العلمانية العربية والإسلاموية.. هل الأفكار في خطر..؟
يشير باحثون إلى أن الخطاب العلماني العربي بدأ منذ بدايات القرن العشرين، متزامنا مع الحقبة الاستعمارية وطلائع البعثات العلمية العربية إلى بلاد
الغرب، وهو ما يفسر انحياز العلمانية العربية، غالبا، للنظم والأنظمة الغربية. وفي المقابل، يرى آخرون أنه لا يوجد شيء اسمه علمانية عربية أو أجنبية، أو علمانية صحراوية وأخرى متوسطية.
وفي هذا السياق، يقول الباحث والأكاديمي جمال الشلبي في حديث خاص لـ"
عربي21"؛ إن هناك علمانية واحدة لها تفسيرات متعددة كبقية الأيديولوجيات والأديان، السماوية والأرضية، التي عرفها الإنسان، كما يقول عالم السياسة الفرنسي موريس دوفيرجيه.
كلمة سر العلمانية
ويشير الشلبي إلى أن ثمة علمانية مرنة في تركيا مقابل علمانية متطرفة فرنسا، وبينهما علمانية معتدلة في دول الشمال السويد والنرويج والدنمارك، أي أن سمة العلمانية تعتمد على التطبيق، وليس على الفكرة الأساسية للعلمانية التي توجت كـ"كلمة سر" في ظل الثورة الفرنسية في العام 1879، كما يقول.
وفي سياق النقد للأطروحات الإسلاموية حول العلمانية، يرى الشلبي أن العلمانية العربية جاءت بعد الخلافة العثمانية معتمدة على الإسلام كمنهج حكم، "وهذا يعني أن نمو فكرة العلمانية ومعرفتها لم يأت فقط، كما يرى البعض من
الإسلاميين، "كتقليد للأنظمة الغربية"، بل جاءت كـ"رد فعل" على التاريخ، واعتراف بالواقع السياسي الدولي الذي تعيش به.
ويرى أن صورة
الديمقراطية التي تعد "الأخت الكبرى" للعلمانية، إضافة إلى الأخت الثالثة "العقلانية"، قد تلطخت بـ"حماقات" الغرب، وخاصة الأمريكي.
ويستشهد الشلبي بأنه بعد احتلال العراق في العام 2003 من جانب الأمريكيين بدون إذن أو تفويض من الأمم المتحدة، أصبحت الديمقراطية على المحك، وأصبح الحديث عن العلمانية وارتباطها بالديمقراطية والحداثة نوعا من "الخيانة والغدر".
ويتساءل: "إلى أي حد من الممكن أن نربط بين الفكرة والقائمين عليها؟ وهل يعقل أن نربط انتهازية السياسيين العلمانيين الغربيين بالرؤى العلمانية".
وحول إمكانية تجاوز حالة العداء التاريخي بين العلمانية والإسلامية، يرى الشلبي أن ذلك ممكن من خلال "معجزة"، وفي حالة واحدة، هي قبول التيار الإسلامي بـ"الحل الديمقراطي"، فإذا وافق "ستكون فكرة التعايش بين الفكرتين والتيارين والنظامين "قائمة ومنظمة وشرعية"، كما يقول الشلبي.
ويتساءل مجددا: "هل سيقبل الإسلاميون بذلك؟"، ويجيب: "أشك، معتبرا أن الفكر الإسلامي لم يقدم فكرا يعكس الرغبة الدينية الحقيقية المنبثقة من الرسائل السماوية، مضيفا أن الفرص التي أتيحت لهذه التيارات التي تحمل مشروع "الحل الإسلامي" لم تنجح أو أنها أفشلت من جانب أعدائها".
ويخلص الشلبي إلى القول: "علمانية بدون ديمقراطية حقيقية وعقلانية منطقية؛ تصبح مثل دخان بلا نار"، ويضيف: "على ما يبدو، تبقى العلمانية بما تحمل من معاني الحداثة والمساواة والمواطنة والعدالة هي الأقرب لتكون الحل، ولو مؤقتا"، وفق تقديره.
علمانية ملتبسة
لكن في المقابل، يرى سالم الفلاحات، أحد قيادات الحركة الإسلامية في الأردن، أن "العلمانية نشأت في بلادنا نتيجة الانبهار بالغرب المتقدم، عند النظر لعالمنا المتأخر صناعيا واقتصاديا ومعرفيا"، فتأثر العلمانيون العرب بثقافته (الغرب) التي خرجت من حرب مع الكنيسة أدت إلى إقصائها تماما، "فنقلوا هذه الفلسفة، ظانين أن المخرج هو مخرج الغربيين".
ويوضح الفلاحات أن الحالة العلمانية الغربية نُقلت كما هي، "فلا هي علمانية ديمقراطية كما في الغرب، ولا هي نابعة من الثقافة العربية والحضارة العربية الإسلامية".
ويقول في حديث لـ"
عربي21" إن العلمانية في البلاد العربية والإسلامية "ليست منطقية ولا علمية، وقد حمَّلت الثقافة الإسلامية ما لم تحتمل، وجعلت الدين الذي يحض على العلم، والمعرفة، والعدل، وكرامة الإنسان، بنفس الميزان"، ورأى أن انتقال الفلسفة والأفكار والنظم من أمة لأخرى دون استكمال عناصر المقارنة "خطيئة وليست مجرد خطأ"، على حد وصفه.
ويتفق الفلاحات مع الشلبي بشأن إمكانية تجاوز حالة العداء التاريخي بين العلمانية والإسلاميين، لكن من زواية أخرى، حيث يقول: "نعم، فكما أن العلمانية ملتبسة وواهمة، فهناك من المسلمين من عبر عن الإسلام بتعبيرات غامضة ومتناقضة، وألبس اجتهاداته ورأيه المختَلَف فيه لبوس النص نفسه، وعبر عن ردة فعل غير منضبطة في رفض الآخر".
ويعتقد الفلاحات أن "العلمانية العربية لم تستطع أن تصل لدول ديمقراطية كما في الغرب، ولم تحترم الدين، بل هاجمته تقليداً غير واعٍ".
ويقول إن العلمانيين فيما "لو راجعوا مواقفهم وفهموا الإسلام كما أريد له بعيدا عن المسلمات غير المنطقية، وبعيدا عن إلغاء الآخر، فإنه يمكن التفاهم في ظل النصوص الشرعية الواسعة التي تقر مبادئ الشورى والديمقراطية، والعدالة، والحرية، والتعددية الفكرية والسياسية".
ويقدم الفلاحات قراءة موجزة للمشروع العلماني العربي، كما يراه، حيث يتهمه بأنه "يحاول بناء مشروعه السياسي متكئا على أخطاء الآخر وسلبياته ونقصه، وهذا غير ممكن"، وفق تقديره.
ويضيف: "ربما تتكئ العلمانية على الإلغاء للآخر بسبب سوء تطبيقها وفهمها، ثم تسخر نظرة العالم لما يسمى بالتطرف والإرهاب المنسوب للإسلام لصالحها ومشروعها، وهذه حالة طارئة ويمكن مناقشتها وتفنيدها، لكنها لن تستطيع التمكين لنفسها وفقا لهذه الرؤية والطريقة"، كما يقول.