بعد بدء عمليات الاقتراع في الانتخابات الأمريكية الجارية الآن بساعات، قررت الجلوس أمام شاشة قناة سي إن إن، للاطلاع على النتائج الأولية، وكلي ثقة بأن بواكيرها ستشي بهزيمة الرئيس الحالي دونالد ترامب بشكل ساحق وماحق، في مواجهة خصمه عن الحزب الديمقراطي جو بايدن، فإذا بتلك النتائج تصفعني بتقدم مذهل لترامب على بايدن أو بتساوي كفتيهما، وهكذا تعين علي الجلوس مطولا يوميا أمام شاشات التلفزة مبتهلا إلى الله أن يرسل شهابا رصدا على ترامب وكل من يواليه.
أما ما الذي يعنيني من أمر الولايات المتحدة، فهو أنها نصبت نفسها شرطيا على الكون وبيد رئيسها مفاتيح أزرار نووية إذا ضغط عليها جعلت الكرة الأرضية بأكملها فتافيت تذروها الرياح، ورئيسها الحالي دون غيره أثبت أنه خطر على كل ما في الكون من ثروات وبشر وأوزون.
عندما فاز ترامب لأول مرة بمنصب الرئاسة في عام 2016 حسب كثيرون أنها غلطة "شاطر"، أي أن الناخبين الأمريكان لم يكونوا يعرفون عنه كثير شيء، وكان وقتها في مواجهة المرأة البلاستيكية هيلاري كلينتون التي لم يتعاطف معها الرأي العام الأمريكي، حتى بعد ثبوت أن زوجها بيل كلينتون خانها على عهده بالرئاسة مع مونيكا لوينسكي، ولكن أن يفوز ترامب أو يقترب من الفوز مرة أخرى وقد تجلى عيّه ونزقه وطيشه وجهله بأمور الحكم والسياسة على مدى أربع سنوات، فهذا دليل خلل إدراكي عند الناخب الأمريكي.
وفي مشهد كهذا يحضرني على الدوام قول شاعرنا إيليا أبي ماضي:
لما سألت عن الحقيقة قيل لي
الحق ما اتفق السواد عليه
فعجبت كيف ذبحت ثوري في الضحى
والهند ساجدة هناك لديه؟
فالشاعر يقول هنا إن تقديس ملايين الهنود للثور وأنثاه البقرة، لا يعني بالضرورة أنهم على حق وغيرهم على باطل، وقياسا على هذا فإن مناصرة ملايين الأمريكان لثور جعل البلاد مستودعا للخزف قد يعني أنهم على "باطل".
نتيجة الانتخابات الأمريكية الحالية لم تحسم بعد، ولا أحسب أنها ستحسم خلال يوم أو اثنين في حال فوز بايدن بفارق ضئيل أو عظيم، فقد أعلنها ترامب صريحة منذ أسابيع بأنه لن يغادر البيت الأبيض في حال خسارته للانتخابات، وستكشف الأيام أن الديمقراطية الأمريكية معتلة ومختلة ليس فقط لأن ما يسمى بالكلية الانتخابية وليس عدد الأصوات الفردية هي التي تحسم أمر الفائز والراسب، ولكن لأن وجود ملايين يرون في ترامب الشخص المناسب للاستمرار في حكم بلادهم دليل على أن وسائل الإعلام قادرة على غسل الأدمغة وأن حملة ترامب الإعلانية وموالاة قناة فوكس له آتت أُكْلها.
سجل أمريكا حافل بانتخاب رؤساء معلين فكريا ونفسيا، من أمثال جيمس بيوكانن، ووارين هاردينغ، وأندرو جونسون، وفرانكلين بيرس، وجورج دبليو بوش، وما زالت ذاكرة الأحياء من بني البشر تذكر كيف اختلق بوش هذا الذرائع للإبقاء على بعض ماء وجهه بعد لطمة 11 أيلول (سبتمبر) 2001، عندما دمر تنظيم القاعدة برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، بأن غزا العراق وأفغانستان وألحق بالبلدين دمارا غير مسبوق ومع هذا حصدت بلاده وما زالت تحصد الهشيم.
نجح ترامب وقناة فوكس في إيهام الناخب الأمريكي الأبيض بأنه في خطر إذا أتى بايدن إلى البيت الأبيض، لأنه ـ أي بايدن ـ سيفتح الحدود أمام المهاجرين من دول العالم السفلي فتختل المعادلة السكانية لغير صالح البيض، وبأن الصين وليس روسيا أو كوريا الشمالية هي عدو بلادهم لأنها في طريقها لأن تصبح قوة اقتصادية وعسكرية عظمى، وبأن دول الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي تعيش عالة على الولايات المتحدة.
تشير الإحصاءات إلى أن نحو 53% من أنصار ترامب فاقد تربوي، أي أن حظهم من التعليم النظامي قليل أو معدوم، وأن ولايات الوسط الزراعية التي يشكل البيض غالبية سكانها هي أكبر سند لترامب، بينما صار الحزب الديمقراطي حكرا للطبقات الحضرية المستنيرة، ولكن الغريب في الأمر أن أعدادا هائلة من ذوي الأصول اللاتينية صوتوا لصالح ترامب، رغم أنه يقول فيهم أكثر مما قاله مالك في الخمر، فقد قال عنهم مرارا إنهم قتلة وتجار مخدرات ولصوص وقوّادون، فهل تصدق هنا مقولة: جوع كلبك يتبعك؟
وعلى كل حال فسجل أمريكا حافل بانتخاب رؤساء معتلين فكريا ونفسيا، من أمثال جيمس بيوكانن، ووارين هاردينغ، وأندرو جونسون، وفرانكلين بيرس، وجورج دبليو بوش، وما زالت ذاكرة الأحياء من بني البشر تذكر كيف اختلق بوش هذا الذرائع للإبقاء على بعض ماء وجهه بعد لطمة 11 أيلول (سبتمبر) 2001، عندما دمر تنظيم القاعدة برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، بأن غزا العراق وأفغانستان وألحق بالبلدين دمارا غير مسبوق ومع هذا حصدت بلاده وما زالت تحصد الهشيم.
وإذا كان من بين علل ترامب الكثيرة عجزه حتى عن التعبير عن نفسه بلسانه الأم (الإنجليزية)، ويلجأ من ثم الى عامية "الشوارع" فله في سلفه الرئيس وارين هاردينغ (1921- 1923) أسوة سيئة، فعندما مات الأخير لم يجد محرر صحيفة نيويورك تايمز إي. إي. كامنغز وسيلة لنعيه سوى القول: الرجل الذي كان قادرا على ارتكاب سبعة أخطاء نحوية في الجملة الواحدة البسيطة.... مات".
وكي لا تلحق بي شبهة موالاة بايدن، أقول فيه ما قاله الزعيم الكوبي الراحل فيدل كاسترو عندما سئل: أيهما أحسن في منصب الرئاسة الأمريكية: كينيدي أم نيكسون؟ فقال: وكيف يجوز التفضيل بين فردتي حذاء في قدم نفس الشخص؟
فاز الرئيس وخسرت البلاد (بنسلفانيا-1)
كيف تنظر تركيا إلى احتمال فوز بايدن في الانتخابات الأمريكية؟
إيران وسباق التسلّح في الشرق الأوسط