قضايا وآراء

السيناريو الجزائري المحتمل

1300x600

ثمّة ما يثير الضحك في موقف الجيش الجزائري من التطورات التي تحصل في الجزائر، إذ بين ليلة وضحاها أصبح هناك عصابات في السلطة، لم يكتشفها الجيش، إلا بالأمس، في حين أنه من المعلوم أن الجيش هو من يمسك بالسلطة في الجزائر، وجميع الشخصيات والفاعلين، السياسيين، بما فيهم الرئيس نفسه، ورجال المال والإعلام، ما هم سوى واجهات يصنعها قيادات الجيش بأيديهم.

ليست لعبة الجيش في الجزائر من تلك الألعاب المعقدة التي يصعب كشفها، ويبدو أن النخبة الجزائرية، مثل نظرائها في السلطات العربية، أوصلها الاستهتار بالشعوب واستسهال خداعها، إلى حد السذاجة المفرطة في التعاطي مع الأحداث والتطورات السياسية، بدليل أنهم هندسوا حبكة فاشلة لتمريرها على الشعب، ويتوقعون نجاحها والتصفيق لها ربما.

 

قيادة الجيش الجزائري، الممسكة بالسلطة، كانت تعرف أن الشارع سيثور ضد قرار ترشح بوتفليقة


من البداية، يعرف كل من تابع تطورات الحراك الجزائري، أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سوف يتراجع عن ترشحه ويستقيل في مرحلة من مراحل الحراك، وكان من الطبيعي أصلا ألا يتقدم لترشيح نفسه لولاية جديدة، بل الأكثر طبيعيا، أن يتنحى منذ 2013 بعد أن أصيب بالمرض، لأن كل دساتير العالم، وليس الدستور الجزائري وحسب، تؤكد أن رئيس الدولة في حال إصابته بمرض يقعده عن ممارسة مهامه، أو يؤثر على قواه الجسدية والعقلية، تتوجب إقالته، لأن ذلك خطر على الدولة، فكيف يستطيع رئيس اتخاذ قرارات سليمة وهو يعاني أوضاعا حرجة؟

 

أبعد من المطالبة بتنحي بوتفليقة

قيادة الجيش الجزائري، الممسكة بالسلطة، كانت تعرف أن الشارع سيثور ضد قرار ترشح بوتفليقة، المؤشرات بهذا الخصوص كانت موجودة بقوّة، وكان العالم كله يعرف هذا الأمر، لكن قيادة الجيش، قرّرت الذهاب باللعبة إلى آخرها، فهي تعرف ان إتجاهات الرأي في الجزائر تسير لما هو أبعد من المطالبة بعدم ترشح بوتفليقة، إلى تغيير النخبة الحاكمة بكاملها، لذلك أرادوا توظيف هذه الورقة في مساوماتهم مع الشارع، ولكي يأخذوا الوقت الكافي لترتيب أوضاعهم وتجهيز سردية واستراتيجية لمواجهة الحراك الشعبي.

استقالة بوتفليقة أول خطوة في السيناريو الذي رسمته قيادة الجيش، وهو سيناريو، يبدو من فقرته الأولى، أنه تمت استعارته من تجربة الجيش المصري في مواجهته لثورة 25 يناير، أما الخطوة الثانية ستكون الطلب من الحراك التوقف، فلم يعد هناك مبررات موجبة، كما أن الأمور ستسير باتجاه تأسيس حكم انتقالي، عسكري في الغالب، يتم وضع واجهة مدنية له، ثم في خطوة لاحقة ملاحقة كل من دعا للثورة والتظاهر والتنكيل به، وربما تظهير عصابات وبلطجية تستبيح الأمن وتعتدي على العباد والأملاك العامة، وتدّعي أنها تنتمي للحراك والثورة.

 

استقالة بوتفليقة أول خطوة في السيناريو الذي رسمته قيادة الجيش، وهو سيناريو، يبدو من فقرته الأولى، أنه تمت استعارته من تجربة الجيش المصري في مواجهته لثورة 25 يناير


أو ربما تطوّر نخبة الجيش الجزائري الحاكمة أوراقا وسيناريوهات أخرى، من نوع إبطاء عملية الانتقال السياسي عبر الاستغراق بالتفاصيل الدستورية والهيكليات التنفيذية، إلى حين دفع الشارع للملل وتفكيك الحراك وعودة الشارع لليأس، وهكذا سيتاح للنخبة الحاكمة الوقت الكافي لصناعة تخريجات مناسبة، تضمن لها السيطرة على الحكم في الجزائر لعقود قادمة.

وفي حال عدم نجاح كل ذلك، لن يكون صعبا على قيادة الجيش استعارة النموذج السوري، الذي قام على أساس شن الحرب على البيئات الثورية واختراق الثورة بالمتطرفين، أو دفع أشخاص معينين للتطرف، وجعلهم ذريعة لتوجيه عقاب شامل للجميع، هذه التجربة بالأصل انطلقت من الجزائر واستعارها نظام الأسد، مع صبغها ببعض التعديلات المناسبة للمرحلة، فالجزائر في مرحلة التسعينيات "العشرية السوداء" أو عسكرها بلغة أدق، هم من أطلقوا هذه النسخة من الثورات المضادة في وجه الثورة التي انتصبت في مواجهتهم بعد خسارتهم للانتخابات التشريعية، في جولتها الأولى، نهاية 1991، لصالح الجبهة الإسلامية للإنقاذ برئاسة عباسي مدني، التي كانت قد سبقت فوزها التشريعي بالفوز في الانتخابات البلدية 1990.

 

الثورات يتعلم بعضها من بعض


المنطق يقول إن الحراك الجزائري سيتجاوز كل الإخفاقات التي وقعت بها الثورات في سوريا ومصر، لأن الثورات تتعلم من تجارب بعضها البعض، فلا يجب مثلا الرهان على عدم لجوء الجيش لاستخدام الاستراتيجيات التي استخدمت في مصر وسوريا، باعتبارها باتت مكشوفة وأن العقل الفاسد فقط هو من سيفكر باللجوء لها، والحقيقة أنه يجب التعامل مع قيادة الجيش في الجزائر أنها بالفعل ذات عقل فاسد، ويجب عدم الترفع في التعامل معهم على هذه الشاكلة، فقد ثبت أن عصابات الحكم العربية تتطلع للنتائج النهائية، ولا يهمها إن كانت الوسائل المستخدمة محترمة أو شريفة أو ذكية.

من جهة ثانية، إذا لم يتأطر الحراك في الجزائر، وتتبلور له قيادات مقبولة ونظيفة، ويضع برنامجا واضحا وأفكارا محدّدة، ويجري تطوير الحراك، فما الذي سيمنع اختراقه وتشويهه وركوبه؟

استقالة بوتفليقة، قد تكون خطوة إيجابية، إذا تم استثمارها لصالح الحراك والدفع بمطالبه لتغيير العملية السياسية الفاسدة برمتها، بأشخاصها وأساليب إدارتها، وقد تكون لعبة للإطاحة بالحراك ودفنه، هو صراع ولن يتنازل العسكر عن كل أوراقه، كما لن يكف عن التلاعب، فمصير سلطته واستئثاره بالبلاد في قلب هذا الصراع.

الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع