قضايا وآراء

كيري سفير النوايا الحسنة!

جلال زين الدين
1300x600
1300x600
وصف وزير الخارجية الأمريكي جون كيري التراجيديا السورية بشكل معبّر ومؤثر، وبدا الرجل عارفا بأدق تفاصيل المعاناة، ووصف ما لم تستطع المعارضة السورية وصفه عندما تحدث عن هياكل عظمية تمشي على الأرض، وبدا أنّه يحمل في ثناياه آلام السوريين وعذاباتهم!

وللوهلة الأولى تشعر أن دولته أمريكا دولة عظيمة بإنسانيتها ورقتها، فهي تشعر بعذابات الشعوب المضطهدة وآلامها، وتسعى بما أُوتيت من قوة لرفع الظلم، ونشر العدل.

أمّا حين تصحو من معسول كلامهم وتسقطه على واقع سياساتهم العملية، فإنّك تجد واقعا مغايرا للأقوال، واقعا تتعرى فيه حقيقة الولايات المتحدة ووجهها القبيح، فأمريكا ليست الصومال حتى تقف عاجزة عن إيقاف مسلسل الموت جوعا في سوريا، وليست تلك الدولة الضعيفة العاجزة عن إيقاف الموت العشوائي الذي تمارسه آلة الحرب في سوريا.

وما يدعو للقرف متاجرة وتلوّن الدولة العظمى على حساب دماء السوريين وتضحياتهم، فهي بالغرف المغلقة بوجه الذئب، وعلى المنابر الإعلاميّة بوجه الحمل، وكشفت التسريبات الأخيرة حجم النفاق الأمريكي، إذ مارست ضغوطا كبيرة على المعارضة السياسيّة لحضور جنيف 3 وفق الشروط الروسية، وسبقت التهديدات الشفهيّة ممارسات على الأرض مكنت النظام من السيطرة على الشيخ مسكين، والتقدم في جبال اللاذقية، وريف حلب.

ولا يخفى على المتابعين للشأن السوري مقدار الضغوط الأمريكية على تركيا والسعودية وقطر بدعوى إجبار المعارضة السورية على القبول بالحل السياسي، وكأنّ المعارضة هي من تقف بوجه انتقال سياسي سلس في سوريا يحقن الدماء ويمهد لحياة كريمة حرة، فكان إحضار المعارضة السورية لجنيف متزامنا مع إضعاف موقفها العسكري والسياسي.

وما الضمانات التي قدمها السيد كيري لوفد المعارضة السورية لحضور جنيف إلا مساحيق تجميل تخفي وتبرر امتثال المعارضة السورية والدول الإقليمية للضغوط الأمريكية التي ستنقلب وبالا على المنطقة بأسرها.

وبدا واضحا للعيان بعد السنوات الخمس العجاف بما لا يدع مجالا للشك أنّ أمريكا لم تكن يوما صديقا للسوريين، ولم ترغب لحظة بإنهاء الصراع في سوريا ما دام يحقق لها المكاسب، بل كانت تعمل خلال هذه المدة على إدارة الصراع واستثماره لتحقيق مصالحها، ودعوات بشار الأسد بالتنحي تندرج في إطار إدارة الصراع لا غير.

فسمحت أمريكا لبشار بتجاوز الخط الأحمر بتجاوز الكيماوي، وكافأته بسحب أداة الجريمة، وباعت السوريين بثمن بخس، إذ فهم بشار جيدا أنّ قتل السوريين بالكيماوي وغير الكيماوي حلال ما دام القتل لا يشكل خطرا على الجوار.

ولوحظ في صفقة الكيماوي أن الدور الروسي في تنام، وأنه طوق النجاة لأمريكا للتخلص من ضغوط الحلفاء الإقليميين المطالبين بنصرة الثورة السورية وتسليحها، فصبت أمريكا جهدها لمنع تسليح الثوار الوطنيين بشكل يجبر الأسد على الانقياد لحل سياسي يحقق آمال السوريين.

وخدعت أمريكا بالدعوة لحل سياسي دون تأمين الموازين الملائمة على الأرض للسوريين وحلفائهم الصادقين، ومهدت لظهور الإرهاب الداعشي رديفا لإرهاب الأسد، فاختلطت الأوراق لتعيد بالتعاون مع روسيا إنتاج الأسد باعتباره حليفا مهما لمحاربة الإرهاب الداعشي.

ومن يتتبع خطاب كيري وكل خطابات المسؤولين الأمريكيين، ولا سيما تلك التي تدعو بشار الأسد للتنحي، يجد حرصا على تضمين الخطابات "الشفرة السريّة" التي تدعو بشار الأسد للنوم قرير العين، فكانت تهديدات الأمريكان بمثابة "أبشر بطول سلامة يا مربع"، إذ كانت هذه الشفرة، وما زالت دافعا لبشار الأسد من أجل سحق المعارضة أمنيّا وعسكريا.

وحرص الأمريكان دائما على ضرورة رحيل الأسد سياسيا، واستبعاد الحل العسكري نهائيّا من المعادلة، بل ذهب السيد جون بايدن للقول بأنّ الحل العسكري في سوريا قادم في حال فشل الحلول السياسيّة ولكن ضد تنظيم الدولة فقط، مما أعطى جرعة ثقة إضافية للأسد بالمضي بسحق الثورة طالما أنه بمأمن، وطالما تكفلت أمريكا بسحق أحد عدويه "تنظيم الدولة" وتكبيل العدو الآخر "المعارضة الوطنيّة".

من له أدنى فهم بألف باء السياسة يدرك أنَّ من يساعد الأسد على الأرض لا يمكنه أن يساعد المعارضة على طاولة المفاوضات، ويدرك أيضا أنّ كلام الساسة على المنابر للاستهلاك ليس إلا، وبأنّ الدول تتعامل بالمصالح لا العواطف.
التعليقات (0)