في عام 1926م أصدر الدكتور طه حسين (1306 – 1393 هـ ، 1889 1973 م) - وكان في قمة انبهاره بالغرب وتمرده على الأزهر والتوجه الإسلامي - أصدر
كتابه "في
الشعر الجاهلي" - الذي أثار ضجة كبرى - ، وصدرت ضده العديد من الكتب والدراسات..
بل ونوقش أمره في مجلس النواب، وحققت النيابة العامة في الشكاوى التي تقدم بها ضده شيخ الأزهر والعديد من علمائه.
وكانت التهم الأبرز لصحاب كتاب "في الشعر الجاهلي" هي:
1- تكذيب
القرآن صراحة فيما جاء به عن أبي الأنبياء إبراهيم وولده إسماعيل والرحلة الحجازية، وإقامة قواعد البيت الحرام.
2- وكذلك الطعن على النبي – صلى الله عليه وسلم – طعنا فاحشا في نسبه الشريف.
وفيما يتعلق بالتهمة الأولى - وهي الأخطر - فلقد جاء بها صفحة 26 من الكتاب قول الدكتور طه "للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا، ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة القرآن لا يكفي لإثبات أن وجودهما التاريخي فضلا عن إثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة، ونشأة العرب المستعربة فيها، ونحن مضطرون إلى أن نرى في هذه القصة نوعا من الحيلة في إثبات الصلة بين
اليهود والعرب من جهة وبين الإسلام واليهودية والقرآن والتوارة من جهة أخرى".
وفيما يتعلق بطعن الكتاب على نسب الرسول صلى الله عليه وسلم - فلقد جاء في ص 72 - : "ونوع آخر من من تأثير الدين في انتحال الشعر وإضافته إلى الجاهليين وهو ما يتصل بتعظيم شأن النبي من ناحية أسرته ونسبه في قريش، فلأمر ما اقتنع الناس بأن النبي يجب أن يكون صفوة بني هاشم، وأن يكون بنو هاشم صفوة عبد مناف، وأن يكون بنو عبد مناف صفوة بني قصي، وأن تكون قصي صفوة قريش، وقريش صفوة مضر، ومضر صفوة عدنان، وعدناة صفوة العرب، والعرب صفوة الإنسانية كلها".
وفيما يتعلق بالمعركة الفكرية التي أثارها هذا الكتاب، يكفي أن نشير إلى أنه قد شارك فيها كوكبة من أعلام الأمة الذين أصدروا الكتاب وسطروا الدراسات والمقالات في تفنيد ما جاء به هذا الكتاب.
وكان في مقدمة هؤلاء العلماء: العلامة محمد فريد وجدي (1295 – 1373هـ، 1878 – 1954م) الذي نشر كتابه "نقد كتاب الشعر الجاهلي لطه حسين" وهو الكتاب الذي قرأه زعيم الأمة سعد زغلول باشا (1273 – 1346هـ، 1857 – 1927م) وكتب إلى فريد وجدي رسالة جاء فيها" "وصلني كتابك الذي وضعته في نقد كتاب "في الشعر الجاهلي" وتفضلت بإرساله إلى، وقرأته في عزلة تجمع الفكر، وسكون يحرك الذكر، فراقني منه قول شارح للحق ومنطق يقارع بالحجة، في أدب رائع، وتحقيق دقيق، في أسلوب شائق، وإخلاص كامل للدين، في علم واسع، وانتصاف للحقيقة، في احترام فائق، ومجموع من هذه الخصال استميلت منه قلبا فياضا بالإيمان، وعقلا مثقفا بالعرفان، ونفسا محلاة بالأدب، فقررت عينا بوجود مثلك بيننا، ورجوت الله أن يكثر من أمثالك فينا، وأن يجازيكم على ما تصنعون بتوفيق الباحثين والمتناظرين لإحتذاء مثالكم في دقة البحث وأدب المناظرة وإنكار الذات والإنتصار للحق، وبتوفيق الناس لاستماع أقوالكم واتباع أحسنها، والسلام على المهتدين".
وكان سعد زغلول قد خطب في مظاهرة لطلاب الأزهر، ذهبت إلى "بيت الأمة" محتجة على كتاب طه حسين، فقال -ضمن ما قال -: "وماذا علينا إذا لم يفهم البقر؟"!!.
ومن العلماء الذين ردوا على كتاب طه حسين الشيخ محمد الخضر حسين (1293 – 1377 ه ، 1876 – 1958م) – العالم المجاهد – الذي تولى مشيخة الأزهر بعد ثورة يوليو عام 1952م، فنشر كتابه "نقض كتاب في الشعر الجاهلي".
ولقد دفعت هذه المعركة طه حسين إلى حذف صفحات من كتابه، وإلى تغيير عنوانه إلى "في الأدب الجاهلي" مع بعض الإضافات، ولقد اعترف طه حسين باقترافه هذا الذي أخذ عليه، فقال - في مرحلة لاحقة -: "لقد انتهيت إلى رفض قدر كبير من هذا الشعر الجاهلي، وفي إطار ذلك المسعى شككا في بعض المعتقدات التي ذكرت في القرآن أو الأحاديث النبوية، وكانت الصدمة قاسية، والاستنكار واسع النطاق".
حدث هذا في مرحلة الإنبهار بالغرب، وقبل أن ينضج الرجل، فيغير الصدمات القاسية التي أثارت الاستنكار الواسع النطاق!.