خضعت السياسة الأمريكية لثوابت وأعراف وتقاليد راسخة في الحكم والممارسة السياسية، وقدم رؤساء أمريكا المتعاقبون استجابات فاعلة في اتجاه خدمة هذه الثوابت وتعزيزها، مقابل التماهي مع هوامش التحولات المختلفة تبعا للظروف والمعطيات المختلفة، بحسب مراقبين.
ومع مجيء
الرئيس الأمريكي الجديد دونالد
ترامب؛ تشكلت ظاهرة غير معتادة في الرئاسات الأمريكية، تتمثل في بروز الموقف الشخصي للرئيس على حساب السياسات الثابتة، وبدت تظهر أفكار متجاذبة حول إمكانية صموده أو انهياره.
سلوك مفاجئ لكنه صامد
ولا يعدو كل ما يصدر عن ترامب كونه لمسات شخصية؛ لا تشكل بالضرورة منهجية سياسية، ولا تؤدي إلى خلق تغيير في بنية السياسات الأمريكية، بحسب وزير الإعلام الأردني الأسبق، سميح المعايطة.
وقال المعايطة لـ"
عربي21" إن "لدى دولة بحجم الولايات المتحدة الأمريكية، بعمقها وتاريخها المؤسساتي الرصين؛ اعتبارات وتقاليد هي بطبيعة الحال أكبر من الرؤساء".
وأضاف أن "المعيار الرئيس الذي يظهر بقوة أمام هذه الظاهرة؛ هو مقدار وحجم تأثير هذا النوع من السلوك الخاص والشخصي على السياسات الخارجية وتفاعلاتها وتعقيدات علاقاتها ومصالحها"، موضحا أن "هذا التأثير لن يكون فاعلا ولا ذا جدوى؛ أمام صلابة الرصيد المؤسساتي لدى أمريكا".
ولفت المعايطة إلى أن "ترامب ينطلق من أفكار وقناعات شخصية، مثل معاداته للإعلام، ودعوة المؤيدين له للنزول إلى الشارع والاحتجاج على مناوئيه، وعداوة الخليج إبان حملته الانتخابية، والتصعيد مع إيران"، مؤكدا أن "كل هذا وغيره مجرد محاولة من ترامب لترك بصمة شخصية باعتباره أصبح اليوم رئيس أكبر دولة في العالم سياسيا وعسكريا، بموازاة اعتباره شخصية لم تكن يوما ذات حضور سياسي وإعلامي فاقع".
وبين أن "كل ما يصدر عن ترامب هو سلوك مفاجئ، لكنه في آخر النهار سيخضع ويذعن للسياسات والتقاليد السياسية الحاكمة"، لافتا إلى أنه "أجبر على إقالة بعض الشخصيات التي رشحها لمناصب معينة، كما أنه تم رفض وتجاوز قراره بخصوص منع سفر رعايا سبع دول".
ورأى المعايطة أن قناعات ترامب تجاه الدول أو الأشخاص أو المواقف؛ لا يمكن السماح لها بأن تتحول إلى سياسات في دولة تمتلك في داخلها "دولاً" على هيئة مؤسسات راسخة، ومراكز صنع قرار قوية ومتحكمة، داعيا إلى "الانتظار حتى تتجاوز سفينة ترامب فترة الصراخ وخلق المفاجآت".
اغتيال تجربة ترامب
من جهته؛ لفت رئيس تحرير موقع الأول نيوز الأردني، الكاتب أسامة الرنتيسي، إلى أن
ظاهرة ترامب شكلت منذ انطلاقة حملتها الانتخابية صورة مغايرة للانتخابات الأمريكية، مشيرا إلى أن "ترامب أعلن مبكرا أنه لن يعترف بخسارته في الانتخابات إذا ما حدثت، ضاربا بعرض الحائط أسس اللعبة الديمقراطية المتجذرة في الممارسة الانتخابية في أمريكا".
وقال لـ"
عربي21" إن "الظاهرة الأبرز هنا تتمثل في أن ترامب لم يقتنع حتى هذه اللحظة أنه تجاوز شخصية المرشح، وأنهى العملية الانتخابية بنجاح، وأصبح عمليا ورسميا رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية"، مضيفا أن "قرارات ترامب ما زالت حتى الآن أقرب إلى خطابات ترامب المرشح، وليس خطابات ترامب الرئيس".
ورأى الرنتيسي أن "التجربة الترامبية -إن صح التعبير كما يقول- لن تستطيع الصمود والاستمرار طويلا"، مسندا هذا الرأي إلى دلالات متعلقة بمجمل القرارات التي اتخذها ترامب، والتي يهدد باتخاذها مستقبلا، وهي أنها "تتعارض مع مصالح مراكز قوى سياسية ومالية في أمريكا، وليست فقط تتعارض مع مصلحة العرب والمسلمين".
وتابع: "هذه الظاهرة ستسقط سريعا، ولا أستبعد احتمالية
اغتيال التجربة وصاحبها".
وأشار الرنتيسي إلى المقاربة التي يقيمها بعض المحللين بين تجربة ترامب، وبين تجربة الرئيس "الممثل" رولاند ريغان في بداية الثمانينيات، موضحا أن عقلية الممثل "ريغان" نجحت بالفعل، بينما لن تنجح عقلية المصارع والمغامر "ترامب".
وأضاف أن ما يفعله ترامب يثير الاستغراب "من حيث دعوته لمناصريه بالنزول إلى الشارع، واستفزاز الإعلام، والتصعيد مع بعض الدول"، معتبرا أن "هذا يؤشر إلى مشكلة حقيقية في عقل هذا الرجل، وإلى غياب المؤسسة الأمريكية عن المشاركة في صنع القرار".
وختم الرنتيسي بالقول إن "ملامح سقوط التجربة أو الظاهرة الترامبية؛ تبرز في عدد الذين رشحهم ترامب لمناصب في إدارته، واعتذروا عن عدم القبول بها، ليعلنوا للعالم أنهم لن يشاركوا في هذه التجربة الفاشلة" على حد تعبيره.