تظهر المعطيات أن
الضفة الغربية (بما في ذلك شرقي القدس) ستكون في عين
الاستهداف
الإسرائيلي في الأيام القادمة. بالطبع فإن مخطط تهويد الأقصى والقدس
وباقي الضفة لم يتوقف طوال السنوات الماضية، وسار بشكل حثيث تحت حكم الليكود، وأخذ
نسقا متصاعدا تحت حكومة
نتنياهو المتحالفة مع الصهيونية الدينية. غير أن الاتجاه
قد يأخذ مسارات أكثر حسما برعاية أمريكية، بما في ذلك مخاطر ضم الكتل
الاستيطانية
في الضفة، وكذلك مخاطر ضم مناطق ج (أو أجزاء كبيرة منها) التي تشكل 60 في المئة من
مساحة الضفة الغربية، وبالتالي القضاء على مسار التسوية السلمية وعلى أحلام تحوّل
السلطة
الفلسطينية إلى دولة فلسطينية، بل وإمكانية تفتيت السلطة إلى عدة كانتونات،
تتولى على أساس أمني إدارة التجمعات الفلسطينية في الضفة.
أبرز معطيات الاستهداف:
أما أبرز المعطيات التي تصب في مشروع الاستهداف والضّم الصهيوني فهي:
* فشل
الاحتلال
الإسرائيلي الذريع في تحقيق أهدافه في قطاع غزة، وانتصار المقاومة وتمكنها من فرض
شروطها، جعل الاحتلال يتطلع إلى تعويض فشله وإعادة تقديم نفسه للمجتمع الصهيوني من
خلال إنجاز كبير يحاول تحقيقه في الضفة. إذ بعد دخول الهدنة مع غزة، أضافت الحكومة
الإسرائيلية هدفا أساسيا لأهداف الحرب هو إحكام السيطرة على الضفة والقضاء على
المقاومة، واستقدمت تعزيزات عسكرية كبيرة، وبدأت حملة واسعة شرسة لاجتثاث
المقاومة.
يبدو أن ترامب الذي رأى غرق جيش الاحتلال في مستنقع غزة، والذي ضغط باتجاه الهدنة، والذي لا يرغب بالاستمرار في دفع مليارات الدولارات لتغطية تكاليف الحرب، ليس لديه مانع من توفير الغطاء اللازم لضم أجزاء واسعة من الضفة لاحقا للكيان الإسرائيلي، وربما شكل ذلك تعويضا للاحتلال عن فشله في غزة، وحافزا للخروج من المستنقع، والمضي قدما في الهدنة في غزة
* إن أرضية القناعة بضم الضفة موجودة أساسا لدى حزب الليكود
الحاكم، فقد صوتت اللجنة المركزية للحزب في 31 كانون
الأول/ ديسمبر 2017 لصالح قرار يطالب نواب الحزب في الكنيست بالدفع باتجاه ضم الضفة
الغربية. وكان نتنياهو لا يرغب في هكذا تصويت لأنه يكشف تطلعات الحزب في غير وقتها
و"يحرق المراحل"، غير أن نتنياهو تبنى في برنامج الليكود الانتخابي في
أيلول/ سبتمبر 2019 ضم منطقة الأغوار وشمال البحر الميت، وهي مناطق واسعة تقدر بنحو 23 في المئة من
مساحة الضفة. غير أن الوقت لم يكن ناضجا لإجراءات الضم، خصوصا مع إعلان
ترامب
لصفقة القرن أوائل 2020، ثم فشل ترامب في الانتخابات الأمريكية في تشرين الثاني/ نوفمبر
من السنة نفسها، ثم خوض المقاومة لمعركة سيف القدس 2021.
* إن التحالف الحاكم الذي نشأ في 29 كانون
الأول/ ديسمبر 2022، ودخول الصهيونية الدينية بقوة فيه من خلال حزبي سموتريتش وبن
غفير، أتاح لهما صلاحيات واسعة لتسريع وتيرة تهويد الأقصى والقدس والضفة الغربية،
حيث مضى المشروع بقفزات غير مسبوقة، ولولا معركة طوفان الأقصى، لربما جرى ضم أجزاء
واسعة من الضفة.
وكان حزب الصهيونية الدينية قد تبنى سنة 2022 "خطة
الحسم" التي سبق لسموتريتش طرحها، واعتمدها في مؤتمره العام؛ وهي تسعى لحسم
الصراع في فلسطين التاريخية وضم الضفة الغربية.
* فوز ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية، وهو داعم كبير
للتوسع الصهيوني، وسبق له تصريح بأن الأرض التي تحكمها "إسرائيل" صغيرة،
وأنها يفترض أن تكون أكبر من ذلك. وترامب نفسه لا يؤمن باتفاقية أوسلو ولا بمسار
التسوية الحالي ولا بحلّ الدولتين، وسبق له نقل السفارة الأمريكية للقدس،
والاعتراف بالضم الإسرائيلي للجولان السوري المحتل؛ وخطته "صفقة القرن"
تأكل أصلا مساحات كبيرة من الضفة، والخطة نفسها تترك قطاع غزة تحت سيطرة
الفلسطينيين.
ويبدو أن ترامب الذي رأى غرق جيش الاحتلال في مستنقع
غزة، والذي ضغط باتجاه الهدنة، والذي لا يرغب بالاستمرار في دفع مليارات الدولارات
لتغطية تكاليف الحرب، ليس لديه مانع من توفير الغطاء اللازم لضم أجزاء واسعة من
الضفة لاحقا للكيان الإسرائيلي، وربما شكل ذلك تعويضا للاحتلال عن فشله في غزة،
وحافزا للخروج من المستنقع، والمضي قدما في الهدنة في غزة.
* عيّن ترامب مارك روبيو وزيرا للخارجية وهو ذو ميول صهيونية
متشددة، وكان قد اتهم إدارة بايدن بعدم بذل ما يكفي لدعم "إسرائيل"، وأدان
تعليق أو تضييق دول أوروبية لصادرات السلاح إلى "إسرائيل"، كما أدان فرض
إدارة بايدن عقوبات على مستوطنين وكيانات استيطانية، بسبب عنفها ضد الفلسطينيين في
الضفة.
* عيَّن ترامب مايك هاكابي سفيرا جديدا للولايات المتحدة
في "إسرائيل"، وهو قس معمداني، ومن قادة المسيحية الإنجيلية التي تؤمن
بالحق الديني لليهود في فلسطين؛ ويرى أن "إسرائيل" لديها "سند
ملكية" في الضفة الغربية، ويرفض تسمية المستعمرات اليهودية في الضفة
"مستوطنات" ويسميها أحياء.
* عين ترامب إليس ستيفانيك سفيرة للولايات المتحدة لدى الأمم
المتحدة، وقد تحدثت على المكشوف بأن لـ"إسرائيل" حقا توراتيا في الضفة
الغربية.
* لقي مستوطنو الضفة الغربية رعاية خاصة من ترامب، فقد تمت دعوة
وفد رسمي موحد من مجلس مستوطنات الضفة (يشع) لحضور حفل تنصيب ترامب رئيسا للولايات
المتحدة، وقام المجلس بدوره باستئجار أشهر مساحة إعلانية في العالم في تايمز سكوير
في نيويورك لتهنئة ترامب. وكان من أوائل قرارات ترامب في بداية حكمه إلغاء
العقوبات على جماعات وأفراد المستوطنين المتطرفين الذين ارتكبوا ويرتكبون أعمال
عنف ضد الفلسطينيين، وهي عقوبات كان قد أقرّها بايدن في بداية شباط/ فبراير 2024.
وعلى ذلك فإن العناصر السابقة تتضافر للدفع باتجاه جعل
الضفة في بؤرة الاستهداف الصهيوني الأمريكي، وحالة "تعويض" عن الفشل في
قطاع غزة، بحيث يتسارع العمل الممنهج لإجراءات التطويع والضم، بمحاولة سحق
المقاومة وبؤرها، ومحاولة تطويع سلطة رام الله بما يتوافق مع معايير إسرائيلية
تحولها إلى حالة أمنية خدماتية مكشوفة، هذا إن لم تقم بتفتيتها، وإيجاد بيئة قمع
وتهجير لأبناء الضفة، وعمل قفزات كبيرة في مشاريع التهويد والضم لأجزاء واسعة من
الضفة. وبحسب رسالة نتنياهو إلى ترامب بعد حفل تنصيبه، "أعتقد أن عملنا معا
من جديد سيرتقي بالتحالف الأمريكي الإسرائيلي إلى قمم عظيمة"!!
وبغض النظر عما ظهر من خلاف بين ترامب ونتنياهو، فلعله
كان مرتبطا بطريقة التعامل مع الحرب على غزة، وعدم استعداد أمريكا للمضي قُدما في
الإنفاق العسكري على حربٍ يبدو أنها ليست ذات جدوى، بينما تبدو الضفة "كبشا
سمينا" لا يختلف عليه ترامب ونتنياهو.
ترامب بسبب شخصيته النرجسية والمتقلبة غير القابلة للتوقع، وبسبب عقلية التاجر صاحب "الصفقات"، والبراجماتي الواقعي المستعد للانتقال من موقع لآخر ولو تكتيكيا لتحقيق مصالحه، قد يضطر للتوقف عن مسار دعم الضمّ إذا رأى أن هذا يعطل مصالح أهم، وأنه يمكن تأجيله ولو مرحليا لأوقات قادمة. ولذلك، فإن صمود أهل الضفة وأداءهم الانتفاضي القادم سيلعبان دورا أساسيا في إفشال خطط الضم والتهجير
إمكانية إفشال الضم:
في المقابل، تظهر أربعة تحديات تواجه الصهاينة
والأمريكان، في حال المضي في برامج ضم الضفة الغربية:
الأول: أن ذلك
سيعني عمليا إغلاق مسار التسوية تماما في شكله الحالي، وعدم وجود مبرر لبقاء
السلطة الفلسطينية؛ فإذا ترافق ذلك مع إجراءات التضييق وإيجاد أجواء التهجير
لأبناء الضفة؛ فإن ذلك سيفتح المجال واسعا لتهاوي السلطة، ولانتفاضة واسعة شاملة،
حيث سيكون هذا هو الخيار الوحيد المتاح لأبناء الضفة، وعند ذلك فمن الممكن أن
ينقلب السحر على الساحر، فتتعزز المقاومة وتفشل الخطط الصهيونية الأمريكية.
الثاني: إن
مخاطر الضم والتهجير ستمس الخطوط الحمراء للأمن القومي الأردني، خصوصا مع التصورات
التي تتحدث عن تهجير مليوني فلسطيني من الضفة، وستجعل من الأردن مناهضا قويا لهذا
التوجه، وسيضع علاقته القوية مع أمريكا وتطبيعه مع "إسرائيل" على المحك،
وهو ما سيحاول الطرفان تجنبه.
الثالث: إن أحد
الأهداف الكبرى لترامب في ولايته هذه هو تطبيع السعودية لعلاقاتها مع الكيان
الإسرائيلي؛ بينما ستكون أي إجراءات مرتبطة بالضم أو انهيار "حل
الدولتين" وسقوط السلطة عقبة كبيرة في مشروع التطبيع. وكما أن طوفان الأقصى
عطَّل قطار التطبيع العربي والسعودي، فإن الانتفاضة في الضفة ستكون قادرة على
تعطيل استئناف مسار التطبيع مع السعودية أو أي دولة عربية.
الرابع: إن محاولة
حسم مصير المسجد الأقصى لصالح اليهود الصهاينة، هو عنصر تفجير هائل، طالما كان سببا
في انتفاضات وثورات الشعب الفلسطيني، وفي تثوير البيئات العربية والإسلامية. ويكفي
طوفان الأقصى نموذجا ما زلنا نعيش أجواءه.
وأخيرا، فإن ترامب بسبب شخصيته النرجسية والمتقلبة غير القابلة للتوقع،
وبسبب عقلية التاجر صاحب "الصفقات"، والبراجماتي الواقعي المستعد
للانتقال من موقع لآخر ولو تكتيكيا لتحقيق مصالحه، قد يضطر للتوقف عن مسار دعم
الضمّ إذا رأى أن هذا يعطل مصالح أهم، وأنه يمكن تأجيله ولو مرحليا لأوقات قادمة.
ولذلك، فإن صمود أهل الضفة وأداءهم الانتفاضي القادم سيلعبان دورا أساسيا في إفشال
خطط الضم والتهجير. غير أن سلطة رام الله مدعوة للمرة الألف لمراجعة مواقفها التي
تُعطّل ترتيب البيت الفلسطيني، وبرامج الوحدة الوطنية، والتي تُصر على التنسيق
الأمني مع العدو، وبالتالي، تُسِّهل على الصهاينة والأمريكان المضي قدما في برامج
التهويد والاستيطان؛ بل والتخلص من السلطة نفسها بعد انتهاء مدة صلاحيتها بالنسبة
لهم.
x.com/mohsenmsaleh1