قضايا وآراء

العسكر والفساد.. زواج لا يقبل طلاقا

قطب العربي
1300x600
1300x600
يغتصب السيسي عقول شعبه بعد أن اغتصب إرادتهم حين يوهمه أنه يحارب الفساد، وأنه لذلك أحال وزير الزراعة وآخرين للنيابة، ثم تلا ذلك بإقالة رئيس حكومته إبراهيم محلب، ويبدو شعب السيسي قابلا لهذا الاغتصاب العقلي بتصديقه لهذا الوهم كما صدق من قبل جهاز الكفتة والمليون وحدة، والعاصمة الجديدة، وقناة السويس الجديدة وملياراتها التي هطلت على مصر بمجرد الانتهاء منها.

ليس عاقلا من يصدق أن جنرالا سرق السلطة مستخدما "طفاشة" عسكرية سيصبح حاكما شريفا يطارد الفساد والمفسدين، الذين أتوا به إلى كرسي لم يكن جديرا به ، ومقام ليس مقامه، ليس عاقلا من يصدق أن جنرالا سرق إرادة شعب، وحاضر ومستقبل وطن، وحلم جيل كامل يمكن أن يتنكر سريعا لمهنته وخبرته اللصوصية ليصبح عدوا للفساد والفاسدين، الذين يحيطون به من كل جانب، والذين لايستغني عنهم ولايستغنون عنه، فالمصالح واحدة، والمسار واحد، والعدو واحد أيضا وهو الديمقراطية ذات الآليات المتنوعة لمجابهة الفساد ومنعه من المنبع، سواء عبر التشريعات الحازمة أو الرقابة الجادة والحساب القاسي في البرلمان المنتخب أو الإعلام الحر، أو مؤسسات المجتمع المدني الحية  إلخ.

ليس عاقلا من يصدق أن السيسي أصبح عدوا  للفساد كما تدعي أذرعه الإعلامية والسياسية، بل الصحيح أنه الفاسد الأكبر الذي انقلب على أول حكم مدني جاهر بحرب الفساد والمفسدين، وهنا لنا أن نتذكر إعادة تقييم الأراضي التي حصل عليها بعض رجال أعمال مبارك بثمن بخس وتم إجبارهم على دفع فوارق التسوية في عهد مرسي، ولنا ان نتذكر إجبار آل ساويرس على دفع 7 مليارات جنيه للدولة التي أعفاهم السيسي لاحقا من استكمالها، ولنا أن نتذكر إعادة النظر في الاتفاقات البترولية والغازية..

ولنا أن نتذكر حديث مرسي عن الـ 32 عائلة التي تتلاعب باقتصاد مصر، تلك مقدمات الحرب الحقيقية على الفساد ورموزه وعائلاته، التي دفعتهم للتحرك بكل قوة ضد مرسي وحكومته، فحركوا المظاهرات ضده، وطالبت قنواتهم بعودة العسكر للحكم، وتلقف الجنرالات هذه الدعوة ليمنعوا وصول حرب الفساد إلى قلاعهم الاقتصادية التي تهيمن على نصف اقتصاد البلاد تقريبا دون رقيب أو عتيد.

أغلب الظن أن الحرج الذي تعرض له إبراهيم محلب رئيس وزراء السيسي خلال المؤتمر الصحفي في تونس وهروبه من المؤتمر دون رد على سؤال الصحفي مقداد الماجري، كان القشة التي قصمت ظهر البعير والتي سبقها بالتأكيد سلسلة من الإخفاقات والاحتقانات في كل المجالات، دفعت في النهاية الجنرال الأكبر للتخلص منه، وتقديمه كبش فداء لعصابة اللصوص، ولا أدل على ذلك من أن اختيار البديل (شريف إسماعيل) جاء من العصابة ذاتها، التي تزكم رائحة فسادها الأنوف، وتخجل من وصفها الألسنة..

 فهو "الصايع الضايع" بحسب عقل السيسي ولسانه اللواء عباس كامل مدير مكتبه، وهو صايع وضايع من وجهة نظر عسكرية لأنه فشل في تقدير حجم"الرز" الذي تلقته العصابة من دول الخليج خصوصا في شكل مشتقات نفطية، وهو صايع وضايع من وجهة نظر مدنية لأنه تورط في قضايا فساد وتسهيلات قدمها لشركات بترول عالمية للسيطرة على البترول والغاز المصريـ ولأنه قام بمضاعفة سعر شراء الغاز من شركة "إينى" الايطالية..

وهو نفسه شاهد الإثبات الذي برأ شهادته وزير بترول مبارك سامح فهمي وصديقه الوفي حسين سالم، عندما دافع عن السعر الذي باعت به مصر الغاز لإسرائيل بـ75 سنتا، في الوقت الذي كانت تشترى فيه مصر الغاز من الشريك الأجبني بـ2.6دولار للمليون وحدة حرارية" وهو من وقع اتفاقية استيراد الغاز مع إسرائيل.

حكم العسكر دوما في أي زمان ومكان صنو للفساد، لاينفك عنه، وإن اضطر بين حين وآخر لتقديم بعض كباش الفداء لتستمر المنظومة ولتجدد نفسها وتطور أداءها في السرقة والنهب بـ"معلمة"، حدث ذلك في عهد عبد الناصر ومن بعده السادات ومبارك، وها هو تلميذهم الحافظ لكتابهم يسير على دربهم، لو أراد السيسي حقا أن يبرهن على مواجهته للفساد، فليبدأ بنفسه فيعتذر عن اغتصابه لإرادة المصريين ويتعهد بالمثول أمام محكمة الشعب، وليعيد المسروقات إلى أصحابها الشرعيين فلعل ذلك يشفع له يوم تبيض وجوه وتسود وجوه.

الضمان الحقيقي لمحاربة الفساد والفاسدين واسترداد مسروقات الشعب، هو الحكم المدني الديمقراطي الرشيد الذي يحترم إرادة الناس، ويخشى غضبتهم وحسابهم، وقبل كل ذلك يخشى الله ويتقه.
التعليقات (0)