عقد سياسيون ومختصون بقضايا الأمن القومي،
مقارنة بين التحركات النشطة لرئيس نظام الإنقلاب العسكري بمصر، عبد الفتاح
السيسي،
في ملف غاز
شرق المتوسط، وبين تحركاته الضعيفة في ملف
سد النهضة، رغم الخطورة التي
يشهدها الملف الثاني خلال الأيام الماضية.
ويري المختصون الذين تحدثوا لـ"عربي21"، أن التحالف الثلاثي بين
مصر واليونان وقبرص، ليس معنيا فقط
بتنسيق اكتشافات الغاز بشرق المتوسط، وإنما هو تحالف موجه ضد
تركيا، التي تشهد
علاقتها مع الدول الثلاث أزمات مختلفة، يحاول السيسي استغلالها في توجيه ضربات
سياسية ضد أنقرة، لموقفها الرافض من انقلابه العسكري.
وكانت القاهرة استضافت الثلاثاء الماضي، قمة
ثلاثية جمعت بين السيسي ورئيس الوزراء اليوناني والرئيس القبرصي، لتوثيق التحالف
الثلاثي ضد تركيا، فيما يتعلق بالتنقيب عن الغاز بشرق المتوسط، واتهم السيسي تركيا
بشكل غير مباشر، بأن تحركاتها الأحادية ستؤدي لتحويل شرق المتوسط لمنطقة نزاع
إقليمي ودولي، وهو ما يؤدي لزعزعة الاستقرار في المنطقة ككل، والإضرار بمصالح دول
الإقليم وفق وصفه.
دليل إدانة
من جانبه انتقد رئيس لجنة العلاقات الخارجية
والشؤون العربية بمجلس الشورى المصري السابق رضا فهمي في حديثه لـ
"عربي21"، السياسة الخارجية التي يتبعها السيسي في التعامل مع القضايا
التي تمثل أمنا قوميا لمصر، مشيرا إلى أنه في الوقت الذي يسعى فيه بكل جهده للاشتباك
والتلاسن مع تركيا، فإنه لم يحرك ساكنا في الملف الأهم وهو ملف سد النهضة
الإثيوبي.
ويشير فهمي إلى أن السيسي عقد وشارك في 8 قمم
منذ تأسيس تحالف شرق المتوسط مع اليونان وقبرص، ولكنه لم يعقد قمة واحدة مع دول
حوض النيل، أو حتى عقد لقاءات ثنائية أو ثلاثية مع عدد من قادة هذه الدول، في إطار
تضييق الخناق على الجانب الإثيوبي، الذي من الواضح أنه انطلق في المرحلة النهائية
لمشروع سد النهضة ولا يعنيه موقف الحكومة المصرية.
ويرى فهمي أن السيسي لا يهمه موضوع الغاز،
وإنما "يريد النكاية في الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لموقفه الرافض من
الانقلاب العسكري الذي قام به ضد الرئيس الراحل محمد مرسي، ولذلك فإنه يستخدم
تحالف شرق المتوسط ضمن حملة موسعة موجهة ضد الرئيس التركي، على الصعيدين الإعلامي
والإقليمي، ولكنه في النهاية لن يحقق أي شيء، ولن يستطيع منع تركيا من التنقيب عن
الغاز، بالقرب من الحدود القبرصية".
وفيما يتعلق بملف سد النهضة، يؤكد الرئيس
السابق للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشورى، أن التعامل الرسمي المصري مع ملف
السد، "سيئ ورديء، ولا يبشر بأي خير لحماية الحقوق التاريخية لمصر في مياه
النيل"، موضحا أن كلمة رئيس الوزراء مصطفي مدبولي في مجلس النواب، حول موضوع
السد، يجب أن تكون دليل إدانة يحاكم بسببها نظام السيسي بتهمة الخيانة العظمي، في
أهم ملف من ملفات الأمن القومي المصري وهو ملف المياه.
وأضاف فهمي قائلا: "نعم اكتشافات الغاز
مهمة، ومن المفترض أن يكون لها عائد على الاقتصاد، ولكن المياه أهم، ونهر النيل هو
شريان الحياة لمصر، كما أن الشعب المصري لم يشعر حتى الآن بأية نتائج إيجابية
انعكست عليه من اكتشافات الغاز الطبيعي بشرق المتوسط، بينما يشعر بالخطر الحقيقي
من اقتراب استكمال سد النهضة الذي يمكن أن يدفع مصر لمجاعة حقيقية، وفي النهاية
فإن الشعب لن يشرب الغاز، أو يزرع به ويأكل منه".
غياب ترتيب الأوليات
ويتفق الخبير في شؤون الأمن القومي كمال علام،
مع الرأي السابق، موضحا أن ترتيب أولويات الأمن القومي بالنسبة لنظام السيسي
معكوسة، وتعتمد على حماية مصالحه الخاصة، بصرف النظر عن تأثير ذلك على باقي الشعب،
وهو ما كان واضحا في تحركاته منذ اللحظة الأولى في قضية سد النهضة، التي استغلها
السيسي كرشوة للجانب الإثيوبي من أجل الاعتراف به وبانقلابه العسكري.
ويؤكد علام لـ"عربي21"، أن لغة
الخطاب التي يتعامل بها وزير الخارجية المصري سامح شكري، في ملف سد النهضة لا
تتمتع بالحدة نفسها التي يتعامل بها ضد تحركات تركيا في شرق المتوسط، رغم أن الملف
الأول هو الأخطر، والأهم، وهو الذي يحتاج لتصعيد دولي وإقليمي وأفريقي متنوع وصادم
في بعض الأوقات.
ووفق رأي علام، فإن السيسي منذ فترة حكم الرئيس
مرسي، وهو ضد أي تصعيد في ملف سد النهضة، وكان يتفاخر بأنه وقف ضد رغبة مرسي
بتوجيه ضربة عسكرية ضد السد، إذا أصرت إثيوبيا على بنائه بما يخدم مصلحتها الخاصة
فقط، ولذلك فمن الطبيعي أن يكون رد فعل السيسي بهذا الضعف والسوء.
ويضيف الخبير في شؤون الأمن القومي قائلا:
"السيسي يعتبر نفسه صاحب الغاز المصري بشرق المتوسط، وأنه صاحب الحقول التي
يتم اكتشافها هناك، وفي الوقت نفسه، يستغل موضوع اللاجئين وموقف الاتحاد الأوروبي
غير المتناغم مع تركيا، لحشد أوروبا ضد أردوغان لأهداف سياسية تخدم مصالح السيسي
وقبرص واليونان وإسرائيل".