تساءل توم فين من موقع "ميدل إيست آي" (مراقبة الشرق الأوسط) عن عودة
اليمن إلى سابق عهده، أي إلى قبضة النخبة التي حكمته في عهد علي عبدالله
صالح.
وأشار الكاتب إلى عام 2012 عندما ألقى صالح خطاب تنحيه، حيث كان التعب باديا عليه، ودعا في كلمته "أبناء الأمة الوقوف لإعادة بناء إرث هذه الأزمة"، وتحدث الرئيس قائلا: "أسلم علم الثورة، الجمهورية، الحرية والأمن وأضعها في يد أمينة"، وعبر عن دعمه للرئيس الجديد الذي يدعم الأمن والاستقرار، "المسؤوليات عظيمة ونأمل أن نكون قادرين على التصدي لتداعيات هذه الأزمة. وأود أن أؤكد لك أيها الرئيس
هادي أننا سنقف معك في الأيام الحلوة والأيام المرة".
وكان من المفترض أن يكون الخطاب لحظة تاريخية بعد 33 عاما في الحكم، حيث كان صالح يعلن تنحيه عن السلطة، ويسلمها لنائبه منذ زمن عبد ربه منصور هادي. ولكنه تجنب الحديث عن الحرب الأهلية، والاستجابة لمطالب المحتجين ودعاة الديمقراطية. وكانت هذه هي المرة الأولى في تاريخ اليمن الموحد التي يتم فيها نقل السلطة بطريقة سلمية.
ويرى الموقع بأن الصورة التي نشرتها الصحف في اليوم الثاني تظهر قصة أخرى، ففي الصورة وقف صالح إلى جانب هادي الذي كان نظره مركزا على العلم الذي يحمله بيده، أما صالح فقد كان يرتدي بدلة لونها أكثر قتامة من تلك التي يرتديها هادي، وينظر عبر نظارته السوداء للبعيد وظهره للرئيس الجديد.
فما حدث في 27 كانون الثاني/ يناير 2012 لم يكن شأنا مرتبا، عملية تسليم للسلطة منظمة، ولكن منافسة مكثفة وعميقة ولدت خلال العامين والنصف اللذين شهدهما اليمن باتجاه الديمقراطية، بحسب الموقع.
اليوم، كما يقول الكاتب، حكاية رجلين، الديكتاتور المراوغ والحسود الذي ما يزال طليقا ونائبه، السياسي خفيف الوزن، المصمم على الخروج من ظل سلفه ولكنه خائف منه لحد البارانويا، حسب ما يقول مساعدوه.
ويشير فين إلى أن اليمن يتدهور رغم الإصلاح والحوار والوعود بالانتخابات، ويجده قد فشل في التعافي من التصدعات السياسية الكثيرة؛ حراك جنوبي يطالب بالانفصال، تنظيم للقاعدة متطرف، وأسعار ترتفع وشباب محبط.
وخلال الشهر الماضي قام عدد من مؤيدي حركة الحوثيين من الشمال في مدينة صعدة بفرض حصار على العاصمة
صنعاء، حيث أقاموا الخيام، وقطعوا الطرق الرئيسية عنها. وقال
الحوثيون إنهم يحتجون على ارتفاع أسعار الوقود وفساد الحكومة، فيما يتهمهم منتقدوهم بمحاولة السيطرة على السلطة وبناء دولة شبه مستقلة لهم في الشمال، وهو أمر ينفونه.
وتعاني الحكومة من عجز، فيما أصبحت العاصمة مشلولة في ظل رفض الحوثيين التراجع عن مطالبهم. ووصف تقرير لمنظمة الأزمات الدولية اليمن بأنه يقف على مفترق طرق خطير لم يشهده منذ عام 2011.
ويشير فين إلى وجهي النزاع: الحوثيون؛ الجماعة التوسعية والقوة الحربية المتزايدة التي تنتهز الفرصة، وتسيطر على المناطق، في وقت تقوم به بالاستفادة من حالة الإحباط التي يعيشها اليمنيون الذين لم يروا تغييرا على حياتهم منذ الثورة. أما الجانب الآخر فهي الحكومة التي يقودها هادي وتحاول جمع الحوثيين والجماعات الأخرى المتفرقة في إطار عقد اجتماعي جديد.
ولكن المشهد ليس بهذه البساطة، كما يقول فين، فالغائب عن هذا السرد لاعبان، الأول حزب الإصلاح، جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، وهي جماعة ثرية ومنظمة وسنية في الغالب وانضمت عام 2011 إلى التظاهر، وحصلت على نصف مقاعد الحكومة الانتقالية. ولا يثق حزب الإصلاح بالحوثيين، الذين يتهمهم بمحاولة إنشاء مملكة شيعية على الطريقة الإيرانية في الشمال. ومعظم الذين يقاتلون الحوثيين في مدينة صنعاء وما حولها ليس الجيش، ولكن الجماعات المسلحة المرتبطة بحزب الإصلاح حسب مسؤولين أمنيين.
أما اللاعب الثاني فهو علي عبدالله صالح فبعد تسليمه السلطة لهادي في عام 2012، خرج صالح من القصر لكنه لم يتقاعد عن السياسة. وعوضا عن هذا، وكجزء من الاتفاق الذي أشرفت عليه الأمم المتحدة فقد منح حصانة من المحاكمة وسمح له بالاحتفاظ بلقبه رئيسا للحزب.
ويعيش صالح اليوم في مجمع محمي بشكل جيد في العاصمة، حيث يعقد اجتماعات يومية مع الشخصيات الأجنبية ورجال القبائل، وما يزال له موالون في المؤسسة العسكرية، بحسب الموقع.
ويضيف الموقع أن الداعمين لصالح يؤكدون عدم تدخله في السياسة الداخلية، ويحملون ما يجري للرئيس هادي، ويتهمون الأخير بمراكمة السلطات بيده، والحكم من خلال الأفراد وليس المؤسسات.
ولكن الدبلوماسيين وأعضاء في المعارضة ومحلين ممن تحدث إليهم موقع "ميدل إيست آي" قدموا صورة مختلفة.
ويقولون إن صالح ليس طرفا محايدا بل له يد في النزاع، ويتهمونه بدعم الحوثيين، الجماعة التي حاربها لسنوات عندما كان رئيسا، سواء تكتيكيا أو بشكل مباشر، في محاولة منه لإضعاف هادي حتى يعود للسلطة. وبحسب دبلوماسي له علاقة بالوساطة بين الحكومة والحوثيين "لم يكن الحوثيون قادرين على الوصول لصنعاء دون دعم من صالح، والذي طلب من مؤيديه الترحيب بهم وتوقيع اتفاق معهم".
وأضاف الدبلوماسي للموقع "تقوم استراتيجية صالح على إدخال الحكومة في مستنقع مع الحوثيين، ولإثبات فشل هادي كرئيس، وأن الوضع خرج عن السيطرة".
وواصل "الوضع خطير، والظروف ناضجة لعودة صالح، من خلال انقلاب أو السيطرة على البلاد".
وبحسب مستشار سابق لصالح، يعمل الآن صحافيا، وصف شخصية الرئيس السابق "صالح يشعر بالمرارة، وينفجر غاضبا لو وصفت أمامه ما حدث في عام 2012 بالثورة. ويقول إنها انقلاب قام به معارضوه". ويضيف "إنه ينظر للأسد الذي أدار الطاولة على معارضيه، وإلى مصر حيث أعاد الجيش الساعة للوراء، ويتساءل لماذا لا يحدث هذا في اليمن أيضا".
ورغم غياب صالح عن النقاش الغربي حول اليمن إلا أنه لم يختف عن الرأي العام اليمني، فصوره تزين جدران العاصمة ومكتوب عليها "عفاش أحسن من الموجود". وما تزال الصحف والتلفزيونات المرتبطة به مثل "اليمن اليوم" تتحدث عن نشاطاته أين ذهب وماذا فعل؟ عدا عن انتقاداتها الدائمة لهادي. ويقول عبد الغني الأرياني: "يحظى صالح بظهور إعلامي أكثر من هادي، فترى ملصقات صوره في الطريق للعمل وعند العودة منه، وفي التلفزيون عندما تعود للبيت في الليل. ولا تستطيع شراء ملصق عليه صورة هادي في الشارع، ويمكنك شراء ملصق لصالح وابنه أحمد.. وهذا يقول الكثير".
ويضيف الأرياني "طبع صالح ملايين الملصقات بمبالغ كبيرة، ولا تعمل هذا إلا إذا كان لديك طموحات سياسية".
ويرى الكاتب أن قلة ترى في خطط صالح عودة للسلطة، ولكنه يريد تعبيد الطريق لعائلته. فقبل الإطاحة به كان صالح يحضر ابنه للسلطة أحمد علي صالح، مثل الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك الذي كان يحضر ابنه جمال، وعمل هادي كل ما بوسعه لعزل أحمد، حيث عزله من قيادة الحرس الجمهوري. ولكن لم يتعرض أي من عائلة صالح للمحاكمة.
ويقول المحللون إنه من الصعب معرفة إن كانت الاتهامات المظلمة ضد صالح صحيحة. وتقول إبريل آلي، الباحثة في شؤون الخليج بمنظمة الأزمات الدولية "ربما كان صالح سعيدا لرؤية ضعف الحكومة ويشعر بالسعادة لأي شيء يضعف هادي. وسيكون تكهن بعيد لمعرفة ما يفعل، ولكن ما هو واضح أنه لا يساعد الحكومة".
مضيفة أن "التنافس وعدم الثقة بين هادي وصالح كانا من أكثر المظاهر المدمرة في عملية انتقال السلطة. وواحد من أخطاء الاتفاق الأصلي أنه لم يحظر صالح وعددا من الشخصيات الأصلية من ممارسة النشاط السياسي. وأدى التركيز على صالح لتضييع الطاقة التي كان يمكن استخدامها في إدارة حكومة فاعلة".
ويرى الكثير من اليمنيين الساخطين على تدهور الأوضاع والوضع الأمني أن الثورة قد سُرقت من قبل النخبة السياسية الرجلين، كما يشير التقرير.
وبحسب "علي جمال"، مدرس لغة إنجليزية بمعهد بصنعاء "هذه بداية النهاية له، أنظر إلى حاشية هادي، أبناؤه هم من يديرون العرض، فقد أعاد اختراع سياسات صالح، منح مالا وتعيينات سياسية وسيارات وأراضي".
مضيفا "ألوم كلا الرجلين، صالح لإثارته المشاكل، هادي لعدم وفائه بمسؤوليات، ولكن أي واحد منها أساء لليمن أكثر؟ من الصعب الإجابة".