أفكَار

الإسلاميون الشيعة في لبنان.. وهزيمة مشروع الدولة (2من2)

محمد بيضون: انتخاب نبيه بري لرئاسة البرلمان اللبناني عام 1992 كان بمباركة إيرانية (الأناضول)

على خلاف تجارب حركات الإسلام السياسي في العالم العربي، تمكن إسلاميو إيران الذين وصلوا إلى السلطة عام 1979 في ثورة شعبية، أسقطت حكم الشاه وأقامت نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، من ترسيخ تجربة سياسية مختلفة، ولم تكتف فقط ببناء الدولة والتأسيس لنموذج في الحكم يمتاح أسسه من المرحعية الإسلامية الشيعية، بل وتحولت إلى قوة إقليمية وامتد نفوذها إلى عدد من العواصم العربية.

ومع أن التجربة الإسلامية في إيران، قد أثارت مخاوف المنطقة العربية، التي وقفت ضدها في حرب الثمانية أعوام من خلال دعم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في تلك الحرب، فإنها لم تحظ بالاهتمام الفكري والعقلاني الهادئ، لفهم أسرار قوة هذه التجربة، وفهم آليات تمكنها من الحكم، وقدرتها على مواجهة الحرب مع العراق بالإضافة إلى الحصار الإقليمي والدولي.

وتزداد أهمية قراءة التجربة السياسية في إيران، هذه الأيام، بالنظر إلى صعود نفوذ طهران السياسي في المنطقة بشكل عام، ولا سيما في دول الربيع العربي، التي تمكنت طهران من أن تكون واحدة من أهم القوى النافذة فيها، إن لم يكن بشكل مباشر كما هو الحال في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، فبمن خلال السياة الناعمة كما هو الحال في علاقاتها مع باقي دول الربيع العربي.
 
"عربي21"، تفتح ملف التجربة الإيرانية، ليس فقط من زاويتها الدينية أو السياسية أو الدفاعية، وإنما أيضا من زاويتها الفكرية بهدف فهمها أولا، ثم معرفة أسرار نجاحها وتمددها في المنطقة، واستحالتها أخيرا إلى قوة إقليمية ودولية. 

يشارك في هذا الملف الأول من نوعه في وسائل الإعلام العربية نخبة من السياسيين والمفكرين والإعلاميين العرب، بتقارير وآراء تقييمية للنهج الإيراني في الدين والسياسة والفكر.

يواصل الإعلامي اللبناني المتخصص في شؤون الإسلام السياسي في لبنان يوسف ضاهر، في الجزء الثاني والأخير من تقريره عن الإسلام السياسي الشيعي في لبنان، تسليط الضوء على تجربة حزب الله وحركة أمل في الحكم.

 

حزب الله و"أمل"

ويكشف النائب والوزير الأسبق محمد عبد الحميد بيضون، أنه "منذ العام 1988 وعند أول عملية اغتيال نفذها "حزب الله" لقيادات في حركة "أمل"، والانقلاب على الخطّ السياسي للأمام موسى الصدر (مؤسس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وأول رئيس لحركة أمل)، نشأت حرب عنيفة بين الحزب وحركة "أمل" بقيادة نبيه برّي (رئيس مجلس النواب) دامت عامين، ذهب ضحيتها آلاف القتلى من الطرفين، لكن بنتيجتها خسر برّي الحرب، ثم ذهب إلى إيران صاغراً". 

 



ويشير بيضون إلى أنه "في العام 1992، انتُخب برّي رئيساً لمجلس النواب بمباركة إيرانية، مقابل سكوته عن الدور السياسي لـ"حزب الله" ما حوّل برّي إلى لاحئ سياسي عند "حزب الله"، ومنذ ذلك التاريخ انهزمت الطائفة الشيعية أمام الاجتياح الإيراني".

 

لا شكّ أن مشروع الإسلامي السياسي للشيعة، لم ينتصر بفائض القوّة التي يتمتّع بها "حزب الله" فحسب، بل بخطاب سياسي برع في تسويقه واجتذاب شخصيات لبنانية من طوائف أخرى إلى ساحته.


ويلفت الوزير بيضون الانتباه إلى أن "الهزيمة لم تكن للشيعة العروبيين فحسب، بل لحقت الهزيمة بالمسيحيين من دون ضربة كفّ، عندما أمّن تحالف "حزب الله" والتيار الوطني الحرّ، وصول ميشال عون إلى كرسي الرئاسة اللبنانية، مقابل إمساك الحزب بالقرار السياسي"، مشيراً إلى أن "الهزيمة أصابت أيضاً سنّة لبنان مرتين، الأولى عند اغتيال رفيق الحريري على يد "حزب الله"، والثانية في السابع من أيار (مايو) 2008 عندما اجتياح الحزب لبيروت عسكرياً، وهذه الهزيمة لحقت أيضاً بوليد جنبلاط والدروز أيضاً، وكلّ هؤلاء بدأوا يتأقلمون مع الهزيمة".

لا شكّ أن مشروع الإسلامي السياسي للشيعة، لم ينتصر بفائض القوّة التي يتمتّع بها "حزب الله" فحسب، بل بخطاب سياسي برع في تسويقه واجتذاب شخصيات لبنانية من طوائف أخرى إلى ساحته. 

ويعترف المفكر والسياسي اللبناني توفيق الهندي بأن الحزب "يمارس سياسة براغمايتة، ويستعين بالتراث الفارسي الذكي الذي يعرف كيف يتعاطى بمراحل معينة مع الوقائع، إذ لا مشكلة لديه في تحالف مؤقت مع الحزب الشيوعي أو الحزب القومي السوري أو مع المسيحيين في لبنان كضرورة، إلى أن يصبح الزمن مؤاتياً لوضع يده على الدولة كاملة، وعندها يرتّب أجندته ويعيد تصنيف الشيوعيين كملحدين والمسيحيين كذميين ويتعاطى معهم على هذا الأساس". 

ويؤكد أن "خطورة هذا المشروع على الكيان اللبناني، وهو يرسم في مرحلة لاحقة نهاية هذا الكيان الفريد في المنطقة". 

ويضيف الهندي: "لبنان ليس قطعة جغرافية، بقدر ما هو مساحة حضارية، عبّر عنها الدستور اللبناني بترسيخ الشراكة والتنوع، لكنّ للأسف نحن الآن في بداية إخراج لبنان من هويته، بعد أن أمسك الحزب مع حلفائه بمفاصل الدولة اللبنانية، بدءاً برئاسة الجمهورية حيث لديه رئيس حليف (ميشال عون) لا يتخذ أي قرار مخالف لإرادة الحزب، كما أن لديه أكثرية في البرلمان اللبناني، وستكون له في الحكومة الجديدة ثلثي الأعضاء"، مشدداً على أن "الإسلام السياسي الشيعي الذي يمثّله "حزب الله" يأخذ لبنان بخطوات سريعة نحو الزوال".

 

لبنان ليس قطعة جغرافية، بقدر ما هو مساحة حضارية، عبّر عنها الدستور اللبناني بترسيخ الشراكة والتنوع


ويسلّم المراقبون لتطورات الأحداث في لبنان، بأن السيطرة العسكرية على البلاد وترويض القوى والأحزاب الأخرى، لكي تتأقلم مع الهيمنة الإيرانية، ليست مصدر الخطر الوحيد، بل إن الخطورة تتجلّى في دور السلاح غير الشرعي الذي يحمي الفساد في لبنان، ويقوّض كل محاولة لبناء الدولة القوية التي تحمي كلّ الجميع ويعيش اللبنانيون جميعاً تحت مظلتها وحمايتها. ويلفت الوزير والنائب السابق محمد عبد لحميد بيضون الى أن "حزب الله لا يستقوي على الدولة ومؤسساتها الشرعيةفحسب، بل نجح في تقويض قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الذي يمنع التواجد المسلّح لحزب جنوبي نهر الليطاني، بينما بات الجنوب الآن مستودعات للصواريخ الإيرانية، وبات قاسم سليماني يتجوّل بحريّة في الجنوب وعلى الحدود مع إسرائيل، بينما القوات الدولية هناك تتفرّج".

 

إقرأ أيضا: الإسلاميون الشيعة في لبنان.. وهزيمة مشروع الدولة (1من 2)