ما من شك أن القضية
الفلسطينية تمر بأصعب الظروف في الوقت الراهن، وتتعرض لجملة كبيرة من المخاطر
والتحديات على كافة الأصعدة، في ظل متغيرات داخلية محلية وعربية وإقليمية، أمام
سياسة أمريكية إسرائيلية متمثلة بفرض قرارات عملية على أرض الواقع بدأت منذ فترة
ليست بالقصيرة، وظهرت ملامحها على الأرض واضحة مع تقلد دونالد ترامب رئاسة
الولايات المتحدة الأمريكية عبر ما سمي صفقة القرن، مرورا بالسياسات الإسرائيلية
في القدس والضفة الغربية واستمرار حصار قطاع غزة.
فلسطينيا، على الصعيد الداخلي، يواجه الشعب
الفلسطيني
أزمات معقدة ومركبة في ذات الوقت، وانقسام لأكثر من ثلاث عشرة عاما،
وفشل مسار المصالحة الفلسطينية ووصولها لطريق مسدود، واستحواذا كاملا من الرئيس
محمود عباس على النظام السياسي الفلسطيني، وتفرده بكل القرارات دون مشاركة أي من
ممثلي الشعب في اللجنة التنفيذية والمجلس الوطني والمجلس المركزي وغيابهم عن
المسرح السياسي، وامتناعه بشكل كامل عن الدعوة لعقد الإطار القيادي لمنظمة
التحرير، وإصراره على تعطيله دون ذكر الأسباب، وكذلك غياب وتعطيل وحل المجلس
التشريعي الفلسطيني عبر قرار من المحكمة الدستورية، وفشل مشروع
الانتخابات
التشريعية والرئاسية الذي تم الحديث عنه مؤخرا بعد موافقة الفصائل الفلسطينية كافة
أمام تهرب الرئيس من إصدار مرسوم رئاسي يحدد موعد إجرائها والتذرع بعدم الموافقة
الإسرائيلية على عقدها في مدينة القدس، ولم يبق سوى سلطة وظيفية في الضفة الغربية
أصبح دورها فقط التنسيق الأمني مع إسرائيل، والحفاظ على مكتسبات مسؤوليها على حساب
معاناة الشعب الفلسطيني في كل مدن الضفة من قبل الاحتلال والسلطة الفلسطينية معا.
أمام هذا الواقع والحال الذي وصلت إليه القضية
الفلسطينية من خطر حقيقي محدق وانسداد كل الأفق، وتراجع المشروع السياسيّ
الفلسطينيّ في ظل التهديدات الإسرائيلية المعلنة بإجراءات جديدة تتثمل بضم أجزاء
كبيرة من الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية. ألم يحن الوقت بعد لدعوة لعقد
مؤتمر وطني فلسطيني شامل تحضره الفصائل الفلسطينية كافة دون استثناء أحد، وشخصيات
وطنية ونخب ومفكرين وأكاديميين يعقد في أي دولة أو عاصمة عربية، من أجل وضع رؤية
وخطوط عريضة لاستراتيجية وطنية جديدة للعمل الوطني.
أمام المشهد الذي استعرضته أعلاه، فنحن كشعب
نعيش في أزمة حقيقية على عدة صعد، هذه الأزمة تحمل في ثناياها ضياعا حقيقيا للقضية
الوطنية والمشروع الوطني، ولا بد من وقفة مسؤولة وجادة تقدم فيها مصلحة الوطن
والقضية على مصلحة الحزب أو أي مصالح أخرى، وإلا فالتاريخ لن يرحم أحدا.
إن عقد مثل هذا المؤتمر في هذا التوقيت يشكّل
حاجة فلسطينيّة وضرورة استراتيجيّة، كما أن من أهم ما يجب التركيز عليه خلال هذا
المؤتمر الذي يعد من أولويات المرحلة القادمة هو ضرورة مناقشة استراتيجية فلسطينية
وطنية جامعة تتصدى للاستراتيجية الأمريكيّة والإسرائيليّة ضدّ القضيّة
الفلسطينيّة، تتلخص بموقف فلسطيني عملي ورافض لصفقة القرن، وإجراء حوار فلسطيني
عميق يتطرق لكافة القضايا المتعلقة بالقضية الفلسطينية بحيث يسفر عن تقديم رؤية
وطنية استراتيجيّة بديلة عمّا تشهده الساحة الفلسطينيّة التي وصلت لأفق مسدود.
إن المطلوب من هذا المؤتمر أن تشخص المشكلة
الحقيقية، وأن تطرح الحلول وتحدد الآليات وتدون التوصيات بحيث تكون ملزمة للقيادة
السياسية الفلسطينية في غزة والضفة الغربية، ونتوقف جديا لماذا فشلنا كفلسطينيين
في إدارة المرحلة الماضية باتفاقياتها، بل إن المطلوب من مثل هكذا مؤتمر أن يضع
المجتمعون منهاجا وطنيا واضحا لكل القضايا الاستراتيجية، وبرامج ترتكز على قاعدة
الإيمان بالآخر والعمل الوطني المشترك على قاعدة الوطن للجميع، فلا استفراد ولا
تفرد، ولا مفاوضات إلى ما لا نهاية، وكفى لإدارة
الانقسام، ولتحقق الوحدة الوطنية
واقعا عمليا بين كل الأطياف والقوى الفلسطينية الحية، ليسجل عام 2020 أنه عام
الوحدة الوطنية، وتحقيق الشراكة، وعقد الانتخابات، وتجديد كل الشرعيات، كمحاولة أخيرة
لإنقاذ شعبنا الفلسطيني من مصير المجهول الذي يعيشه، سواء بفعل الأخطاء الداخلية
من جهة والتهديدات الخارجية من جهة أخرى، وضرورة والتخندق صفا واحدا، وتحت مظلة
سياسية جامعة في مواجهة الصلف الإسرائيلي والعنجهية والعربدة الأمريكية تجاه
القضية الفلسطينية.