ساري عرابي يكتب: بعدما تجلّى الظلم التاريخي بنحو فاحش وغير مسبوق بحرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، فإنّه وبدلا من الالتفات إلى فلسطين، بوصفها محورا صالحا لتشييد مشروع كوني لمواجهة اختلال العالم، فقد تمكن الإسرائيلي، بلا أدنى كابح من الاستمرار 18 شهرا، حتى الآن، في حرق أكثر من مليوني فلسطيني وتجويعهم في مساحة مغلقة
ساري عرابي يكتب: يحيل هذا المنطق إلى المعنى من وجود الحركة الإسلامية سياسيّا، أي ماذا تريد؟! وما هي رؤيتها؟! طالما أنّها مستعدة أن تسوّغ لنفسها، في لحظات معينة، كلّ ما تأخذه على غيرها، يتضح ذلك من موقف ظاهر لأوساط إسلامية واسعة من سياسات وخيارات العهد الجديد للحكم في سوريا، والذي وإن كان سليل حركة جهادية، وناجما عن ثورة، فإنّه يختار الانخراط بعمق في النظام الإقليمي وأبعاده الدولية، ولا يرى خيارا أفضل للاستمرار، أو بحسب بعض المفاهيم الإسلامية الأثيرة لـ"التمكين"
ساري عرابي يكتب: القضية بالنسبة للإسرائيلي، ليست أنّه ممنوع عليك أن تكون صحافيّا حرّا صادقا منحازا إلى شعبك وملتحما بهم فحسب، يبدو أنّه ممنوع عليك وجودك، ممنوع أن تحيا
ساري عرابي يكتب: الواضح أنّ ثمّة إجماعا عربيّا على كون التفسير الوحيد لمفهوم الأمن القومي العربي؛ هو التخلّي عن الفلسطينيين مرّة واحدة وإلى الأبد، ولو كانت الطريق إلى ذلك إبادتهم في غزّة، ليكونوا عبرة لبقيتهم الفلسطينية، وعبرة لكل من يعود ويعادي إسرائيل في أيّ بلد عربيّ كان
ساري عرابي يكتب: المسألة فيزيائية في هذه القضية الأخلاقية، فالتخلّي عن فلسطين التي افترسها المشروع الصهيوني في سياق الهزائم العربية سقوط أخلاقي، ولمّا استمرّ هذا السقوط، بلا كابح، كان لا بدّ أن يرتطم بأوضع نقطة يمكنه أن ينتهي إليها..
ساري عرابي يكتب: من تصدّى لهذه الخطابات، أو التفت إلى جوانب أخرى من الحدث، لا يرفض بالضرورة مراجعة حسابات منفذي السابع من أكتوبر، وليس بالضرورة أن يكون ممن يدّعي أنّنا في لحظة انتصار، والأمر ينبغي أن يكون أظهر من أن يستدعي توضيحا، ولكنّ تعمّد الخلط، والهوس بحشر المخالفين في سلة واحدة، والتمركز حول وساوس الذات، في حدث مهول كهذا، يتوقف بصاحبه عند إدانة الضحية..
ساري عرابي يكتب: ما يستدعي التذكير بالواضحات، هو عمليات التضليل الإعلامي العميق التالية على الجرائم الإسرائيلية، والتي تفضي آخر الأمر إلى تبرئة إسرائيل من المحرقة المفتوحة التي لا تنوي إيقافها على الفلسطينيين في قطاع غزّة. عمليات التضليل هذه تتصل بالدعايات إياها منذ بداية الحرب، والتي تتذرع بنقد حماس وخياراتها وحساباتها ورهاناتها التي وقفت خلف قرار السابع من أكتوبر؛ لتحويل الإدانة عن المجرم إلى الضحية
ساري عرابي يكتب: ماذا يعني أن تصف دولة عربية أخرى نفسها بأنّها كبرى، في الخطاب الشعبوي الذي تُدفع إليه لجانها الإلكترونية وكتّابها منعدمو الموهبة، وهي غير قادرة على اتخاذ موقف عروبي، يطابق معنى وجودها، تجاه المذبحة الواقعة على الفلسطينيين في غزّة؟! وعلاوة على التطلع البادي للتطبيع مع هذه الدولة (أي إسرائيل) التي ينبغي أن تخجل أيّ دولة عربية من الاقتراب منها، لانعدام مبررات وجودها، ما الكبير في أن تكون عاجزا إلى هذه الدرجة، فتسخّر إعلامك للحطّ من الضعيف الذي سعى لاسترداد قضيته، سواء أصابت حساباته أم أخطأت؟!
ساري عرابي يكتب: من أوجه اختلال موازين القوى هو الإبادة السياسية التي فُرِضت على القضية الفلسطينية في العقود الأخيرة، وهذه الإبادة كانت تتطلب مواجهة ما، ولكن هذه المواجهة ستكون بالضرورة محكومة إلى هذا الاختلال الذي لا يخدمها. وهذه عقدة اللحظة الراهنة، الممتدة في التاريخ النضالي الفلسطيني كله منذ فجر التاريخ، أي إنّ موازين القوى دائما كانت لصالح العدوّ، لكن اليوم تأخذ موازين القوى شكل الإبادة السياسية، مما يجعل خيارات الفلسطينية أقرب إلى الاستحالة
ساري عرابي يكتب: كما أنّ الإسرائيلي لم يلتزم بما يترتب عليه في المرحلة الأولى، والأمريكي ليس فقط لم يضمن الالتزام، ولكنه هو بنفسه فجّر الاتفاق بمحاولته تفريغه من معناه بوصفه اتفاق وقف إطلاق نار وتحويله فقط إلى اتفاق تبادل أسرى، فإنّه قد تأكد كذلك أنّه لا وسطاء، وأنّه لا فاعل في هذا الإقليم إلا "إسرائيل" التي تتمدد بالاحتلال في كلّ من سوريا ولبنان، وتقتل في غزّة والضفة الغربية وسوريا ولبنان
ساري عرابي يكتب: الخيارات النضالية الأخرى أصعب من خيار الكفاح المسلح، من الناحية الإجرائية، فحشد مجاميع الشعب في فعل نضالي مدني مستمر وطويل وعميق ومؤثّر يحتاج إلى موارد تعبوية وقدرات تنظيمية أضخم بكثير مما يحتاجه الكفاح المسلح..
ساري عرابي يكتب: لمّا صار التخلّي عن القضية الفلسطينية سياسة عربية رسمية، صار لا بدّ من دعاية حاملة لهذه السياسة. هذه الدعاية اتجهت في بعض الأوقات للتشكيك في عدالة القضية الفلسطينية نفسها، وفي أقلّ الأحوال سوءا (يا للسخرية) للحطّ من الشعب الفلسطيني للخلوص إلى أنّه لا يستحقّ الدعم والنصرة، وفي أوقات أخرى، كما في الحروب والمواجهات مع "إسرائيل" التي تتصدّرها قوى المقاومة الإسلامية، اتجهت للطعن في هذه القوى تحديدا
ساري عرابي يكتب: لا يقول أحد إنّ الجرائم تزول بالتقادم، وإنّ الفضيلة تلغي الرذيلة في حال اقترافهما من الجهة نفسها، ولكنّ الواجب توسيع الرؤية والنظر إلى الأمام، وإلا لصارت السياسة محض مشاعر وغرائز محبوسة في منطقة ماضية لا تغادرها أبدا..
ساري عرابي يكتب: بقي قدر ما من التعاطف الظاهر، يمليه الموقع العميق للقضية الفلسطينية في الضمير العربي، والذي ولا بدّ وأن تعبّر عن الحكومات العربية بشيء من البلاغة الشكلية. إلا أنّ هذا الجانب التعاطفي في أبعاده الإنسانية والعروبية والدينية، بدأ بالسقوط، مع عمليات 11 أيلول/ سبتمبر 2001
ساري عرابي يكتب: لا جديد جوهريّا في تصريحات نتنياهو، إلا أنّها جاءت من رأس الكيان، وهو الرأس الذي حصّل اتفاقيات التطبيع مع عدد من الدول العربية، وعلاوة على ذلك لم تكن تصريحات أمثال بتسلئيل سموتريتش عن رؤية تياره بحتمية احتلال أراض من بلاد عربية أخرى لتثير ضغينة النظام الرسمي العربي، كان كل ذلك يجري وكأنّ شيئا لم يكن