حقوق وحريات

إلغاء وجوب سماع الشهود يثير غضبا عارما في مصر

القضاء المصري متهم بالتآمر والاستجابة لإملاءات سلطة الانقلاب العكسري ـ أرشيفية
القضاء المصري متهم بالتآمر والاستجابة لإملاءات سلطة الانقلاب العكسري ـ أرشيفية
تسود في الأوساط القانونية والحقوقية بمصر حاليا موجة من الغضب العارم جراء موافقة مجلس الوزراء المصري في اجتماعه الأسبوعي الأخير (الأربعاء)، على مشروع قانون يقضي بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية المتعلقة بسماع الشهود مع إحالته لمجلس الدولة للمراجعة، ومن ثم إلى رئيس الجمهورية لإقراره.
 
ويقضي التعديل بإلغاء وجوب سماع الشهود في القضايا الجنائية، بحيث يصبح من حق القاضي التجاوز عن سماع الشهود، سواء شهود الإثبات الذين تقدمهم النيابة أو شهود النفي الذين يقدمهم دفاع المتهمين، تاركا الحرية للقاضي في طلب الاستماع للشهود، والاكتفاء بالأدلة التي تقدمها النيابة.
 
وشملت التعديلات المادتين 277 و289 من قانون الإجراءات الجنائية المصري بحيث يكون الأمر كله في استدعاء الشهود أو سماعهم في يد المحكمة، دون معقب عليها، ذلك أنها هي التي تطبق مبدأ المحاكمة العادلة، وبالتالي فإنه يحق للقاضي التغاضي عن سماع الشهود، والحكم طبقا لما يراه.
 
ووصف قانونيون وحقوقيون هذا التعديل بأنه يهدر أبسط قواعد المحاكمة العادلة، ويغل أيدي المحاكم في الدرجة الأعلى، وحق المدانين في الطعن عليه باعتبار أن عدم سماع الشهود يصبح قانونيا وفقا لهذا التعدي، كما أنه انتهاك للحريات، وتعد أيضا على حق المحامين في الاستعانة بشهادات الشهود، لأنها قد تغير مصائر متهمين.
 
وحذروا من أن هذه التعديلات ستسمح بالتلاعب في القوانين المدنية، فيحق للخصم أو المتهم الطعن في الأخذ بأقوال الشهود عندما يكونون سببا في إدانته، وبالتالي فإن الشاهد يصبح أداة نفي وإثبات في الوقت ذاته، مؤكدين أن هذا التعديل وراءه أهداف سياسية، وأن شهادة الشهود تعدل في أهميتها تحريات المباحث عن القضية.
 
وقال ناشطون إن القانون الجديد يُضاف إلى ترسانة من القوانين الممعنة في إهدار الحريات، وحقوق المواطنين، مثل تنظيم التظاهر، والضبطية القضائية، وتمديد فترات الحبس الاحتياطي، وترحيل المتهمين الأجانب، وغيرها من القوانين التي تخالف مواد الدستور المصري، في غياب الرقابة البرلمانية، والقضائية.

وعلق الرئيس بمحكمة استئناف القاهرة المستشار فؤاد راشد بالقول إنه لا يمكن فهم التعديل التشريعي بعيدا عن السياق العام الجاري، وهو إفلاس السياسة، ورهانات الحلول الأمنية، والبطش بكل الطرق.
 
وأضاف أن هذا السياق السيئ تجلى في إحالة المدنيين إلى القضاء العسكري وهو ليس قاضيهم الأصيل المنصوص عليه في الدستور، وفي تحويل الحبس الاحتياطي إلى عقوبة، ومن هنا فإنه يمكن فهم الانتقاص الجاري لحقوق المتهمين.
 
وسخر راشد -عبر صفحته علي موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"- من التعديل مقترحا إلغاء المحاكم الجنائية توفيرا للمال، وبعد هذا فلتتصرف الحكومة في المصريين كما تشاء إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
 
وقال رئيس التقرير العربي للتنمية البشرية الدكتور نادر فرجاني: "هذه الحكومة غير المنتخبة اختطفت سلطة التشريع التي لا يملكها إلا الشعب، ولو من خلال نوابه المنتخبين في انتخابات حرة ونزيهة".
 
 وتابع فرجاني -عبر صفحته علي موقع "فيسبوك"- بأن "الحكم العسكري الآن يريد أن يخل بأساسيات عملية إقامة العدل ذاتها"، مضيفا أن "هذا الحكم الظالم والغاشم يستدعي طوفانا غاضبا لن يبقي، ولا يذر، وسيلاقيه"، على حد قوله.
 
 ومن جهته، عبر المفكر القومي العروبي الدكتور محمد سيف الدولة، عن رفضه للتعديل قائلا: "ما يريحونا، ويجيبوا من الآخر، ويلغوا المحاكم والقوانين، ويفوضوا السيسي في إصدار ما يريده من أحكام".
 
قانونيون: معيب دستوريا

 
وعلى مستوى القانونيين، وصف عميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة السابق الدكتور محمود كبيش، المشروع بأنه معيب دستوريا، ويضر بثوابت العدالة، ويخل بحق أصيل من حقوق الدفاع، ولا يتفق مع اتفاقيات المواثيق الدولية.
 
 وفي السياق ذاته، قال عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، وهو مجلس حكومي، ناصر أمين، إن هذا القانون سيعمل على قتل العدالة في مصر، مضيفا أنه اعتداء على قواعد المحاكمة العادلة والمنصفة.
 
وقال إن شهادة الشهود بالنسبة للمتهم تُعتبر أهم دليل لنفي الأدلة التي تدفع بها النيابة ضده، مشيرا إلى أن هناك تهما تم الطعن عليها بسبب رفض المحكمة لسماع شهود معينين.
 
واستطرد بأن "هذا القانون سيكون بمثابة تقليص لدور محكمة النقض المصرية في الطعن على الأحكام، وهي لن تقبل بهذه المهزلة"، حسبما قال.
 
وانتقد فكرة الموافقة على المشروع بحجة "عدم إطالة النزاع" قائلا: "الإنجاز لا يجب أن يأتي على ثوابت العدالة، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تقليص مدد التأجيل، والتسريع من إجراءات الموظفين، والمحامين".
 
 وتساءل: "لا أعرف كيف مرت هذه الكارثة من وزارة العدل؟".
 
 وحذر: "العالم كله عنده سماع شهود، وهو ثابت في القانون المصري منذ أكثر من 80 عاما.. ولو تم تمرير القانون الأخير فلن يعترف العالم بأي حكم يصدر من محكمة مصرية".
 
ومن جانبه، قال عضو لجنة الإصلاح التشريعي صابر عمار، وهي لجنة شكلها السيسي، إن مشروع القانون يُعتبر ضمن التشريعات سيئة السمعة، ووصفه بأنه يعطي صلاحيات مطلقة للمحكمة، ويمثل إخلالا بمنظومة العدالة، بحجة سرعة إنجاز القضايا، خاصة أن الشهود قد يكونون الدليل الوحيد لدى بعض المتهمين.
 
وأضاف أن إخراج مشروع القانون من قبل مجلس الوزراء دون عرضه على اللجنة، يمثل مخالفة لقرار رئيس الجمهورية بتشكيلها، ويُعتبر تحايلا لإصدار قوانين غير مدروسة تثير مشكلات في المجتمع تحت دعاوى السرعة.
 
غضب المراكز والمنظمات
 
وعلى مستوى المراكز والمنظمات الحقوقية والقانونية، فقد انتقد رئيس منظمة "جوستيسيا" لحقوق الإنسان، ومقرها بيروت، بول مرقص،  مشروع القانون.
 
وقال -في تصريحات لقناة "الجزيرة"- إن هذا الأمر كارثي، وسيسبب ضررا جسيما بالمتهم، ولا يمكن تحت الذرائع، التي تقولها السلطات المصرية، المساس بالحقوق الأساسية الدنيا المُقر بها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وغيره من العهود الدولية.
 
وانتقدت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان هذه التعديلات، بسبب ما اعتبرته "المضمون القمعي والبوليسي لها".
 
وطالبت نقابة المحامين بالتدخل لإلغائها؛ كونها جائرة، ومطعونا على دستوريتها.

وأصدر مركز الحريات والحصانات لحقوق الإنسان بمحافظة المنيا بيانا أكد فيه أن هذه التعديلات مخالفة للدستور المصري الذى كفل حق الدفاع للمتهم بكافة الأوجه، ولكون شهادة الشهود في كثير من القضايا الجنائية سببا رئيسا في براءة المتهمين.
 
يُذكر أنه منذ انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013 صدرت تشريعات عدة، في غياب أي مجلس تشريعي، ودون تشاور مجتمعي، ما أثار الجدل القانوني والسياسي حولها، في ظل اتهامات للقضاء المصري، بأنه مُسيس، وغير مستقل.
التعليقات (1)
تامر صابر محمد
الأحد، 22-02-2015 12:21 م
يالها من ايام غابرة تعيد نفسها نابليون . خورشيد باشا. .........الى الان لا احد منهم يعى او يفهم .