"تتمثل خطتي في البدء بمبادرة سياسية في لندن خلال الشهر المقبل
لمحاولة إعادة توحيد المعارضة السياسية داخل البلاد وخارجها، وأنا على اتصال بجميع
الموجات السياسية والإخوان المسلمين والليبراليين وحركة 6 أبريل، وسأطلق خطة إصلاح
مع بعض الخبراء من السياسة والقطاع الصحي والمالية والتعليم والإعلام، وسأدعو جميع
الخبراء في
مصر للانضمام إلى هذه الحمل"..
هكذا أعلن المقاول والممثل
محمد علي عن خطته للإطاحة بالنظام الانقلابي في مصر، خلال مؤتمره الصحفي الذي عقده
منذ أيام في العاصمة البريطانية، في أول ظهور له خارج إسبانيا التي أطلق منها
مقاطع الفيديو التي هزت النظام وحركت الشارع المصري. وبسؤاله حول ما إذا ما رفض
النظام حراكه، أجاب المقاول المصري بأن
الثورة هي الحل.
اتفق مع محمد علي في أطروحاته أو اختلف، إلا
أن الجميع لا يمكن أن ينكر أن الرجل قدم أكبر خدمة للثورة بإعادة الحراك إلى
الواجهة وإدخال فئات غير مؤدلجة للمشهد الثوري، بعد أن كادت أن تنتهي شعبيا.
المشهد الذي ظهر به محمد علي في مؤتمره الصحفي
في لندن هو تحول من العشوائية الكاشفة إلى التنظيم، وهنا وقفة طويلة حول مدى فائدة
هذا التحول، إذ أن محمد علي انخرط في التفاصيل بعد دعوته بتجميع "المعارضة
المصرية" في صف واحد لمقاومة النظام سلميا. والشيطان يكمن في التفاصيل، وهنا
أيضا الاختبار الأكبر للمقاومة السلمية، أو المعارضة المصرية.
تجمع الناس حول محمد علي يكشف ضعف المعارضة في
الشارع، وعدم توافقها الآن يعني انتهاء دورها للأبد، لذا فإن الحقيقة التي يجب أن
تعيها المعارضة المصرية هي أن دورها الآن يجب أن يكون رافعة لتلك المبادرة، وأن
تقف عند مسؤوليتها. فالمشروع الوطني الذي تحدث عنه محمد علي مطلب شعبي، لكن الأصل
هو إيجاد طرق إبداعية لدحر الانقلاب قبل التوافق على شكل مرحلة ما بعد دحر الانقلاب.
فإن كانت المرحلة التالية
على دحر الانقلاب مهمة حتى لا نعود لمشهد ما بعد 11 شباط/ فبراير، إلا أن البداية
يجب أن تكون بدحر الانقلاب، من خلال طرق متطورة وبث روح الثورة في أوصال الشعب
المصري وتكوين الظهير الشعبي الحاضن للثورة، لا سيما أن الوقت الآن مناسب جدا من
حيث المناخ العام إقليميا ودوليا أو حتى داخليا، بعد أن انكشفت حقائق كثيرة كانت
مخفية، وملامسة فئات كثيرة من الشعب حالة الاضمحلال التي تعيشها مصر ووصولها إلى
حافة الانهيار الكامل في كل نواحي الحياة ومقوماته بعد أن أصبحنا على شفا مجاعة
بعد تصميم الطرف الإثيوبي على ملء السد خلال الأشهر القادمة.
دعوة محمد علي للأنظمة الغربية لوقف دعم
النظام مهم، لكنه يحتاج إلى نشاط دبلوماسي من المقاومة "المعارضة"
السلمية، وهو الدور الذي يجب أن يلعبه المصريون في الخارج، والذي دعونا له منذ
الأسبوع الأول للانقلاب ولم تتحرك المعارضة في مساره حتى الآن. فالمجتمع الدولي قد
يكون مقتنعا بأن
السيسي ليس الخيار الأفضل، لكنه (أي المجتمع الدولي) لا يجد بديلا
في ظل تشرذم المقاومة "المعارضة" السلمية، وعدم وجود مشروع، والحل هو
تقديم المقاومة السلمية مشروعا حقيقيا يتضمن استقرارا حقيقيا للمنطقة، مع تطمينات
للمجتمع الدولي ودول الجوار.
وإذا كانت القاعدة الذهبية تقول "إن
الشعوب لا تقود الثورات"، فإن النخب والقيادات يجب أن تكون على قلب رجل واحد
بتحديد الرؤى والأهداف والسبل بعد الاصطفاف الذي أصبح فرض عين على كل وطني مخلص
لهذا الوطن، وعلى تلك النخب الثورية أن تسعى بجدية لخلق مساقات مؤمنة لصناعة
الحاضنة الشعبية الواعية لمعاني الثورة، والتي تستطيع أن تضحي في الوقت المناسب من
أجل مشروع تؤمن به من أجل خلاص هذا الوطن الذي اختطف منذ ستين سنة فهلك الحرث
والنسل.
ولا أفضل من هذا التوقيت
الذي تموج فيه المنطقة بالحراك وينشغل العدو الصهيوني بحالة بلبلة سياسية، ولا
يبقى إلا حراك مخلص ممن يتصدرون المشهد الثوري المصري. وليعلم هؤلاء بأن التاريخ
سيذكرهم على كل الأحوال، فلا يكونوا كمن بال في زمزم.