في حين أنني لم أتمكن بعد من متابعة اللقاء الكامل لعبد لفتاح السيسي مع القناة الأمريكية "سي. بي. إس"، فإنّ الحديث يجري عن فكرتين أساسيتين تورّط فيهما السيسي في هذا اللقاء، هما إقراره بالتعاون مع "إسرائيل" في الحرب التي يشنّها على بعض المصريين في سيناء، وأن هذه العلاقة مع "إسرائيل" هي الأوثق، والثانية زعمه أن اعتصام رابعة العدويّة ضمّ آلاف المسلحين، بما خالف الرواية السابقة للحكومة المصريّة!
الحقيقة أنّه لا جديد في ما قاله السيسي، سوى أنّه صدر عن عبد الفتاح السيسي، وإن كان لا غرابة في صدوره عن السيسي كذلك، والذي أبدى عدّة تعبيرات في أوقات متعددة تكشف عن علاقة حميمة تربطه بـ"إسرائيل". ومنذ انقلابه، وشروع نظامه في تشديد الحصار على قطاع غزّة، وحربه على سيناء، وتجريفه بلدات كاملة فيها وتهجير سكانها.. والتقارير تتحدث عن صلة "إسرائيل" بذلك كلّه، وهي الصلة التي فضحتها هذه الأخيرة، عبر ساستها، وصحافتها، وأذرعها في العالم، وهي تتحدث عن السيسي بصفته هبة من الله لـ"إسرائيل". وقد ظهرت "إسرائيل" المعنيّ الأول بانقلاب السيسي، حتى أكثر من الدول الخليجية الممولة لهذا الانقلاب. فيما بعد (وكما صار معروفا)، انكشفت للجميع مصالح واحدة تربط "إسرائيل" بانقلاب السيسي، وبالدول الخليجية الممولة لذلك الانقلاب.
إقرار السيسي بالتدخل الإسرائيلي العسكري على الأرض المصرية مهمّ، وإن كان معروفا وسبقت إليه تقارير كثيرة، فينبغي أن يكون، والحال هذه، قد منح خصومه ومعارضيه دعاية قويّة، لا تؤكد تلك التقارير فحسب، ولكنها تدين الرجل ونظامه بلسانه، بيد أنّ الجوهريّ في كلامه، هو وصفه لعلاقته بـ"إسرائيل" بالأوثق، أي أنّ النمط القائم من هذه العلاقة يزيد على ما كان عليه؛ منذ السادات مرورا بمبارك، مما يعني أنّ لهذه العلاقة خصوصية مُميّزة جعلتها الأوثق.
إقرار السيسي بالتدخل الإسرائيلي العسكري على الأرض المصرية مهمّ، وإن كان معروفا وسبقت إليه تقارير كثيرة، فينبغي أن يكون، والحال هذه، قد منح خصومه ومعارضيه دعاية قويّة
في تحليل وثاقة هذه العلاقة، ومنذ مجيء السيسي، تمركزت التحليلات حول حاجته لـ"إسرائيل" لتسويق انقلابه في العالم، ولا سيما لدى الولايات المتحدة. ولا شكّ أن هذا صحيح، لكنه لم يكن كافيا لتفسير كل ما في علاقته من شذوذ وإغراب واندفاع لتدمير مصر، ولا لتفسير الاندفاعة الإسرائيلية المنفلتة من أي كوابح؛ لدعمه وتثبيت أركان حكمه، أو للتصريحات الإسرائيلية التي تكاد تقول شيئا أبعد من ذلك، بما يظهر وكأنّ هذه العلاقة، وإن كانت في جانب منها مؤسسة على إرث حكومات "كامب ديفيد"، إلا أنّ لها - بالإضافة إلى ذلك - مسارا خاصّا بها.
المحزن، والحال هذه، أن نتخيل الاحتمالات التي يمكن أن تكونها ما ورائيات هذه العلاقة، وأنّ حديثنا عن دولة بحجم مصر، وموقعها ومركزيتها، وهو أمر غير مستبعد بالنظر إلى التاريخ الاستخباراتي الصهيوني الطويل في البلاد العربية، وما تبين من اختراقات مريعة في أكثر من بلد، وفي بلاد عربية بعيدة عن المجال الحيوي لـ"إسرائيل"، وهي الدولة التي تدرك تمام الإدراك عمق أزمتها الوجودية، وبالتالي ضرورة تسوية المحيط العربي بما يضمن لها أطول فترة من الوجود في هذه البلاد.
نتخيل الاحتمالات التي يمكن أن تكونها ما ورائيات هذه العلاقة، وأنّ حديثنا عن دولة بحجم مصر، وموقعها ومركزيتها، وهو أمر غير مستبعد بالنظر إلى التاريخ الاستخباراتي الصهيوني الطويل في البلاد العربية، وما تبين من اختراقات مريعة في أكثر من بلد