي شهدت قفزة غير مسبوقة خلال العام الماضي، في إطار التمهيد للاتفاق مع خبراء صندوق النقد الدولي.