قضايا وآراء

من شيطنة الإخوان إلى اغتيال الهوية: هيمنة المشروع الصهيوني

فاطمة رؤوف
"النخب الإعلامية والثقافية العربية، لا سيما في دول الثقل الإقليمي، كانت رأس الحربة في تحويل القتل من جريمة إلى ضرورة سيادية"- جيتي
"النخب الإعلامية والثقافية العربية، لا سيما في دول الثقل الإقليمي، كانت رأس الحربة في تحويل القتل من جريمة إلى ضرورة سيادية"- جيتي
رابعة: تأسيس ثقافي لقتل الإسلاميين

حين وقعت مجزرة رابعة في مصر عام 2013، لم تكن مجرد جريمة محلية نفذتها أجهزة أمن ضد معتصمين سلميين، بل كانت لحظة كشف عميقة لآلية جديدة في التعامل مع قوى المقاومة الإسلامية، وعلى رأسها الإخوان المسلمون. القتل في رابعة لم يكن فقط فعلا ماديا، بل تأسيسا ثقافيا ونفسيا لقبول سفك الدم المسلم إذا ما تجرأ على الوقوف في وجه النظام الدولي أو تمرد على وكلائه المحليين.

الإخوان المسلمون: العدو الأيديولوجي للنظام العالمي

منذ نشأتهم في ثلاثينيات القرن العشرين، شكّل الإخوان المسلمون فصيلا إسلاميا رفض الاستعمار وواجهه نظريا وعمليا، لا سيما في فلسطين حيث أسّس الشيخ عز الدين القسام واحدة من أوائل الحركات الجهادية الحديثة، والتي أصبحت النواة الفكرية والعسكرية للمقاومة الفلسطينية. هذا الامتداد المقاوم، الذي ظهر لاحقا في حركة حماس، كان في صلب العداء الأمريكي والإسرائيلي للجماعة.
الولايات المتحدة، منذ عقود، لم ترَ في الإخوان مجرد تنظيم سياسي محلي، بل حاملة لفكر جهادي عابر للحدود يهدد النفوذ الغربي والصهيوني في المنطقة

فالولايات المتحدة، منذ عقود، لم ترَ في الإخوان مجرد تنظيم سياسي محلي، بل حاملة لفكر جهادي عابر للحدود يهدد النفوذ الغربي والصهيوني في المنطقة. لذلك لم يكن غريبا أن تكون أمريكا ضالعة مباشرة أو ضمنيا في استهداف قادة المقاومة المنتمين إلى هذا التيار، بدءا من اغتيال يحيى عياش وعبد العزيز الرنتيسي، وصولا إلى تصنيف حماس كـ"منظمة إرهابية"، رغم كونها حركة تحرر وطني. وقد عبّر الكاتب محمد حسنين هيكل عن ذلك بوضوح في مقابلته عام 2013 مع لميس الحديدي، حين قال إن أمريكا ترى في "شبح الإخوان" خطرا فكريا وجوديا لا بد من سحقه، لأنه يملك القابلية لتفجير حالة وعي شعبي مقاوم تمتد من غزة إلى جاكرتا.

من رابعة إلى غزة: تطبيع المجازر باسم "السيادة"

الذي حدث في رابعة من قتل جماعي وتبرير رسمي، مثّل سابقة نادرة في القسوة، لكنها وجدت من يغطيها إعلاميا وفكريا عربيا ودوليا. الخطاب الذي قال: "الدولة تواجه الإرهاب"، هو نفسه الذي يُقال اليوم عن غزة. المقاومة في الحالتين تُصوَّر كتهديد، والمجزرة كحل مؤلم لكنه "ضروري". ما يُرتكب اليوم بحق المدنيين في غزة لا يمكن فصله عن تلك اللحظة التي قُتل فيها مئات الإسلاميين في القاهرة وسط صمت عربي وغربي متواطئ.

الإعلام العربي: جبهة ناعمة للهيمنة الغربية
ما حدث في تدمير ثورة يناير لم يكن فقط رفضا للإخوان كفصيل سياسي، بل كان رفضا لعودة الإسلام إلى المشهد كقوة تغيير

الخطير في كل ذلك أن النخب الإعلامية والثقافية العربية، لا سيما في دول الثقل الإقليمي، كانت رأس الحربة في تحويل القتل من جريمة إلى "ضرورة سيادية". هذه النخب لعبت دورا أكبر مما فعله الرصاص: لقد أعادت تشكيل وعي الجماهير لتقبل قتل أبناء جلدتها إن هم خرجوا عن المرسوم غربيا ومحليا. المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي أشار إلى أن أخطر سلاح في الإمبريالية هو "التواطؤ المحلي الذي يُجهض المقاومة قبل أن تصل إلى العدو".

معاداة النخب العلمانية في بلاد المسلمين للإسلام كدين

إن ما حدث في تدمير ثورة يناير لم يكن فقط رفضا للإخوان كفصيل سياسي، بل كان رفضا لعودة الإسلام إلى المشهد كقوة تغيير. فور تصدّر الإخوان للمشهد، اشتعلت ثورة مضادة، ممولة وموجّهة من داعمي الثورات المضادة في المنطقة، وعلى رأسهم العسكر وحلفاؤهم في الإمارات؛ اليد الإسرائيلية الأولى في اختراق الإقليم. أعادت ثورة يوليو بثوب جديد الحكم العسكري، عبر اعتقالات وقمع دموي استمر لأكثر من 12 عاما، محاصرا كل منفذ سياسي، وقاطعا الطريق على أي مشروع نهضوي إسلامي.

لقد أصبحت النخب العلمانية جزءا من هذا الحصار، تُعادِي الإسلام وتُجمِّل الاستبداد، وتُروّج لهيمنة الغرب بثوب الحداثة الزائف.
التعليقات (0)