عندما شدّد ترامب العام الماضي العقوبات على إيران وحرمها من تصدير معظم إنتاجها من النفط وتالياً من دخل يقدّر بعشرات المليارات من الدولارات، داعياً إيّاها في نفس الوقت إلى التفاوض، وجد النظام الإيراني نفسه بين خيارين، إمّا الذهاب إلى التفاوض من موقع ضعيف وهو أمر يقوّض من شرعيته الداخلية ومن صورته وهيبته، وإمّا المواجهة العسكرية مع أمريكا وهو أمر لا قِبَلَ له به.
تصعيد إيراني غير مباشر
اختار النظام الإيراني خياراً وسطاً يقوم على التصعيد العسكري غير المباشر في منطقة الخليج دون تبني ذلك بصفة رسميّة كي يتهرّب من التبعات من جهة، وعلى أمل أن يؤدي الضغط العكسي والخوف من اندلاع حرب إلى تراجع ترامب عن العقوبات على إيران أو حتى تخفيفها. ونتيجة لهذا الخيار، اختبرت إيران مواقف ترامب بسلسلة من العمليات ما بين أيار (مايو) وأيلول (سبتمبر) 2019، شملت استهداف حوالي 6 ناقلات نفط في محيط منطقة الخليج، وإسقاط طائرة أمريكية من دون طيّار تقدّر قيمتها بما يفوق الـ130 مليون دولار، وقرصنة ناقلة بريطانية قبالة السواحل العُمانية، واستهداف منشآت أرامكو النفطية بطائرات مسيّرة وصواريخ كروز.
أثبت النظام الإيراني كذلك أنّه ليس نظاماً إنتحارياً في جميع الأحوال ولا يسعى إلى حرب مع أمريكا وأنّه يعرف حجمه الحقيقي تماماً وأولويته المحافظة على النظام في السلطة ولو كان الثمن ابتلاع مقتل سليماني
لم يرد ترامب على أي من هذه الهجمات الإيرانية، وهو ما أعطى الإنطباع بأنّه ضعيف وفي موقف حرج وأنّه حتى لو كان يريد ذلك، فإنّ قرب موعد الانتخابات وطرد المستشارين الأكثر عدائية تجاه إيران من حوله سيجعله غير قادر على اتخاذ مثل هذا الخيار. ونتيجة لهذا التقييم الذي توصّلت إليه القيادة الإيرانية، تم الإيعاز لميليشياتها في العراق بالتصعيد مجدداً فتخطت إيران وأذرعها الخط الأحمر الأخير لترامب عندما قتلت متعهداً أمريكيا وهاجمت السفارة الأمريكية. المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي غرّد بعد ذلك مستهزئا بترامب ومشيراً إلى أنّه لن يستطيع فعل شيء لإيران.
لم تكن إيران تأمل من الجولة الأخيرة من التصعيد أن يتراجع ترامب عن العقوبات ضدّها فقط، وإنما توقيت هذه الجولة كان يقول أنّها تسعى كذلك إلى تقويض موقع ترامب وحظوظه في الانتخابات الرئاسيّة المقبلة كذلك. بمعنى آخر، لم تترك إيران لترامب أي خيار بعد أن خرقت آخر خطوطه الحمراء سوى أن يردّ عليها، وبالتالي كان عليه أن يرد عليها، فاختار قتل قاسم سليماني ومن معه. آخذين بعين الاعتبار الانطباع السائد عن ترامب عند النظام الإيراني بعد أن تمّ اختباره في الفترة بين أيار (مايو) وأيلول (سبتمبر) 2019 والذي يقول أنّه لن يرد، فقد خلق هذا الرد صدمة لدى النظام الإيراني وخلط الأوراق من جديد.
مأزق إيراني
وضع اغتيال سليماني النظام الإيراني في مأزق كبير. فقد قتل ترامب قائده الاوّل في الميدان الإقليمي، والرجل الأكثر شعبية ربما داخل إيران على الإطلاق. السكوت بشكل مطلق على العملية الأمريكية سيقوّض من شرعية النظام الإيراني بشكل مهول، وقد يسارع من تدهور وضعه الداخلي والإقليمي. أمّا الرد عليه بالمثل لناحية وزن الهدف أو قوّة الضربة، فقد يؤدي ذلك الى إندلاع حرب يكون نتيجتها سقوط النظام الإيراني أمام القوّة المدمّرة الأمريكية.
ما زاد من الضغط على النظام الإيراني هذه المرّة، هو أنّ الرئيس الأمريكي أعاد رسم خطوطه الحمراء من منطلق استعادته لقوة الردع أمام الهجمات الإيرانية معزّزاً إياها بتهديدات مفادها أنّ أي رد إيراني يتجاوز الخطوط الحمراء المعلنة للجانب الأمريكي سيؤدي إلى رد مدمّر. ولإعطاء المصداقية لهذه التهديدات، قامت واشنطن بإرسال حوالي 6 من قاذفاتها من طراز (بي ـ 52) القادرة على حمل قنابل نووية إلى قاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهندي لتصبح على مقربة من إيران في حال حصول تطورات غير محسوبة العواقب.
وضع اغتيال سليماني النظام الإيراني في مأزق كبير. فقد قتل ترامب قائده الاوّل في الميدان الإقليمي، والرجل الأكثر شعبية ربما داخل إيران على الإطلاق.
شَنُّ إيران يوافق طبقة الأمريكان
تواجد تونس في طرابلس وبقية ليبيا أهم من حضورها في برلين