صحافة دولية

باحث أمريكي: هل فوز ترامب هو نهاية التاريخ؟

ترامب - أ ف ب
ترامب - أ ف ب
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للباحث المعروف شادي حميد قال فيه إنه وللمرة الأولى في تاريخنا قام الأمريكيون بانتخاب رئيس "ديمقراطي- لا ليبرالي". وهذا لا يعني أن الولايات المتحدة ستتحول إلى ديمقراطية غير ليبرالية في وقت سريع، يقوم فيها الزعماء المنتخبون ديمقراطيا بالتقليص التدريجي للحقوق والحريات التي يتوقعها الفرد في التقاليد الليبرالية الكلاسيكية. ولكن يعني أنه يمكن أن نصبح كذلك.

وقال: "بالنسبة لي كفرد في أقلية، وكوني مسلما، كانت نتائج الانتخابات محزنة، وربما أكثر الأحداث التي شهدتها في بلدي إثارة للخوف. ولكن هناك ما يبهر في فكرة احترام نتيجة العملية الديمقراطية حتى عندما يصل إلى الحكم أناس تكرههم (أو أناس يكرهونك). فقد درست الانتخابات "الوجودية" في الشرق الأوسط، حيث هناك الكثير على المحك بالنسبة للطرف الخاسر يجعل عليه من الصعب الاعتراف بفوز الطرف الآخر". 

ويصف مشاعره قائلا: "كنت متوترا بخصوص فوز دونالد ترامب، لكنني أدركت أيضا أنه كان مرشحا غير عادي في زمن عز فيه أمثاله. وأذكر المرة الأولى التي استمعت فيها إليه في خطاب مرتجل طويل في تجمع صاخب. ولم يكن الأمر أنني لم أستطع أن أشيح بوجهي عنه، ولكنني لم أرد أن أفعل ذلك. وكان ترامب مضحكا وكاريزماتيا وله سحر غامض. وفي الوقت ذاته، أبدى تفاهة وحقدا. وكانت تجمعاته شبيهة بالاحتفالات الدينية. فلم تكن هذه سياسة كغاية، بل كانت سياسة كوسيلة لشيء آخر، وإن لم أكن أعرف ما هو بالضبط، ولكن كنت أعرف أنني رأيته من قبل".

ويقول: "قد يكون من غير العدل مقارنة ترامب مع الإسلاميين المنتخبين ديمقراطيا الذين أدرسهم في العادة. ولأن عدم احترام ترامب ليس فقط للمعايير الليبرالية، بل أيضا للمعايير الديمقراطية دون حرج. وفي تصريحه الشائن في المناظرة الرئاسية الأخيرة رفض ترامب أن يلزم نفسه بنتيجة الانتخابات الديمقراطية إن فاز بها منافسه، وهذا ما لم يذهب إليه إسلاميو التيار الرئيسي عندما شاركوا في الانتخابات".

ويضيف حميد: "الفرق بين الأحزاب الإثنوقومية، مثل حزب ترامب الجمهوري، وبين الأحزاب الدينية عديدة، وهو ما يجعل التشابه أكثر وضوحا. فهناك الشعور ذاته بالمظلومية؛ حقيقية أو خيالية على يد نخبة مترسخة، ومع ذلك شعور حاد بالخسارة. وفي كلتا الحالتين يُنظر لزعيم الحركة على أنه تجسيد للإرادة الوطنية وممثلا للشعب".

ويشير إلى أن "التداخل بين الترامبية والإسلامية ليس صدفة. ففي كتابي "إسلاميك إكسبشناليزم" أو "الاستثنائية الإسلامية"، الذي يناقش التوتر بين الإسلام والليبرالية والديمقراطية الليبرالية، حيث ناقشت أن إعطاء دور للدين ضروري في المجتمعات المحافظة دينيا. فالدين، على غير ما هي عليه القومية العلمانية والاشتراكية يمكن أن يوفر لغة مشتركة ونوع من العصبية- وهو مصطلح عربي يعود للقرن الرابع عشر صاغه المؤرخ ابن خلدون، والذي يعني "الوعي الجمعي". وكانت هناك حاجة للعصبية لربط بلدان مع بعضها، حيث وفرت التماسك والهدف المشترك".

ويوضح حميد: "وفي المجتمعات الأقل تدينا أو مجتمعات "ما بعد المسيحية"، فإن التيار المسيحي الرئيس لم يعد قادرا على توفير الهوية الجمعية اللازمة. ولكن هذا لا يعني أن الأفكار الأخرى لن تملأ الفراغ. وبعبارة أخرى يجب عليك أن تكون حذرا مما تتمنى؛ فأمريكا التي يلعب فيها الدين دورا أقل ليست بالضرورة هي الأفضل إن كان ما سيحل محل الدين هو عداء البيض للمهاجرين".

ويقول الكاتب: "وسواء كان عداء للمهاجرين، أو القومية العرقية في أوروبا أو في حالة الشرق الأوسط الإسلامية، فإن الخيط الذي يربط هذه التجارب المتفاوتة متشابه، ويتمثل في موجة البحث عن سياسة لها معنى. وقد تظهر المعتقدات غير مترابطة أو فارغة، لكنها كلها تسعى لنوع من التضامن الاجتماعي مرسخة الحياة العامة في شخصيات معرفة بوضوح. فخلال الربيع العربي مثلا كان يأمل الإخوان على المدى الطويل على الأقل أن يحوّلوا مصر إلى دولة تعمل على الدعوة".

ويعلق قائلا إن "جوهر السياسة إذن لا يهدف حتى من حيث المبدأ إلى تحسين نوعية حياة المواطنين، بل لتوجيه طاقاتهم تجاه أهداف عقائدية وفلسفية وأخلاقية. وعندما تأخذ الدولة على عاتقها قضية، سواء كانت قائمة على الدين أو الهوية الإثنية، يصبح المواطنون ليسوا مجرد أشخاص يسعى كل منهم لتحقيق ما يتصور أنه حياة جيدة، وإنما هم جزء من أخوة أوسع مكلفة بمهمة إعادة تشكيل المجتمع. (فكيف يمكن لمقترحاتك التي أعدت تشكيلها وأسلوب طرحها التنافس مع ذلك؟).

ويضيف: "وهذا ليس بالضرورة مفاجئا، وفي العادة ما تفترض النخب الغربية أن الليبرالية هي الحالة الطبيعية، ولكن بعد أن قضيت أكثر من ست سنوات أعيش وأدرس وأجري الأبحاث الميدانية في الشرق الأوسط، وبعد مشاهدتي لوفاة الربيع العربي، أصبحت نظرتي للطبيعة البشرية مظلمة قليلا، حيث بدت اللاليبرالية وليست الليبرالية هي الوضع الطبيعي".

وبحسب الباحث: "الإسلامية تعد بإزالة الالتباس الروحي المرتبط بالشخصانية والخيارات التي تبدو أنها لا متناهية. ولن أنسى جلوسي في الكرسي الخلفي لسيارة أجرة في القاهرة مع شخص عادي منتشيا من تعاطي الحشيش يتحدث عن الحاجة لحكم الشريعة. لقد كان يريد دولة إسلامية لتمنعه من تعاطي المخدرات؛ لأنه لا يريد أن يرتكب هذا الذنب، لكنه لم يستطع فعل ذلك بمفرده".

ويضيف: "ورغم مراقبتي لمسيرة اللاليبرالية في كل مكان من أوروبا إلى الشرق الأوسط إلى آسيا، قاومت الاستنتاجات التي توصلت إليها عندما وصل الأمر للنظر فيما هو جذاب في اللاليبرالية التي يسوقها ترامب في أمريكا. شخصيته بالتأكيد متميزة، ولكن هل باستطاعته كسب المعركة في بلد فيه الليبرالية الدستورية تضرب جذورها في الأعماق؟ فكريا كنت أعلم أن علينا التعامل مع حركته بجدية، وأنا ظننت بأن لديه فرصا جيدة في الفوز. ولكن كأمريكي تهمه القيم الديمقراطية، لم أستطع أن أتخيل ذلك على أرض الواقع. كلنا يحتاج أن يعتقد بما هو أفضل، خاصة عندما يتعلق الأمر بالبلدان التي نعيش فيها ونثق بها".
 
وقد "وصف الكاتب ياشا مونك يوم 8 تشرين ثاني/ نوفمبر بأنها "أسوأ ليلة للديمقراطية الليبرالية منذ 1942". وقد يكون محقا. ولكن ربما تكون هناك طريقة أكثر إشراقا للنظر إلى انتخاب ترامب: فقد يثبت أن النتيجة كانت بالتأكيد توبيخا لما لدى الديمقراطية الليبرالية، وعلى عكس ما هدف إليه المؤسسون، تحولت إلى نوع من التكنوقراطية اليسارية الوسط التي لم تكن ملهمة بالمقدار ذاته التي هي غير مهددة".
 
ويضيف: "يمكن للتكنوليبرالية أن تحسن من حياة الناس بالتحرك اللطيف في الهوامش، ولكن عدا عن "الشعر" في حملة الترشح الأولى لأوباما، لم تقدم سوى سياسات تكنوقراطية بشكل نثري. وقد يصبح النثر هو العقيدة الخاصة به، ويقدم الثقة، وحتى شعورا بالانتماء. ولكنها موجهة للنخبة والجادين في العمل الذين يعتقدون أن مستقبل السياسة يكمن في اكتشاف "الحقائق" الصحيحة. 

هذه الحقائق، التي هي موضوعية ولا ترقى إليها الشكوك، ستساعد في العمل البطيء على -مثلا- تحسين نظام الصحة الشامل، وتجعل وول ستريت يتصرف بشكل أفضل. أما بالنسبة لبقية الناس، فقد فشلت في تقديم سياسة موضوعية لها معنى؛ فهيلاري كلينتون كانت ذكية، وذات خبرة، وكانت جيدة بالنسبة لي، لكني فشلت دائما في الشرح للمتشككين ما هي فائدة كل ذلك".
 
ويوضح الباحث: "يعود ذلك بشكل جزئي لفهمي للموضوع بشكل تلقائي. فأنا لست مستفيدا من امتياز الرجل الأبيض. ولكن لدي امتياز أنني جزء من "نخبة" عالمية تحب بل إنها مغرمة بما ظننا أن أمريكا أصبحت أكثر انفتاحا ومتعددة الثقافات، وتحترم قرار الفرد باختيار الحياة التي يريدها، وكانت رئاسة كلنتون ستحمي هذه المكاسب".

ويضيف: "ولكن لماذا على الآخرين الذين لا يشاركونني في المظهر ولا في التجربة، وليس لهم بي علاقة، أن يعتقدوا بتغيير ما في الوضع القائم لمدة أربع سنوات قادمة من تعميق المكاسب، والتي وبشكل كبير لا تمت إليهم كثيرا؟ بني البشر يحتاجون للانتماء؛ ولذلك ننجذب إلى المجموعات التي تحمل الأفكار ذاتها. وفي حالتي فإن من يحملون الأفكار ذاتها ينتمون لعروق وأديان مختلفة، ولكنهم يشتركون في الثقافة ونمط الحياة والوعي. تأثرنا بالتعددية السعيدة في مؤتمر الحزب الديمقراطي، في تلك الصور رأيت أمريكا التي عرفت، وربما أمريكا الوحيدة التي أملت أن أعرف".

ويتابع الباحث: "لكن معظم أعضاء ما يسمى "الطبقة العاملة البيضاء" يرتبطون ببعضهم أكثر مما يمكن لهم الارتباط بي. يرونني مختلفا، وجزء من السبب هو أنني كذلك. فهل هذا نوع من العداء للمهاجرين؟ قد يكون، ولكن وفي المحصلة فإن ما يبعث على توجهي السياسي هو هويتي وثقافتي كما هو الحال بالنسبة لهم.. لقد ترك تراجع المسيحية في أمريكا فراغا في المعتقدات، وبالنسبة للغالبية، فإن الليبرالية الحديثة قد تكون مملة ولا تملأ الفراغ. أو بتعبير آخر لا توفر المعنى الوجودي الذي يريدون بل الذي يتوقون إليه"..

في كتابه الفكري "نهاية التاريخ"، يضيف حميد: "عالج أستاذ العلوم السياسية فوكوياما فكرة انتصار الديمقراطية الليبرالية، وكتب أن "الصراع لأجل الحصول على اعتراف والاستعداد للمغامرة بالحياة لأجل هدف نظري. وسيستبدل الصراع الأيديولوجي العالمي الذي يستدعي الجرأة، والخيال، والمثالية بالحسابات الاقتصادية، وحل المشاكل التكنولوجية، التي لا تنتهي، والهموم البيئية، وإشباع طلبات المستهلك المعقدة".

ولكن فوكومايا -يضيف حميد- "كان مترددا بهذا الشأن، حيث أدرك بالفطرة ضعف الديمقراطية الليبرالية المتأصل قبل معظم المفكرين، وأنهى كتابه بتنبؤ وملاحظة مخيفة: "قد يكون هذا الاحتمال بوجود قرون من الملل في نهاية التاريخ هو الحافز لإعادة بدء التاريخ ثانية".

ويضيف: "أما نحن فمحكوم علينا أن نعيش في الأوقات الحالية؛ حيث يُستخف بالملل. وفي الوقت نفسه يجب علي أن أعترف أنه بينما يتم استيعاب انتصار ترامب، صاحب يأسي اندفاع الدم إلى رأسي. شعرت بخوفي بما في ذلك لعائلتي، ما أعطاني شعورا بوجود هدف. فأنا على الأقل أعرف ماذا أعتقد، وماذا آمل أن تصبح أمريكا، حتى لو كنا لا نريد ذلك بوعينا، إنه شيء يحتاج إليه كل منا. شيء، أيا كان لنحارب لأجله. والآن سيمتلك الأمريكان على جانبي الانقسام العميق هذا الشيء".
التعليقات (0)