ملفات وتقارير

باحثان: تونس وجنوب إفريقيا نموذج لتحول ديمقراطي ناجح

البرلمان التونسي عقب إقرار الدستور - أرشيفية
البرلمان التونسي عقب إقرار الدستور - أرشيفية
كتب مارك فريمان، المدير التنفيذي لمعهد عمليات الانتقال الاندماجية وسيث كابلان، المحاضر في جامعة جون هوبكنز في صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية عن عملية التحول الديمقراطي في تونس والتي قالا إنها الدولة الوحيدة من دول ما يعرف بالربيع العربي في طريقها لتجربة ديمقراطية حقيقية رغم ما تعانيه البلاد من حالة جمود اقتصادي، وتهديدات العنف. 

ويرى الكاتبان إن إنجاز البلاد يظهر بطريقة تشبه جنوب افريقيا قبل 20 عاما والذي دفع قادة دولة تعيش تحولا من ديكتاتورية لديمقراطية إنه يجب شمل كل القوى في العملية بحيث تكون المبدأ الذي تقوم عليه السياسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية كي يتم تحقيق السلام والتقدم نحو الديمقراطية.

وقالا "عندما تنتقل دولة من ديكتاتورية أو حالة حرب فسكانها عادة ما يحملون أمالا كبيرة ويعيشون توقعات بتغير قادتهم واقتصادهم ومجتمعهم، ومع ذلك فهناك أمثلة قليلة عن عمليات تحول ناجحة".

ويعلقان قائلان إن محمد مرسي، أول رئيس منتخب في بلاده همش القوى السياسية وأطيح به في انقلاب عسكري بذريعة الإرادة الشعبية، فيما ظلت ليبيا تكافح لتحقيق الأمن وسط خلافات قبلية واثنية. وفي ميانمار فتحت الحريات الجديدة فيها صراعا دينيا، وكافحت نيبال سنوات طويلة كي تكتب دستورها وسط خلافات حادة، فيما كان سجل العراق وأفغانستان ونيبال ونيجيريا مخيبا للآمال.

ويرى الكاتبان أن جزءا من المشكلة نابع من المشاكل التي تواجهها الدول الخارجة من الحروب والديكتاتوريات وهي مشاكل لم يواجهها الحكام السابقون لها.

واشارا  إلى أنه عادة ما تمنع الانقسامات الإثنية والدينية والجغرافية والقبلية أو الأيديولوجية نشوء أنظمة مستقرة تحظى بشعبية واسعة. كما تشجع الحكومات الضعيفة التي لا تستطيع التصرف بطريقة عادلة وقادرة  الجماعات لمواجهة بعضها البعض في معارك لا تنازلات فيها. ويؤدي نزاع إلى نزاع آخر مما يعني الدخول في دوامة من العنف لا نهاية لها. ويعاني الاقتصاد نتيجة هذه النزاعات بشكل يؤدي لتدهور حياة الناس الذين خرجوا مطالبين بالتغير يملؤهم الأمل.

ويعتقدان أن عمليات الانتقال السياسي في مصر وليبيا واليمن وأماكن أخرى مثل أوكرانيا بحاجة ماسة لمبادئ مرشدة تعمل على تركيز جهود لاعبين كثر وتساعدهم على تقديم أولوية للتحديات التي يواجهونها معا.

ولهذا فالكثير من هذه الدول وقع ضحية المعوقات التي وقفت أمام مدخل شامل، وإيصال قادة اجتماعيين للحكم في المقام الأول.
وأشارا إلى أنه في الديمقراطيات الجديدة الناشئة في مجتمعات منقسمة طائفيا فالمرشحون من أصحاب العقول الداعية لإشراك الجميع عادة ما يتنافسون مع مرشحين يخاطبون قطاعا معينا من السكان.

ففي الانتخابات الرئاسية المصرية الأخيرة غادر المرشحون ممن كانت لديهم برامج تشمل الجميع وتركوا الساحة أمام المرشحين الفائزين اللذان قسما الصوت الانتخابي، مرشح الإخوان المسلمين مرسي وأحمد شفيق الذي خدم في ظل حسني مبارك.

وبعيدا عن هذه النماذج يرى الكاتبان إن تونس وجنوب إفريقيا أظهرتا أن عملية التحول الديمقراطي يمكن أن تتقدم عندما يعترف قادة العملية السياسية بالحاجة لشمل الجميع وتقديم تنازلات ومدخل كهذا يجب أن يأخذ بعين الاعتبار كل قطاعات السكان، والاعتراف أيضا أن بناء دولة مساواة وقوية يحتاج لوقت طويل.

ويشيران هنا إلى جنوب إفريقيا التي بدأت بعد نهاية التمييز العنصري باستخدام مصطلح "أمة قوس قزح" ولم تصف  من خلاله التنوع السكاني للبلاد فقط بل نوع الأمة الذي طمحت لتحقيقها في العهد الجديد. فقد أظهر المصطلح لبيض جنوب إفريقيا أنهم جزء من مستقبل البلاد، كما قدم المصطلح نوعا من الإصرار والصمود في وقت كانت فيه مؤسسات الدولة بطيئة لتقديم النتائج.

وفي الحالة التونسية يرى فريمان وكابلان فعندما يؤمن القادة الاجتماعيون والسياسيون بفكرة التشارك في السلطة ويدعمون أقوالهم بأفعال فإن  خطابهم يترك أثرا إيجابيا  على كل ملامح العملية الانتقالية.

وقال إن هذا ما حدث في الحالة التونسية عندما قام حزب النهضة الحاكم بتسليم السلطة لحكومة تكنوقراط – غير حزبية وتنازلت النهضة في مواد معينة في الدستور أثارت جدلا ومن أجل التأكد من تحقيق دعم واسع للعملية الانتقالية.

ويقول فريمان وكابلان إن حزب النهضة وقادته تصرفوا بهذه الطريقة نتيجة لمزيج من الضغوط العامة والمصالح المتنورة الذاتية، فقد فهم قادة النهضة الذين خافوا السقوط من السلطة وكانوا واعين للإطاحة بالإخوان المسلمين في مصرـ أن التنازل ضروري لمستقبلهم السياسي ونجاحهم في الحياة السياسية. ويعطي فعلهم صورة من أن فكرة شمل الجميع ليست تفكيرا مثاليا ولكنه تصرف سياسي ذكي.

وينهي الكاتبان مقالتهما بالقول إن عملية التحول السياسي التي تشرك كل القوى فيها لا تترك أثر فقط على ملامح العملية الانتقالية الملموسة  بما في ذلك عمليات الإصلاح السياسي ولكن على ملامح غير ملموسة نادرا ما يتم التأكيد عليها مثل تعزيز عملية التسوية السياسية وتقوية الحكومة وتقلل من فرص اندلاع العنف وتبني الثقة بالنفس والثقة في داخل المجتمع. 

وأشارا إلى أنه ليس بالضرورة أن يؤدي هذا المدخل لنتائج سريعة لأنه بحاجة أحيانا لرؤية ودعامات تقلل من الخطوط الفاصلة التي تعاني منها المجتمعات التي تعيش مرحلة انتقالية وقد نجح نيلسون مانديلا في تحقيق هذا، وفي تونس لا تزال عملية البحث جارية، ويظل هذا المدخل هو الطريق العملي الذي يقدم مستقبلا أفضل.
التعليقات (0)