كان الإسلاميون هم الأسبق إلى نقد مفاهيم "
الحاكمية" و"الجاهلية" التي تبناها
سيد قطب في كتابه "معالم في الطريق".
ومن الذين انتقدوا هذه المفاهيم؛ الشيخ محمد الغزالي الذي قال في "محاوراته": "إنني لم أسمع بفكرة الحاكمية إلا بعد موت حسن البنا الذي كان في فكره أشبه بعلماء الأزهر عندما يصورون فكرة الحاكمية يتكلمون بعقل وبدقة منطقية، وأكاد أقول إن الإسلام الذي يدرس في الأزهر من أدق المدارس لتصوير الإسلام، فالحاكمية كلمة دخيلة، فإذا كان لا حكم إلا لله، فهي كلمة حق أريد بها باطل، وكون الإنسان يشّرع، فهذا في الفروع التي جاءت وفي شرح القواعد، ومن حق الإنسان أن يشّرع دستورا.
القاعدة عندي هي الشورى "وأمرهم شورى بينهم"، لكن كيف أنظم هذه القاعدة؟ أقول: الحكم لله. وأنا أضع القاعدة، أقول: إن الأمة مصدر السلطات، والحاكم عليه أن يجري انتخابات. هذه تشريعات العقل البشري فيها أساسي، تعتمد على القاعدة، وهي حكم الله، وهي الشورى، والفروع متروكة للقياس والاستصلاح والاستحسان.
فالمدرسة الأصولية الإسلامية (التي تهتم بأصول الفقه) كما شرحها علماء الأصول، بدءا من الإمام الشافعي، وحتى ما كتبه الشاطبي في كتابه "الموافقات" هؤلاء كتبوا ووسعوا.
إنما المودودي، عندما تكلم عن الحاكمية، كان يريد أن يقول للإنجليز في بلاده: ليس لكم صلة بالحكم، الحكم لله، أي للإسلام، فجاء بعض الناس ونقل هذا إلينا دون أن يعرف الملابسات التي أحاطت بالكلمة هناك.
أما عندي: الإسلام دين الدولة، إذا أرجع إلى نصوصه وإلى تطبيقات النبي صلى الله عليه وسلم وإلى فقه رجاله، فالأصول الفقهية عندنا ثروة أصلية، ويجب أن يؤخذ الفقه من علمائه ومن أئمته، وأنا لا أستطيع أن أقول أن الإمام أبا حنيفة يمثله إمام مسجد في "العتبة الخضراء" يقول أنا حنفي لأنه قرأ كتابا في الفقه الحنفي!.
لقد قالها من قبلك أناس أرادوا بها اعتراض الخليفة الراشد علي بن أبي طالب في أنه قبل تحكيم الناس في بعض الأمور، ولقد أباح الله في خلاف الزوجين أن نجيء بحاكم من هنا حاكم من هنا، فما المانع أن يكون هناك حكمان، يبدي هذا الرأي وهذا الرأي الآخر، والحاكمية لله".
ولقد أرجع الشيخ الغزالي خطأ الأستاذ سيد قطب في ما كتبه عن الحاكمية إلى سببين:
أولهما: الظلم الذي وقع عليه من قبل نظام ثورة يوليو، الأمر الذي جعله "ينفرد برأي أملته عليه ظروف المحنة التي وقع فيها. فالأستاذ سيد له ابن أخت سجن ظلما وعدوانا، ثم إنه رأى في السجن بلاء كثيرا، والواقع أن محاكمته كانت مهزلة، فالرجل كتب كتابه في حدة وعنف ضد الحكام، وتأول آيات القرآن على أنه لا بد من اشتباك صريح مع هؤلاء، وهذا ليس من الممكن".
والسبب الثاني للخطأ في تفكير الأستاذ سيد أن "الرجل من الناحية الفقهية ليس متعمقا أو جامعا لما لا بد منه من الأحكام الفقهية، لذلك يقول كلاما يستحيل أن يقبله الفقهاء، مثل: "اجعلوا بيوتكم قبلة، لتكن مساجد، وصلوا فيها" وهذا كلام لا يمكن أن يكون مقبولا، والسبب في ذلك أنه غلبت عليه عاطفة اعتزال المجتمع، وضرب الحاكم.
لقد كان الأستاذ سيد (رحمه الله) ألمع واحد في مدرسة العقاد وعلمه بالأدب الإسلامي والأدب العربي عموما علم جيد، ولقد تبعه من يسمون أنفسهم قطبيين، وهؤلاء لا عقل ولا فقه، ولا ينظر لهم في شيء".
هكذا انتقد الشيخ الغزالي في "محاوراته" مفاهيم الحاكمية كما جاءت في "معالم في الطريق" للشهيد سيد قطب، عليهم جميعا رحمة الله.