أثار الموقف الرسمي
المصري في أثناء انتخابات مدير عام
اليونسكو الأخيرة تساؤلات حول التغير الحاد والمفاجئ في إدارة الخلافات العربية-العربية، فبينما لم تكن تلك الحادثة هي الأولى في التنافس العربي على رئاسة إحدى المؤسسات الأممية، إلا أن هذه المرة شهدت دعما مصريا علنيا لمرشح فرنسا على حساب المرشح القطري، وكانت السوابق الماضية لا يبدو فيها الانحياز العلني والرسمي من دولة عربية ضد مرشح عربي آخر في أثناء المنافسة على رئاسة أحد المناصب الدولية.
كما كان من الملفت -وفقا لمراقبين- حدوث تغير حاد في
السياسة الخارجية المصرية، يجعلها تقوم بهذا الدعم العلني لمرشحة فرنسا، مما يعمّق الخلافات العربية، ويزيد من تقليص التأثير المصري في محيطها الطبيعي.
لا توجد سياسة عربية
وعن أسباب تلك التحولات، يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة د.مصطفى كامل السيد، أن "علاقات مصر الوثيقة بالمملكة العربية السعودية تجعلها تتردد كثيرا قبل اتخاذ موقف يغضب المملكة العربية السعودية"، مضيفا أن"الخلافات بين مصر وقطر خلافات عابرة ومن المحتمل جدا أن تتحسن".
كما أكد السيد في تصريحات لـ"
عربي21" أنه من الأفضل أن يرأس اليونسكو شخصية عربية بدلا من شخصية فرنسية، موضحا"أن مدير اليونسكو يلتزم بسياسات المنظمة وليس سياسات بلده، لذا كان من الأفضل أن تمتنع السفيرة مشيرة خطاب عن دعوة المجلس لانتخاب أي مرشح، والمنافسة النهائية كانت بين قطر وفرنسا لا بين قطر ومصر".
وعن الدوافع المصرية لذلك أجاب السيد، بأن "الخصومة قائمة بين مصر وقطر وأيضا بين السعودية وقطر، ومصر فضلت المصلحة على المدى القصير، وهي ألا تمنح فرصة لقطر كي تفوز، وفضلت ذلك على المصلحة العربية العامة".
وعن نقل الخلافات العربية للعلن قال: "لا أظن أن الرئيس السيسي لديه سياسة عربية، الرئيس السيسي لديه سياسة تتعلق بالموقف من قطر أو السعودية أو حماس، لكن ليس لديه تصور لسياسة عربية كاملة سلبا أو إيجابا".
لا توجد إرادة عربية للمصالحة
من جهته قال أستاذ العلوم السياسية د.حسن نافعة، إن هذه هي المرة الثالثة أو الرابعة التي تخوض فيها الدول العربية منافسة على رئاسة المنظمة، "لكن لم يكن الصراع بمثل تلك الحدة قبل ذلك، بل كان الصراع مستترا".
مضيفا: "الآن أصبح صراعا مكشوفا؛ لدرجة أن بعض الدول تفضل أن يحصل أي شخص آخر على المنصب على أن يحصل عليه مرشح عربي من دولة معينة، وهدف كل طرف ألا يفوز الطرف الآخر بالمنصب، وهذه قمة الخشونة في التفاعل".
وأوضح نافعة لـ"عربي21" أسباب الخشونة بـ"تراكم أشياء كثيرة، منها ما حدث في مصر بعد وصول جماعة الإخوان المسلمين للسلطة، وموقف مصر منذ أيام مبارك ضد قطر واتهام مصر بأنها كانت وراء انقلاب في قطر، فهناك عملية متراكمة أدت لشرخ في العلاقات".
مضيفا أن "هذا الشرخ تحول إلى فالق بعد وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة، ورهان قطر بالكامل على جماعة الإخوان المسلمين، فكان الطبيعي بعد إزاحة الجماعة أن تصبح هناك حالة عداء مستحكمة، ثم أخذ الأمر بُعدا خليجيا بعد ذلك وبالتالي أصبحت هناك كتلة عربية تعادي قطر تماما، وهذا ساعد على توسيع الشرخ، وأوصله إلى ما يشبه حالة الحرب المعلنة وليس المستترة".
وعن المطلوب من أطراف الأزمة لعلاج هذا الشرخ، قال نافعة: "دون تدخل أمريكي حاسم -وهي تستطيعه- لصالح هذا الطرف أو ذاك لن يلتئم الصراع بين قطر وبقية الدول العربية"، مؤكدا أن"الحالة العربية الآن ضد المصالح القومية العربية، وتفيد كل خصومها، ولا توجد إرادة عربية لِلَمّ الشمل ولا يوجد طرف عربي قادر على لمّ الشمل".
وأضاف: "الوساطة الكويتية فشلت، والموقف تستغله الولايات المتحدة، والمرشحة الفرنسية لم تكن لها أي فرصة لو لم يكن الصراع قائما، واستشعار فرنسا هذا الانشقاق في الصفوف العربية هو الذي دفع فرنسا للتقدم بمرشح، وبالتالي الأطراف الخارجية تستغل حالة الانشقاق العربية وتوظفها إما لمكاسب مادية، أو لدفع العالم العربي نحو الهاوية إلى أبعد مدى ممكن، إما لضرب إيران أو تصفية حزب الله وحماس".
تغيّر مفهوم الأمن القومي
من جانبه فسّر أستاذ العلوم السياسية وخبير العلاقات الدولية د.بدر شافعي السلوك المصري في حديثه لـ"
عربي21"، بأن "هناك تحولا في السياسة الخارجية المصرية في الأعوام الأخيرة، فلطالما كانت
إسرائيل هي العدو الأساسي لمصر وللدول العربية، لكن بعد حدوث الانقلاب صارت إسرائيل هي الصديق وبعض الدول العربية هي العدو".
وأضاف شافعي: "وبالتالي انعكس هذا على مواقف الدول العربية بصفة عامة، وبدت بوادره منذ حرب غزة في 2014 ووجود قمة عربية في الكويت وأخرى في قطر، والآن اتضح الأمر جليا فيما يتعلق بحصار قطر التي يبدو أنها أصبحت العدو".
وعن انتخابات اليونسكو: قال شافعي: "كان يمكن للعرب أن يفوزوا بمنصب الرئاسة لحصول قطر على 18 صوتا ومصر على 12 -في أول جولة-، وهذا الرقم لو توجه لمرشح واحد في ظل وجود اتفاق لكان من الممكن أن يحسموا المنصب".
واستدرك بقوله: "لكن نتيجة هذا التشرذم فضلت مصر -وبصورة علنية- دعم المرشحة الفرنسية على المرشح العربي، وربما يكون هذا المسمار هو الأخير في نعش العلاقات العربية-العربية".
وعن سبب تغير مفهوم الأمن القومي، قال شافعي: "اعتبارات المصالح الضيقة صارت هي المهيمنة على السياسة الخارجية المصرية منذ الانقلاب، فتغير مفهوم الأمن القومي الذي كان راسخا منذ محمد علي ومن قبله؛ بأن الأمن القومي المصري يبدأ من بلاد الشام في الشمال وحتى منابع النيل في الجنوب، وأصبحت المصالح الضيقة هي الحاكمة".
مضيفا بأن "من أراد الحصول على اعتراف دولي فعليه توطيد العلاقة مع إسرائيل ويعادي خصومها، وإن كانت مصر أيام مبارك بمنزلة كنز استراتيجي، فالسيسي الآن بالنسبة لها أفضل الرؤساء".
"وهذا الوضع المصري الحالي جعلها في حالة حرجة؛ لأنها بعدما كانت قاطرة الدول العربية أصبحت الآن تسعى إلى الانضمام إلى فريق على حساب آخر، بدلا من أن تكون الشقيقة الكبرى التي تسعى لتجميع الدول العربية" وفق قوله.