هو شاعر وقاص وصحافي ومترجم ومعلّم وناشط وطني وخبير مالي وموظف مجتهد ووزير إصلاحي في الأردن. عصامي من غزة إلى عكا إلى بيروت إلى دمشق إلى شرق الأردن.. عمل في بلاد الشام في كل هذه المجالات، وكانت انتقالاته بسبب نشاطه ومطاردته من الاحتلال البريطاني، حتى استقر به المقام في الأردن. وهناك أيضاً لم يهدأ وشكل جمعية سرية للردّ على الاحتلال البريطاني وظلمه.
فقد شارك شكري شعشاعة في أثناء عمله في عكا بتأسيس جمعية سرّية تتصدّى للاستعمار البريطاني في فلسطين والأردن والعراق، على خلفية شعور الشباب العربي المثقف بخيبة الأمل بسبب الاحتلال ورفض تنفيذ الوعد بتحقيق الاستقلال، واتخذت الجمعية السرية مقراً سرياً لها في قبو منزل شاب من عائلة الخوّام كان عضواً في الجمعية، وباغتت فرقة من الشرطة أعضاء الجمعية أثناء اجتماع لهم في دار آل الخوام وألقت القبض على العديد منهم، وتمكـن صاحب المنزل من الهرب إلى أمريكا ولم يعد، وتمكـَّـن شكري شعشاعة من الإفلات ثم اللجوء إلى بيروت بمركب شراعي (وكانت القوات الفرنسية تسيطر على لبنان)، ومن بيروت انتقل إلى دمشق ليعمل في وزارة المالية التي كان وزيرها آنذاك القائد الوطني فارس الخوري.
في شرقي الأردن كانت السيطرة البريطانية قاسية، فلم يقعد شكري شعشاعة عن المشاركة في النشاط الوطني، فأسس مع عارف العارف وعبد الرحيم الخطيب جمعية "أنصار الحق" السرية عام 1928، وبدأت الجمعية في استقطاب الوطنيين، وكان لها دور بارز لم يدم طويلاً.
تنقل في عدة وظائف حتى وصل إلى شرق الأردن، بعد أن اندمجت الحكومات المحلية التي تشكـَّـلت في مناطق شرقي الأردن في الحكومة المركزية التي شكـَّـلها الملك عبد الله، وشغل السيد شكري شعشاعة منصب وزير المالية في حكومات الشيخ عبد الله سراج عام 1931، والرئيس إبراهيم هاشم 1933، ثم أصبح وزيراً للداخلية ووزير الدفاع في حكومة الرئيس توفيق أبو الهدى عام 1940، ووزير المالية والاقتصاد والداخلية لعدة سنوات.
فمن هو شاعرنا؟
ولد شكري رشيد شعشاعة في مدينة غزة عام 1890، وهو ينحدر من عائلة عريقة النسب ولها مكانتها الدينية والاجتماعية، حيث تعود العائلة بنسبها للأشراف، فقد كان جدُّه شعشاعة العلمي الحسيني نقيباً للسادة الأشراف في غزة، وقد كان لهذا الإرث والأجواء العائلية دورهما الواضح في تشكيل شخصية شكري شعشاعة.
التحق شكري بالمدرسة، فدرس المرحلة الابتدائية في غزة، فكان من المتفوقين في التحصيل الدراسي، ثم انتقل إلى مدينة نابلس من أجل إكمال دراسة المرحلة الثانوية (مدينة والدته النابلسية حبيبة الفتياني). وهناك تمكن شكري من اجتياز الثانوية العامة بنجاح لافت. وقد عرف عنه إتقانه للغتين الإنجليزية والفرنسية في سن صغيرة، ولا شك أن هذا ساعده في التفوق الدراسي والنجاح في الحياة العملية. وقد درس اللغة العربية والعروض على يد الأستاذ أحمد البسطامي والشيخ عثمان الطباع، في حين تلقى دروساً في الاقتصاد والإدارة، واللغة الفرنسية في مدرسة الفرير بمدينة يافا.
عندما توجه شعشاعة للوظيفة، كانت المنطقة العربية، ما زالت تحت حكم العثمانيين، فعمل رئيساً لكتاب الرسائل في مصلحة المكوس في يافا، ثم انتقل للعمل رئيسا لديوان المالية في مدينة عكا. وانتقل للعمل الميداني مدرّساً للرياضيات والتاريخ والأخلاق في مدارس عكا، وهناك بدأ نشاطه السياسي المبكر ضد الإنجليز، كما ذكرنا أعلاه.
لجأ إلى بيروت فدمشق فالأردن، ووصل به المطاف إلى وزارات المالية والاقتصاد والداخلية والدفاع، كما شغل شعشاعة مناصب هامة، منها رئيس لجنة الإصلاحات المالية في مجلس الشورى، وعضو ديوان تفسير القوانين، وقد اختير نائبا لرئيس مجلس الأعيان.
رغم كل ذلك النشاط السياسي والإداري والحكومي، لم ينقطع شعشاعة عن الكتابة الصحفية، والإبداع الأدبي، ونشر مقالاته في صحف مجلات عديدة منها.
توفي الشاعر الوزير شكري شعشاعة عام 1963، بعد رحلة مع الحياة حافلة بالمتغيرات والنجاحات.
مؤلفاته
"همس الصور"، مجموعة مقالات وأبحاث وقصائد متنوّعة، "النّفثات"، ديوان شعر، "ذكريات"، 1945، "ذكريات لبنان"، سيرة، "في طريق الزمان"، رواية، 1957، وترجم عن الإنجليزية: "في الحكومة والحياة"، "كيف تنمّي دخلك؟".
تميز شعر شعشاعة وأدبه "بالرشاقة وإشراقة الديباجة وفصاحة العبارة وصدقها"، كما يقول يعقوب العودات في كتابه عنه.
من شعره:
لولا المنايا
يا صاحِ حسبي ملاكاً أنني رجلٌ .. قد شَطَّ دهريَ في غزوي وتنكيدي
لولا المنايا اللواتي أثكلتْ كَبِدي .. ما قلتُ شعراً ولا شاعت أناشيدي
في الناس يُشْدَى بها، فالشعر أصدقُه .. أنَّاتُ ثكلانَ أو آهاتُ مَفْؤُودِ
إن النفوسَ التي تقضي أحبّتُها .. قد تُرسِلُ الآهَ في بَثٍّ وترديد
حتى الجمادُ الذي دُكَّتْ جوانبُه .. يرميك بالصوت من أعماق جُلْمود
هذي الحياة خيالٌ من مظاهرنا .. أيامنا فيه من بِيضٍ ومن سُود
ومن قصيدته الرائعة "واحرَّ قلبي" التي يرثي فيها ابنته، نختار ما يلي:
ماتت فقلبي اليومَ في أشجانهِ .. يأبى العَزا ويلجُّ في خفقانهِ
وا حرَّ قلبيَ إن بكى أو إن شكا .. مَحْوُ المقدَّرِ ليس من سلطانه
إني لأشعر أنَّ شيئًا طائرًا .. مني هوى فانحطَّ من طَيَرانه
أو أَنَّ ضوءًا لامعًا مني خَبَا .. في غير ما عَوْدٍ إلى لمعانه
صُوَرٌ تُمثِّلها تعجُّ بخاطري .. فتَزيدُ في المشْبوب من نيرانه
ما زلتُ أذكرُها تَرِفُّ لمقدَمي .. فيرفُّ هذا القلبُ في تَحْنانه
وأُحِسُّ أنّي قد ملكتُ بها الدُّنا .. وغدوت مِنْ أمَلي على أفنانه
ما زلتُ أذكرها تذوب من الضَّنَى .. وتلوذ بالرحمن في كِتْمانه
فيغيبُ عني الوعْيُ من نَظَراتها .. ويلجُّ مني العقلُ في هَذَيانه
غابتْ «أميرةُ» في الثَّرى مثلَ المنى .. يُطْوى ومثلَ الطيف في سَرَيانه
يا ربِّ أعجبُ آيةٍ قد صُغتَها .. قصفٌ ينال الغصنَ قبل أوانه
والثاكلُ المفجوع قد أوليتَه .. لطفَ الشعور يهزُّ من أركانه
موقع الخضر الأثري في دير البلح يتحول إلى مكتبة للأطفال
رحيل صاحب "العوديسا" الشاعر الفلسطيني المحارب خالد أبو خالد
محمود الأفغاني.. المقاوم في الثورة واللاجئ المسكون بالعودة