لا شك أن الوعي السياسي لدى الكثيرين في ازدياد، وليس أدل على ذلك من التعاطي الشعبي الواعي مع الضجة حول مسألة تعديل دستور العسكر، فالخياران المعروضان جعلا الأمر أشبه بمن يستجير بالرمضاء من النار. فالسيسي بلا شك ومعه معسكره الانقلابي أرادوا تمرير تعديلاتهم على دستور العسكر، ومن ناحية أخرى، ظهر ائتلاف حمدين صباحي الذي دعا للدفاع عن دستور العسكر في وجه تعديل يريده العسكر !
إقرأ أيضا: نائب مصري يهاجم التعديلات الدستورية بكلمة نارية (شاهد)
ولنتفق على حقيقة مهمة، وهي أن موضوع تعديل دستور العسكر أو تصور أن هناك نقاشات ستدور وأن هناك من سيعترض، هو نوع من المزحة التي لم تعد قادرة على إضحاك أحد. فالمسألة كلها تحصيل حاصل أو (في بيتها) كما يقول التعبير العامي المصري، والبرلمان الذي اختارت المخابرات أعضاءه لابد أن يوافق على التعديلات التي طرحها الانقلاب نفسه، وبرلمان العسكر لا دور له سوى الموافقة وهو يمارس دوراً شبيهاً بدور فؤاد المهندس في مسرحية السكرتير الفني، الذي كان مطلوباً منه فقط أن يوافق ويوقع. وحتى لو كانت هناك داخل المعسكر الانقلابي أي نية للاعتراض وربما كانت هناك بعض الأصوات الخافتة تحت المظلة الانقلابية، ولكنها صمتت تماماً، وأصبح من المفهوم أن الانقلاب سيمرر تعديلاته.
الكوميدي أن السيسي الذي وقف ليتحدث عن تشغيل الشباب في أفريقيا، هو المسؤول الأول عن اعتقال عشرات الآلاف من الشباب في مصر وسد الأفق أمامهم
لكن الطريف، أنه بينما انهمك البعض في الجهة الأخرى المقابلة للانقلاب في نقاشات حارة حول مسألة تعديل دستور العسكر، كان الكثير من الجمهور يفهم المحصلة النهائية للمسألة كلها وتعامل مع الموضوع بالكثير من الفتور، ويتثاءب وهو يدير ظهره للأمر كله، فورقة الأسئلة الانقلابية لا تحوي سوى إجابتين، فالإجابة الأولى وهي الاختيار الانقلابي والإجابة الثانية التي تعرض عليك الدفاع عن دستور العسكر ضد تعديلات العسكر لتصبح موافقاً دون أن تدري على دستور العسكر، ولأن الكثيرين أدركوا هذا، فقد عزفوا عن المشاركة في الأمر برمته في ظل غياب موقف علني يوجه مناهضي الانقلاب برفض التعاطي من الأساس مع موضوع التعديلات لأنها إجراء انقلابي ولأننا نرفض الانقلاب ككل من البداية ونرفض كل إجراءاته.
إقرأ أيضا: حملة توقيعات شعبية في مصر لرفض التعديلات الدستورية
لكن على كل حال، لندع تعديلات العسكر على دستورهم جانباً، ولننظر إلى النصف المملوء من الكأس وأعني به الجانب الفكاهي للانقلاب. والحقيقة أن هؤلاء الانقلابيين ما يزالون قادرين على إبهار الجميع بحسهم الفكاهي.
لا تستطيع أن تنفي أن مانشيتات صحف الانقلاب عن كلمة عسكري الانقلاب في الاتحاد الأفريقي لم ترسم الابتسامة على وجهك. هذه المرة تجاوزوا كل حدود الكوميديا. ودعك من حالة الاحتفاء في إعلام الانقلاب بقمة أديس أبابا وما كتبته بعض الصحف عن العودة لأفريقيا أو الريادة أو الدور المصري وما إلى ذلك، فالكوميديا في عناوين الصحف التي تحدثت بصياغات مختلفة عن أن "كلمة السيسي ترسم خارطة طريق لمستقبل أفريقيا" كانت أكبر من كل هذا.
ومن الطريف أن من زعم إعلام الانقلاب أنه سيحدد مستقبل أفريقيا، لا يملك تصوراً عن إصلاح الاقتصاد سوى جمع (الفكة) وتقسيم الرغيف إلى أربعة أرباع. والكوميدي أن السيسي الذي وقف ليتحدث عن تشغيل الشباب في أفريقيا، هو المسؤول الأول عن اعتقال عشرات الآلاف من الشباب في مصر وسد الأفق أمامهم بإجراءات مثل رفع الدعم عن الوقود، وأنه المسؤول عن انتقال ملايين المصريين إلى ما تحت خط الفقر بسياساته التخريبية التي أوصلت الجنيه إلى الانهيار التام، ناهيك عن أن منتهى معرفته الاقتصادية ورؤيته لمستقبل الشباب في مصر تلخصا في إقامة مشاريع (عربات خضروات).
من المضحك أن يحاول إعلام الانقلاب إقناعك أن من فشل في نطق جملة (صواريخ بالستية) ونطقها بدلاً من ذلك (صواريخ بلاستيكية)، يمكنه أن يظهر فجأة فاهماً للاقتصاد. أو أن عسكري الانقلاب الذي استقبله رئيس أوغندا وهو يمد رجليه أمامه ويتحدث عن إرسال الخضروات واللحوم والأسماك لمصر، يمكن أن يقود أفريقيا أو يرسم خارطة طريق لاقتصادها.
أفريقيا لا تريد مستقبلاً مليئاً بالحفر يرسمه ضباط جيش يقومون بانقلابات، فالقارة الغنية المنهكة شبعت من الانقلابات، أفريقيا تريد مستقبلاً حقيقياً.
قد يكون تدميره في تدبيره: هل تعمل الخائبة للغائبة؟!