الكتاب: المشروع الصهيوني.. الاختراق الصهيوني لمصر من 1917 حتى 2017
المؤلف: د.عواطف عبد الرحمن
الناشر: دار العربي، تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 القاهرة
عاد موضوع التطبيع العربي مع الاحتلال الإسرائيلي ليهيمن على الساحات الإعلامية والسياسية والفكرية، لا سيما بعد الإعلان الأمريكي رسميا عن صفقة القرن. وقد أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة بنسبة مقدرة في إعادة تشكيل الخطاب السياسي العربي تجاه إسرائيل، وتباينت الآراء واختلفت عن جدوى الاستمرار في فرض المقاطعة العربية على إسرائيل باعتبارها دولة محتلة.
ضمن هذا الإطار يعيد الكاتب الفلسطيني عبد القادر ياسين، مناقشة ملف التطبيع العربي ـ الإسرائيلي من خلال عرضه لكتاب "المشروع الصهيوني.. الاختراق الصهيوني لمصر من 1917 حتى 2017"، للكاتبة المصرية الدكتورة عواطف عبد الرحمن، التي تعيد قراءة تجربة السلام المصرية مع إسرائيل، وفشلها في التحول إلى سلام حقيقي يزيل ما بين المصريين والإسرائيليين من تناقضات، على الرغم من كل محاولات التطبيع السياسي والاقتصادي..
تاريخ حافل في رفض الاحتلال
لاتزال د. عواطف عبد الرحمن تخوض معاركها ضد "المشروع الصهيوني"، منذ كانت طالبة في جامعة القاهرة، على مدى النصف الثاني من القرن العشرين، وإلى أن عملت محررة في يومية "الأهرام" القاهرية، ومن هنا جاء عملها في فصلية "السياسة الدولية" لاحقًا، الصادرة عن "مؤسسة الأهرام"، قبل حصول عبد الرحمن على الدكتوراه، وانتقالها من بلاط صاحبة الجلالة إلى سلك التدريس الجامعي في كلية الإعلام بجامعة القاهرة.
بعد المقالات والدراسات، عمدت المؤلفة إلى إطلاق زخَّة من كتبها، في معركتها هذه، بدءًا من كتابها "مصر وفلسطين"، عن سلسلة "عالم المعرفة" في الكويت، العام 1980، وأعادت المؤلفة إصدار طبعة ثانية له، عن" دار العربي" القاهرية، وطبعة ثالثة، مزيدة ومنقحة، عن "المكتبة الأكاديمية" (2010)، ومن بعده "الصحافة العربية في مواجهة الاختراق الصهيوني"، عن "دار الفكر العربي" القاهرية (1996).
لم تلذ عبد الرحمن ببرجها العاجي، مكتفية بكتاباتها المتدفقة، في تواصل، ضد "المشروع الصهيوني"، بل كانت لها مواقفها، المشهود لها، ضد هذا المشروع؛ ما جعل السادات يشملها بإجراءاته القمعية ضد الوطنيين، على اختلاف منابتهم الفكرية، وآخر تلك الإجراءات كان شمول المؤلفة بآخر اعتقالات سياسية، نفذها السادات ضد الرموز المتصدية لمشروعه المهادن للأعداء. وسبقت حملة الاعتقال هذه اغتيال السادات، بنحو شهر واحد فحسب، قبل أن يتم اغتياله، على النحو المعروف يوم 6 تشرين أول (أكتوبر) 1981.
في مقدمتها لهذا الكتاب، أقرت المؤلفة بأن ما دفعها إلى إصدار هذا الكتاب كان "اتساع مساحة غياب الوعي، لدى الأجيال الجديدة، بماهية الصراع العربي ـ الصهيوني، و الصراع الوجودي معه...، والمواجهات الدامية، بينه وبين المشروع القومي العربي". وأشارت المؤلفة إلى "أن المناهج التعليمية الجديدة في مصر، قدمت إسرائيل، باعتبارها بلدًا صديقًا".
تساءلت عبد الرحمن عما إذا كانت اتفاقيتا "كامب ديفيد"، و"السلام مع إسرائيل" قد غيرتا معيار وقواعد الأمن القومي المصري؟! وعن الوضع القانوني الخاص بمضيق تيران، الآن بالذات.
التسوية المستحيلة
في خلفية تاريخية ضرورية، ألقت الكاتبة حزمة من الأضواء على محاولات التسوية مع إسرائيل، بدءًا من العام 1953، وكيف أن عبد الناصر لم يكن مستعدًا لتسوية منفردة مع إسرائيل، وإن كان خَلَفه، أنور السادات، قد داس هذا الشرط؛ فكانت "مبادرة السادات"، التى زار بموجبها إسرائيل 19 تشرين ثاني (نوفمبر) 1977، وانتهت المبادرة بكامب ديفيد، والاستسلام لإسرائيل.
على أن الشعب المصري جعل من استسلام السادات مجرد سلام بارد، وقاطع هذا الشعب "التطبيع" مع إسرائيل، وقاومه.
أجابت المؤلفة على جملة تساؤلات، مطروحة على الساحة العربية، على اتساعها، بما فيها الساحتين، الفلسطينية والمصرية، ولعل أخطرها ذلك التحوُّل، الذى طرأ على المناهج الدراسية؛ مستهدفًا تجميل وجه إسرائيل البشع، والتمهيد لـ "التطبيع" معها؛ وشمل هذا التحوُّل دروس التاريخ،العربي والإسلامي، والنصوص الشرعية، المتعلقة بالجهاد، وبنظرة القرآن إلى بني إسرائيل.
على الرغم من أن المؤلفة بدأت كتابها هذا، بالمحور الأول عن تاريخ اليهود في مصر، وشتى تصنيفاتهم، إلى صدور "وعد بلفور"، خريف العام 1917، فإن المؤلفة عادت بنا إلى خلفية تاريخية لا غنى عنها، عن بداية الاختراق الصهيوني لمصر، الذى ركَّز على الدعاية، والثقافة. بينما تخصص المحور الثاني برصد رد المثقفين المصريين على هذا النشاط الصهيوني، في حينه.
في المحور الثالث، جاء التركيز على الحروب، التي اندلعت، بين مصر وإسرائيل؛ فبعد الحرب العربية ـ الإسرائيلية الأولى (1948)، انتقلت المؤلفة للحديث عن "ثورة يوليو والمشروع الصهيوني"، بدءًا من "الفترة الناصرية" (1952 ـ 1970)، فخليفتها "الفترة الساداتية" (1970 ـ 1981)، ففترة مبارك (1981 ـ 2010). وختمت عبد الرحمن بما أسمته "ثورة 25 يناير 2011 والكيان الصهيوني".
أزمة ثورية
بينما ما جرى في حراك 25 يناير 2011، في مصر، لم يرق إلى مستوى الثورة؛ ذلك أن الثورة ـ كما هو معروف ـ لا تقاس بمجرد المشاركة الشعبية الواسعة فيها فحسب، بينما حراك يناير افتقد البند الثالث الضروري في الثورة.
يعرف الجميع بأن ثمة "أزمة ثورية" قد تحدث في أي قُطر؛ حيث تتراكم أسباب السخط الشعبي، حتى ينفجر ضد النظام الحاكم. هنا يعمد الأخير إلى التضحية ببعض كباش الفداء، ليضمن النظام استمراره، فضلاً عن تقديمه بعض المكاسب للشعب، الذي يكتفي بهذين الأمرين، ويعود كل إلى منزله، و"يا دار ما دخلك شر!"
أما "اللحظة الثورية"، فلا نصل إليها، إلا حين تتوفر ثلاثة شروط، لا غنى عن أي منها، أولها وصول السخط الشعبي ضد النظام الحاكم إلى أوجه، وعجز هذا النظام عن تسيير أمور البلاد بالطرق المعهودة، ويبقى الشرط الثالث، المتمثل في "الفرقة الثورية"، التي تقود ذاك السخط الشعبي، وتوظفه؛ الأمر الذي كان مفقود ًا في حراك يناير، المشار إليه.
جاء "المحور الرابع"، ليغطي الاتفاقيات، والمعاهدات، التي عُقدت بين نظام السادات، وإسرائيل، منذ "مبادرة" الأول إياها: "اتفاقية كامب ديفيد" (خريف 1978)، و"معاهدةالسلام" (ربيع 1979)، دون أن تُهمل المؤلفة الدور المصري في مفاوضات أوسلو (1991 ـ 1993)، بين القيادة المتنفذة في "منظمة التحرير الفلسطينية"، وإسرائيل.
عالج المحور الخامس "التطبيع وتداعياته المصرية والعربية"، فبعد أن رصدت عبد الرحمن "وقائع التطبيع بين مصر وإسرائيل"، انتقلت إلى رصد محاولات التطبيع في المجال الثقافي، فموقف النقابات المهنية المصرية (الصحفيين، المهندسين، والمحامين)الرافض لهذا كله، والمعارك التي خاضتها هذه النقابات، في المجال المذكور.
في هذا المحور، وضعت المؤلفة آلية لمقاومة التطبيع، تبدأ بالمقاطعة، قبل أن تنتقل إلى التصدي للتطبيع، ما يحتِّم وضع "مقاطعة إسرائيل" على رأس سلَّم أولويات الحركة الوطنية المصرية، في معركتها ضد " التطبيع"؛ لأن مقاطعة إسرائيل هي "الأقدم، إذ تضرب بجذورها، في عمق الصراع العربي ـ الإسرائيلي." وشملت المقاطعة منظومة متكاملة من الإجراءات، اتجاه المؤسسات ، والشركات، التى تدعم الاقتصاد الإسرائيلي. وامتدت المقاطعة من المجال الاقتصادي إلى الثقافي. وقد نفذت الدول العربية منظومة إجرائية متكاملة، لمقاطعة إسرائيل، ليس أدل على فاعليتها، من نجاحها في مقاطعة شركات عالمية كبرى، ما اضطر هذه الشركات إلى التخلي عن بعض أنشطتها، ومنشآتها، التي تسببت في مقاطعتها. وبذلت هذه الشركات قصارى جهدها لإنهاء مقاطعة الدول العربية لها. وقد بلغت هذه المقاطعة ذروتها، خلال حرب أكتوبر 1973، وإن جُمِّدت هذه المقاطعة، ضمن تداعيات "اتفاق أوسلو" الكارثي.
مقاومة التطبيع
لقد استقى خطاب مقاومة "التطبيع" عناصره من روافد عديدة، عبَّرت عن شتى التيارات، الفكرية والاجتماعية، الرافضة لـ "التطبيع"، والاستسلام للعنصرية الصهيونية.
حققت مقاومة "التطبيع" عدة إنجازات استراتيجية، لكنها واجهت تحديات عدة، تحت وطأة العولمة، وإن تمثّل التحدي الأكبر في "اتفاق أوسلو".
خصصت المؤلفة صفحات من كتابها للدور الهام الذي أدته، في مصر، "لجنة الدفاع عن الثقافة القومية". كما أفردت عبد الرحمن صفحة كاملة للحديث عن "سعوديين ضد التطبيع".
استعرضت الكاتبة بالتفصيل "الاتجاهات المصرية إزاء المشروع الصهيوني"، شاملة كل الاتجاهات: القومية، والدينية، والأممية، والمختلطة.
تحت عنوان "استخلاصات وتساؤلات"، بدأت المؤلفة بالاستخلاصات، قبل أن تنتقل إلى التساؤلات، وتتبعها بـ "رؤية استشرافية" تستعصي بسبب هيمنة القوى الامبريالية على الوطن العربي، والضربات الساحقة، التي تلقتها نظم عربية وطنية، خلال السنوات العشر الماضية، فضلاً عن نجاح إسرائيل في تجزئة التسوية، ومعها الصف العربي، فضلاً عن التقاء مصالح إسرائيل مع مصالح حكام عرب، ناهيك عن الإحباط الذي استبد بجماهير الأقطار العربية؛ بفعل الإخفاقات، والهزائم المتوالية التي حاقت بالعرب، هنا وهناك.
انتهت المؤلفة إلى ضرورة بلورة رؤية وطنية توافقية، حول مستقبل العلاقات المصرية ـ الإسرائيلية، بعد إعادة تقييم هذه العلاقات، وضرورة معرفة إسرائيل من الداخل، واعتبار المصالح المصرية هي الأساس الحاكم، وإجراء مراجعة دورية للاتفاقات مع إسرائيل.
وبعد، فنحن أمام عمل موسوعي، أُفرغ في سِفر، وقع في نحو 290 صفحة من القطع الكبير، يُنصح بقراءته لكل المتطلعين لوطن عربي مستقل وديمقراطي.
المسيح ابن مريم في رواية القرآن.. قراءة في كتاب (2من2)
المسيح ابن مريم في رواية القرآن.. قراءة في كتاب (1من2)
الاستشراق.. فعل تآمري على الإسلام أم منهج علمي لفهمه؟