كيف يستقيم لفكر واحد أن يكون في ذات الوقت مناصرا لانقلاب العسكر
المصري على المسار الديمقراطي ومساندا للمقاومة الفلسطينية في
غزة التي يحاربها ذات الانقلاب ويصمها بالإرهاب ويعتبر كل تواصل معها تخابرا مع جهة معادية. لقد عشنا حتى رأينا ذلك يجري في رابعة النهار الغزاوي اللاهب تحت قصف اخر انواع الطيران الحربي الخارجة للت ومن مصانع القتل المحترف.
لقد اتضح في حرب غزة 2014 أن الذين وقفوا ضد ثورة
الربيع العربي يقفون بعد ضد كل أشكال استمراره ونجاحه لذلك لم تنفصل مواقفهم من الانقلاب في مصر عن اتهام المقاومة في لحظة مجدها وانتصارها في شرفها السياسي وفي جدوى فعلها المقاوم.
والاسطوانة المشروخة التي تؤلف نظرية مؤامرة تقودها دولة قطر بحثا عن دور لها في المنطقة يزكيها لدى الغرب ول وبتوظيف القضية الفلسطينية. رغم جلاء الموقف الرسمي الاميركي والغربي في مساندته لمسح المقاومة من الوجود ول واقتضى الامر مسح غزة نفسها من الخارطة لم يجعل هؤلاء المعادين للمقاومة يعدلون موقفهم منها.
من هم ولماذا؟
المواقف التي اطلعنا عليها في
تونس من مختلف التيارات السياسية والشخصيات ذات الانتماء القومي واليساري تعتبر أن حرب غزة 2014 هي مغامرة لتعريض المدنيين للتدمير بدون مقابل سياسي. وذهبت بعض التحليلات إلى انها توريط للنظام المصري في معركة لم يخترها وطبعا البعض يردد بشكل ببغائي كل فصول نظرية المؤامرة الصهيونية بما في ذلك القول ان حماس تنسق مع الكيان ضد شعبها.
وكانت جميع التيارات السياسية المذكورة تبحث عن عيوب لهذه المعركة فترى انها حرب سلحها بشار الاسد اما حماس فغدرت ببشار الاسد فكيف لمن غدر بالممانعة ان يكون مقاوما. ويتسع هذا الموقف إلى الحالة الايرانية فهي داعم للمقاومة. ولكن حماس تعادي ايران ...الخ.
ونميل إلى الاعتقاد أن هذه المواقف ليست موجهة للمقاومة في ذاتها بقدر ما هي في حالة غيرة وارتباك أمام افتكاك التيارات الاسلامية لزمام الفعل المقاوم في غزة فالمعركة تديرها حماس وباقتدار واليسار الغزاوي يشارك من موقع ثانوي. وهذا التقدم منذر بخروج ملف دعم القضية الفلسطينية من يد متبنيه التاريخيين الذين استفادوا سياسيا من استعماله طيلة العقود الماضية خاصة وان النتائج على الارض ليست لصالح هذه التيارات فالضربات المحكمة الي توجها المقاومة المسلحة بقيادة حماس تؤتي اكلها في اذلال العدو وتحصيل مكاسب جمة رغم الكلفة البشرية وهل من مقاومة دون كلفة .
موقف قديم لا يتغير
هذا الموقف في جوهره امتداد لموقف نفس التيارات من قصف تجربة بناء الديمقراطية الفلسطينية عندنا اسقطت حكومة منتخبة تقودها حماس باختيار الشعب الفلسطيني وحوصرت في غزة وقطع عنها المدد وشنت ضدها الهجمات بالرصاص المصبوب. وبمباركة من كل التيارات التقدمية العربية. في تونس وفي غيرها. انه الموقف القائم منذ بداية الخمسينات بين التيارات العروبية واليسارية والتيار الاسلامي الذي يظهر الاخوان المسلمون في مقدمته.
تتغير المعطيات وتتغير الظروف المحيطة في الداخل والخارج ولكنه يظل موقفا ثابتا من الاقصاء الممنهج لا تقبل فيه التيارات التي تعلن نفسها تقدمية اي استعداد للقبول والتعايش مع التيارات الاسلامية فضلا عن الاشتراك معها في عمل نضالي مثل تحرير فلسطين .
ورغم ان عمليات المقاومة في الداخل تنسف بفعلها القتالي المشترك وتتجاوز خلافتها المذهبية والإيديولوجية بما يعطي اشارات لأنصارها الايديولوجيين خارج الارض المحتلة بان العمل المشترك في القضايا المصيرية يكون اكثر جدوى لتحقيق المتفق عليه من المطالب إلا ان ما رأيناه في حرب غزة مثل الذي رأيناه في جميع الحروب العربية تقف الايديولوجيات حاجزا مانعا من كل امكان تنسيق منتج.
وقد زاد الاقصاء تجذرا أن أول تجارب الديمقراطية التي أفرزها الربيع العربي دعمت الوجود السياسي للتيارات الاسلامية بين شعوبها ووضعتها في موقع المسؤولية . والأمر الذي استدعي الانقلاب العسكري عليها في مصر وقد انتهى الانقلاب على الاخوان إلى اخراج مصر من دورها ومكانتها كرافعة لمشروع الوحدة العربية الذي طالما تغنى به القوميون العرب.
الانقلاب العاري
الموقف المصري الرسمي تجلى بلا ما لا يدع مجالا للشك انه ليس مشروعا عروبيا ولا وطنيا مصريا ولا يهتم لشعب مصر ولا مستقبلها ولا وزنها الدولي بما يسمح لنا باستنتاج مباشر هذا النظام رهن وجوده المستقبلي بأداء الخدمة الأمنية للنظام الصهيوني كسند خارجي. وهو يشغل الآن حارسا لدولة اسرائيل ويضع جيش مصر ودورها وموقعها في خدمة الكيان الغاصب بما يجعله أسوء من سلفه الذي اكتفى بالعمل تحت اتفاقية "كامب ديفيد" وحافظ على شعرة معاوية مع الفلسطينيين.لقد أنهى السيسي دور مصر كرافعة للحلم القومي الوحدوي. في هامش هذا التذيل الكارثي تبدو النخب التونسية المساندة لانقلاب السيسي ذيلا لذيل بلا دور ولا مهمة غير قطع الطريق على المقاومة ذات الهوى الاسلامي.
خلاصة حرب غزة في رمضان 2014 هي التالية
• الربيع العربي هو سياق تحرر وطني شامل يكمل معركة الاستقلال التي اجهضت ببناء انظمة سايكس بيكو وقد قدم دعمه الشعبي والرسمي لمعركة تحرير فلسطين خاصة خلال سنة 2012 فلما تبين الخط التحرري لهذه الانتفاضة العربية الشاملة تحركت الرجعيات العربية مسنودة من الامريكان والغرب الامبريالي عامة لتوقف هذا المسار بالانقلابات والمؤامرات. ولقد افلحت في تعطيله في مصر وعملت على ذلك في تونس واليمن وأفلحت في التعطيل لكنه لم تقضي عليه اذ جاءت حرب غزة لتعري الانقلابيين من الانظمة والنخب الميتة الضمير والمتكلسة الوعي وتعيد ترتيب الصفوف على قاعدة متينة هي التالية:
• الديمقراطية خلاقة الحرية وشرط وجودها وتبلورها وهي الحاضن الحقيقي للتحرر الوطني من الاستعمار بأشكاله المباشرة في فلسطين وبأشكاله المتخفية في بقية الاقطار التي تزعم انها دول وطنية مكتملة البناء. المقاوم في الصفوف الاولى يمكن ان يثق في ان ظهره محمي ومدعوم بالمال والرجال من البلدان الحرة وعليه أن يحذر الطمأنينة لحاكم قتل شعبه ليحكم على جثثه المحترقة.
• عليه ان يحسب الف حساب لمثقف يبرر حكم الدبابة ليلتقط الفتات على موائدها ويغمس وعيه في الدم ليعيش ذليلا منكسرا. معركة غزة استمرار جميل وباهر للربيع العربي الكاسح الذي سينتهي بالقدس جائزة ذهبية للحرية.