لماذا تأخذك الدهشة من العنوان؟
لماذا تستبعد قيام دولة تجمع الدول العربية وعاصمتها القدس ورئاستها في تل أبيب واسمها "الولايات المتحدة
الإسرائيلية"؟
وإجابتي على هذا السؤال وتلك الدهشة بسؤال: كيف نشأت الولايات المتحدة الأمريكية؟
وإليك الآتي:
مِن منطلق عقيدة توراتية وعلمانية مزدوجة هاجر الإنجليز إلى أرض الهنود الحمر، والذين سماهم كريستوفر كولومبوس بهذا الاسم عندما ضل الطريق وظن أنه في الهند التي خرج من إسبانيا متجهاً إليها، وظن أن أهلها هم الهنود ولأنه وجد بشرتهم حمراء سماهم الهنود الحمر. ورغم أنه اكتشف خطأه وأنه ليس في الهند (بل في تلك الأرض التي سميت بالأمريكتين)، إلا أن هذه التسمية ظلت سارية، واتفقت رؤية الأوروبيين المحتلين للهنود الحمر على أنهم كائنات منحطة بالوراثة وتم وصفهم في أول كتاب صدر عنهم عام ١٥١١م بالوحوش التي لا تعقل ولا تفكر ويأكل بعضها بعضاً، بل يأكلون زوجاتهم وأبنائهم.
ومن منطلق هذه العقيدة سمى البوريتان (إحدى طوائف البروتستانت) أنفسهم عبرانيين، وأن هجرتهم هي مهمة مقدسة لتطهير أرض الميعاد من الكنعانيين (الهنود الحمر) بإبادتهم!! أما العلمانيون فقد شاركوهم تلك الإبادة بزعم حتمية إزاحة الهمج - الإرهابيين - وإحلال أُناس قابلين للعقلانية والتنوير والحضارة.
وصل هؤلاء المهاجرون المحتلون إلى هذه الأراضي وكان تعداد سكانها في بداية القرن السادس عشر قرابة مئة مليون نسمة، قضوا في البداية على ما يقرب من ثمانية عشر مليوناً عن طريق توزيع بطانيات بها وباء الجدري والطاعون والجراثيم، ثم قاموا بالمجازر والقتل الوحشي للجميع وقد فرّ من استطاع منهم تاركاً بيته وأرضه، ثم ظلوا يمارسون الإخلاء القسري للسكان الأصليين وتهجيرهم إلى غرب نهر المسيسبي بناء على قرار من الكونجرس الأمريكي عام ١٨٣٠م، وكانو يقابلون مسيرات القادمين التي أطلق عليها درب الدموع بالقتل الوحشى والإبادة الجماعية.
في تعداد عام ١٩٠٠م لم يتبق من المائة مليون نسمة من السكان الأصليين سوى ربع مليون نسمة، ولم يفت هؤلاء المحتلين أثناء تلك المجازر استقطاب عملاء من السكان الأصليين ليؤسسوا منهم ما سمي "مكتب الشئون الهندية" أو ما يمكن تسميته بـ"السلطة الوطنية الهندية"، الممثل الشرعي والوحيد للهنود الحمر ليتم التنسيق الأمني معه ضد أي مقاومة. ثم بدأ الحديث عن حل الدولتين، وتم تجاوز ذلك إلى إدماجهم في الدولة الواحدة العظيمة المتسامحة وحل السلطة الوطنية الهندية التي انتهت مهمتها، وتم طي صفحة السكان الأصليين تماماً ونسي العالم أو تناسى ما حدث، ثم أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الأولى المهيمنة على العالم، وأضحى ساستها ومفكروها يتحدثون عن الحريات بل صنعوا للحرية تمثالاً رمزاً لهم ويتحدثون عن حقوق الإنسان والقِيَم الأمريكية!!
طبعاً يشهد لهذه القِيَم سجن جوانتانامو والتاريخ المشرف في هيروشيما ونجازاكى وأفغانستان والعراق، والقائمة تطول.
في كتابه القيم "دولة
فلسطينية للهنود الحمر" للأستاذ منير العكش، يعقد مقارنة بين اجتياح الإنجليز لبلاد الهنود الحمر واجتياح الصهاينة لفلسطين، لتجد التطابق المذهل بين النموذجين، وهو ما يفسر أيضاً هذا التبنى اللا محدود من أمريكا (جمهوريين وديمقراطيين) لإسرائيل كأنها ربيبتها أو ابنتها من الرضاعة.
وبوسعك أن تلحظ دون عناء هذا التطابق فيما يلي:
١) تجسيد مشيئة الإله في عملية الهجرة والاجتياح.
٢) التضييق على الفلسطينيين أصحاب الأرض وتسميم آبارهم.
٣) التهجير القسري مع الإبادة الجماعية للفلسطينيين.
٤) تكريس الاحتلال بابتلاع الأراضي والاستيطان.
٥) إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية (الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني).
٦) عقد الاتفاقيات مع هذه السلطة والتنسيق الأمني الكامل الذي تعلنه ولا تنكره.
٧) العلاقات الودودة التي جسّدها رئيس هذه السلطة وهو باخع نفسه حزناً وكمداً على شيمون بيريز يوم وفاته!!!
٨) شيطنة المقاومة ووصمها بالإرهاب.
٩) السعي لطي صفحة الماضي كما كتب شيمون بيريز في كتابه "الشرق الأوسط الجديد" عام ١٩٩٦م، وطالب فيه أيضاً بإقامة نظام إقليمي جديد وإدماج إسرائيل ضمن السوق العربية.
ولقد بدأت التوطئة لقيام الولايات المتحدة الإسرائيلية بانطلاق قطار
التطبيع من محطة كامب ديفيد ثم أوسلو فوادي عربة، فمبادرة الملك فهد في قمة فاس سنة ١٩٨١م ومبادرة الملك عبد الله في قمة بيروت سنة ٢٠٠٢م، ومحطات كثيرة بعضها علني والبعض كان سرياً؛ ثم خرج الركاب إلى العلن مهرولين ليشيروا إلى سائق القطار مهللين ومستبشرين: انتظرنا يرحمك الله. وتراهم متزاحمين ومتدافعين أيهم يركب أولاً، ولم يعودوا يبالون بمعرفة ما كان خفياً ولا بإعلان ما كان سِريا. فلا ضير أن تعرف أنه كانت هناك علاقات صهيونية سعودية قديمة يدير ملفها تركي الفيصل، رئيس جهاز المخابرات السابق بتكليف من الملك فهد، استكمالاً لجهود سلفه كمال أدهم الذي تولى الجهاز قبله من سنة ١٩٦٥ إلى سنة ١٩٧٩م.
ولم يعد من العيب أن تعلم أن إسحاق رابين ذهب إلى عُمان والتقى السلطان قابوس عام ١٩٩٤م، ثم حضر وزير خارجية قابوس إلى القدس عام ١٩٩٦م ليلتقي شيمون بيريز ويوقعان اتفاق فتح مكاتب التمثيل التجاري بين البلدين، وهو ما حدث مع قطر في العام نفسه.
ولم يعد مخزياً أن تعلم رئيس الموساد السابق بزيارة "مائير داغان" إلى السعودية عام ٢٠١٠م، لإجراء محادثات بشأن الملف النووي الإيراني.
وماذا يعني أن ترى الجنرال السعودي أنور عشقي يظهر علناً ويتحدث في مركز دراسات صهيوني داخل القدس المحتلة، أو أن تقرأ لكاتبٍ مقالاً بعنوان "لك العتبى يا نتنياهو حتى ترضى"، أو أن يكتب آخر أن المسجد الأقصى ليس هذا الذي في فلسطين؟
أما لقاءات وزيرة الخارجية الصهيونية تسيبي ليفني مع كبار المسؤولين الخليجيين فكانت مما يدارونه فأصبحوا يفاخرون به. وأهم من كل هؤلاء ما فعله ويفعله حكام الإمارات، مما أصاب إبليس باليأس وأغلق مكاتب تمثيله في المنطقة لأنه ما كلف أحداً من شياطين الجن بفعل شيء لصالح الصهاينة واستباحةً للمقدسات إلا وجد هؤلاء الحكام أسبق إليه بأضعاف ما أراد، وبالإنفاق على ذلك بسخاء وبأفكار استصعب أن يوسوس بها لأحد منذ أن قال لأقعدن لهم صراطك المستقيم.
أما السودان فيلعن الأيام الخوالي التي أعرض فيها ونأى بجانبه عن الحبيبة إسرائيل ويلتمس منها الرضا والقبول، وقد سبقه إسلاميو المغرب من منطلق عقيدة الولاء والبراء؛ الولاء للملك الأمين إمام المتقين وأمير المؤمنين، والبراء ممن يخالفه الرأي في التطبيع الشامل والكامل مع المحتلين أهل الكتاب اليهود الصهاينة الطيبين!!!
ما ضربته لك مجرد أمثلة، أما الحصر فيصعب سرده في مقال أو حتى كتاب، ويعز على أى حُرٍ ذِكرُهُ فهو مما يصيب بالغثيان.
الجميع يتسابقون من المشرق والمغرب، وملعون أي مقاومة أو مقاوم، ولم تعد هناك عقبة في طريق إقامة الولايات المتحدة الإسرائيلية إلا هؤلاء المقاومون والمقاومات الإرهابيين والإرهابيات، ولربما تداعى حكام الدول العربية هيا نقيم الولايات بدون هذه الشرذمة ويكون اسمها "الولايات المتحدة الإسرائيلية الخالية من الإرهاب"، تجمع كل الدول العربية التي ينبغي تسميتها بالعبرية، فكلنا عبرانيون وساميون من نسل سام ابن نوح، والمشايخ جاهزون ووسائل الإعلام في انتظار الإشارة لإذاعة البيان الرسمي.