سياسة عربية

هل تربط توسعة مشروع "نيتسانا" أمن الطاقة المصري بدولة الاحتلال؟

غاز إسرائيل يتحول إلى ورقة ضغط على القاهرة- جيتي
غاز إسرائيل يتحول إلى ورقة ضغط على القاهرة- جيتي
تتزايد وتيرة الأخبار حول توسعة إمداد الغاز الإسرائيلي إلى مصر، مع توقيع صفقات ضخمة وإنشاء خطوط أنابيب جديدة، أبرزها مشروع "نيتسانا"، ويثير مشروع التوسعة أسئلة سياسية واستراتيجية تتعلق بالسيادة المصرية، ومصادر طاقة البلاد، وأمنها القومي.

قالت شركة شيفرون الأمريكية، إنها وقعت اتفاقا مع شركة تشغيل خطوط الأنابيب المملوكة للدولة في إسرائيل، لبدء مد خط أنابيب "نيتسانا" للغاز الطبيعي، الذي سينقل الغاز من حقل "ليفياثان" إلى مصر، مضيفة أنه جزء من جهد منسق لتعزيز صادرات الغاز الإسرائيلي إلى مصر.

ويحتوي حقل "ليفياثان" البحري قبالة سواحل الأراضي المحتلة على احتياطيات تقدر بنحو 600 مليار متر مكعب من الغاز، ويملكه تحالف شركات شيفرون ونيوميد وريشيو إنرجيز، وقد وقع مالكو الحقل في آب/أغسطس الماضي صفقة تصدير تاريخية بقيمة 35 مليار دولار مع مصر، وهي الأكبر في تاريخ دولة الاحتلال بمجال الطاقة.

وقالت شيفرون إن خط أنابيب "نيتسانا" سينقل نحو 600 مليون قدم مكعب من الغاز يوميا، بمجرد انتهاء أعمال الإنشاء خلال ما يقارب ثلاث سنوات، مضيفة أن ذلك سيرفع إجمالي طاقة تصدير الغاز من إسرائيل إلى مصر إلى أكثر من 2.2 مليار قدم مكعبة يوميا.

من جانبها أعلنت شركة "إنرجين" أنها تخطط لضخ ملياري متر مكعب سنويا عبر "نيتسانا"، من حقل "كاتلان" البحري التابع لها قبالة سواحل دولة الاحتلال، بدءا من عام 2027.

وقالت رويترز إن إسرائيل كانت قد أعلنت في أيار/مايو عن رغبتها برفع أسعار تصدير الغاز بنسبة 25%، مشيرة إلى أن مصادر في القطاع قالت إن الصفقة الجديدة جرى الاتفاق عليها بسعر أعلى بنحو 20% على الأقل.

وبدوره أوضح الخبير الاقتصادي الدكتور خالد فؤاد المتخصص في شؤون الطاقة والعلاقات الدولية أن الحديث عن إنشاء الخط بدأ منذ سنوات، لكن المشروع تأخر لسببين رئيسيين، أولهما الجدوى الاقتصادية نظرا للتكلفة المرتفعة التي تتطلب تأمين صفقات توريد تغطي الإنشاء، إضافة إلى الخلافات بين شركاء التنفيذ وهما شيفرون الأمريكية، المشغل الرئيسي لحقلي تمار وليفايثان، وشركاؤها من الشركات الإسرائيلية حول حصص المساهمة.

وأشار الخبير إلى أن السبب الثاني هو حرب غزة التي عطلت غالبية مشاريع الغاز الإسرائيلية، بما في ذلك مشاريع توسعة الإنتاج والبنية التحتية ومن ضمنها مشروع خط أنابيب نيتسانا.

الموقف السياسي


تزامن الإعلان مع تلويح  رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوقف إمدادات الغاز لمصر. حيث وجّه بعدم المضي في الصفقة الضخمة مع القاهرة من دون موافقته الشخصية، مبررا ذلك بـ"خروقات مصرية لاتفاقية السلام" بسبب تعزيزات عسكرية في سيناء.

وبدوره رد رئيس هيئة الاستعلامات المصرية ضياء رشوان أن نتنياهو لن يستطيع تحمل تبعات قرار كهذا، مشيرا إلى أن الصفقة مهمة للطرفين لكنها تميل لصالح إسرائيل اقتصاديًا.

في المقابل، قال يوسي آبو، الرئيس التنفيذي لشركة نيوميد إنرجي: "ليفياثان مشروع وطني، وتوسعته تمثل ركيزة أساسية لأمن الطاقة الإسرائيلي للعقود القادمة، ومشروع خط أنابيب نيتسانا هو استمرار مباشر للصفقة الضخمة التي وقعناها مع شركائنا المصريين".

وأوضحت "رويترز" أن الاتفاق الأخير ينص على أن يبيع حقل "ليفياثان" حوالي 130 مليار متر مكعب من الغاز إلى مصر حتى عام 2040، أو حتى استيفاء جميع الكميات المتعاقد عليها. الصفقة ستنفذ على مرحلتين.

وتبدأ المرحلة الأولى مطلع عام 2026، حيث يزوّد الحقل مصر بـ20 مليار متر مكعب من الغاز بعد ربط خطوط أنابيب إضافية.

وتشمل المرحلة الثانية تصدير 110 مليارات متر مكعب إضافية بعد استكمال مشروع التوسعة وإنشاء خط نيتسانا الجديد.

وتظهر بيانات مبادرة المنظمات المشتركة للبيانات (JODI) أن الغاز الإسرائيلي يشكل نحو 15-20 بالمئة من استهلاك مصر، وستزيد إسرائيل التدفقات إلى مصر عمليا اعتبارا من العام المقبل، من 4.5 إلى 6.5 مليارات متر مكعب سنويا، على أن تصل إلى 12 مليارا بحلول 2029 بعد استكمال التوسعة.

أزمات الطاقة المصرية

أوضحت "رويترز" أن إنتاج مصر من الغاز بدأ بالتراجع منذ 2022، ما أجبرها على التخلي عن طموحها في أن تصبح مركزا إقليميا للتصدير، لتتجه بشكل متزايد نحو إسرائيل لتعويض النقص.

وبلغ إنتاج الغاز المصري في أيار/مايو 2025 حوالي 3,545 مليون متر مكعب، مقارنة بـ6,133 مليون متر مكعب في آذار/مارس 2021، أي بتراجع تجاوز 42 بالمئة في أقل من خمس سنوات.

كما توقفت صادرات الغاز من "ليفياثان" في حزيران/يونيو الماضي لأسباب أمنية خلال الحرب مع إيران، لكنها استؤنفت لاحقا.

أبعاد اقتصادية تنتهي بمصالح كبيرة لإسرائيل

أشار موقع "ميدل إيست آي" إلى أن مصر وضعت فعليا مفاتيح إنتاجها الصناعي بيد خصم تاريخي، في إشارة إلى اعتمادها المتزايد على الغاز الإسرائيلي، موضحا أن هذا المسار بدأ بمفاوضات سرية في التسعينيات، ثم اتفاق 2005 الذي أدى لاحقا إلى واحدة من أكبر قضايا التحكيم ضد مصر بعد الثورة عام 2011.

وفي عام 2018، أعلنت "ديليك دريلينغ" عن صفقة بقيمة 15 مليار دولار لمدة عشر سنوات لتصدير الغاز إلى مصر، وصفها نتنياهو حينها بأنها "يوم للاحتفال"، في حين قلل الرئيس عبد الفتاح السيسي من شأن الانتقادات، مؤكدا أن الحكومة ليست طرفا في الاتفاق وأنه يخص القطاع الخاص.

أضاف الموقع أن الاتفاق الجديد بقيمة 35 مليار دولار يأتي ضمن جهد أوسع لإعادة تشكيل الاصطفافات الإقليمية في شرق المتوسط، وجعل إسرائيل لاعبًا محوريًا في مجال الطاقة والسياسة.

الدور الأمريكي 

اعتبر "ميدل إيست آي" أن الضغوط الأمريكية لعبت دورا حاسما، إذ دعمت واشنطن إنشاء "منتدى غاز شرق المتوسط" بالقاهرة عام 2019، الذي ضم مصر وإسرائيل واليونان وقبرص وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية، بينما استُبعدت تركيا وروسيا.

وأشار الموقع إلى أن الهدف كان جعل مصر جسرًا لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، وتقليل اعتماد الاتحاد الأوروبي على روسيا، خاصة بعد الحرب في أوكرانيا.

نتائج مقلقة وانعكاسات على الأمن القومي المصري

وحذر الخبير الاقتصادي خالد فؤاد من أن ربط أمن الطاقة المصري بأمن الطاقة الإسرائيلي يجعل القاهرة عرضة للضغط السياسي، وأوضح أن أي تهديد يطال منصات الغاز الإسرائيلية سينعكس مباشرة على مصر.

وأشار إلى أن مصر تعتمد حاليًا على 15-20 بالمئة من احتياجاتها من الغاز من إسرائيل، وهي نسبة مرشحة للزيادة، مشددا على أن البنية التحتية العابرة للحدود ليست مجرد وسيلة للنقل، بل أداة قد تتحول إلى ورقة ضغط، كما حدث مع الغاز الروسي في أوروبا، مضيفا أن تصريحات نتنياهو بشأن تجميد الصفقة مجرد دعاية سياسية، وأن توقيع اتفاق "نيتسانا" يثبت أن الصفقة أصبحت أمرا واقعا.



علاقة المشروع بغزة

أشار "ميدل إيست آي" إلى أن ملف الغاز يرتبط أيضا بغزة، فحقل "غزة مارين" المكتشف عام 1999 ظل معطلا بسبب الضغوط الإسرائيلية، لكنه يعاد إحياؤه الان ضمن صفقة سياسية اقتصادية أوسع لإعادة إعمار القطاع، مع إشراف مباشر من القاهرة وتل أبيب.

وفي عام 2021، وقعت مصر والسلطة الفلسطينية مذكرة تفاهم لتطوير الحقل وبيع معظم إنتاجه لمصر، في ترتيبات مرتبطة بأجهزة أمنية مصرية، وبحسب الموقع فإنه يجعل اقتصاد غزة مرتبطا بإسرائيل، ويحول دور القاهرة من ضامن للاستقلال الفلسطيني إلى شريك في استراتيجية تل أبيب.

هل يتأثر أمن الطاقة المصري

وأشار "ميدل إيست آي" إلى أن الاتفاقات المتتالية جعلت مصر، التي كانت يوما مصدرا صافيا للغاز، تعتمد على الواردات من دولة تحتل أراضي عربية، وأكد أن القضية ليست مجرد تجارة طاقة، بل مسألة سيادة، حيث تحولت الطاقة إلى سلاح جيوسياسي.

ورأى أن مصر باتت تشارك قرار تشغيل مصانعها ومنشآتها الدفاعية مع طرف خارجي، وهو انعكاس لتحولات أعمق في النظام الإقليمي.
التعليقات (0)

خبر عاجل