قضايا وآراء

هل يعيد ترامب تشكيل العالم أم سيخضع لوقائعه؟

غازي دحمان
"تفاعلات أكثر جدية بينه وبين الطاقم الذي سيختاره للإدارة، وقد ينتج عن ذلك التخفيف إلى حد بعيد من ما جرى تسميته بالترامبية"- جيتي
"تفاعلات أكثر جدية بينه وبين الطاقم الذي سيختاره للإدارة، وقد ينتج عن ذلك التخفيف إلى حد بعيد من ما جرى تسميته بالترامبية"- جيتي
يعود ترامب إلى البيت الأبيض في لحظة تاريخية مفصلية، فليست أمريكا وحدها من يصارع من أجل الاحتفاظ بدور عالمي بات مهددا إلى حدّ بعيد، بل العالم بمجمله بات يقف على عتبة احتمالات مفتوحة على أكثر من اتجاه؛ فقد أدى مزيج من تراجع أمريكا وصعود فواعل إقليمية ودولية إلى بروز ديناميكيات خطرة وفي مسارح متعددة؛ ربما يستهلك تفكيكها وإخراج العالم من دائرة الخطر طاقة إدارة ترامب القادمة، وقد تأخذه هذه السياقات في طريقها، ولن يجد أفضل من التساوق معها طريقا لمواجهة التحديات والتغلب عليها.

قد يكون من المبكر إعداد تصوّر للسياسات التي ستتبعها إدارة ترامب القادمة في إدارة شؤون العالم، والتعامل مع القضايا المتفجرة أو التي في طريقها للتفجّر، لكن سيخضع الأمر غالبا إلى إعادة تقييم مرحلة إدارة بايدن، التي ستكون معيارا ومقياسا للكثير من السياسات التي سيتبعها ترامب، لا سيما أن الخبرة تؤكد أن ترامب لا يفضل التحولات الكبيرة في السياسات؛ لاعتقاده أن تكاليفها ستكون باهظة، وستفرض عليه أنماط استجابة لم يضعها في حساباته السياسية والاقتصادية.

يعود إلى البيت الأبيض، في ظل مشهد جيوسياسي عالمي معقد، يكاد يختلف إلى حد بعيد عن المرحلة التي حكم بها في السابق، بعد انفجار الصراعات في أوروبا والشرق الأوسط، وزيادة قوة خصوم واشنطن في العالم.

المؤكد، أن ترامب يعود إلى البيت الأبيض، في ظل مشهد جيوسياسي عالمي معقد، يكاد يختلف إلى حد بعيد عن المرحلة التي حكم بها في السابق، بعد انفجار الصراعات في أوروبا والشرق الأوسط، وزيادة قوة خصوم واشنطن في العالم. ورغم أن الدور الأساسي لإدارة هذه الشؤون سيبقى من مهمة المؤسسات (الدولة العميقة/ البنتاغون والاستخبارات والخارجية)، إلا أن ذلك لا ينفي أنه سيكون هناك تأثير في التفاصيل، من نوع وضع محدّدات على حجم الانخراط الأمريكي في قضية ما، مثل الحرب الأوكرانية، وتفضيل مقاربات معينة عن أخرى، رغم أن التجارب تفيد بأنه سيميل بهذا الخصوص إلى تبني الأمر الواقع، ويراعي مسألة التكاليف التي تترتب على استعادة التوازنات ومقدرة أمريكا على تحقيق ذلك.

وفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ورغم اعتقاد نتنياهو أن ترامب سيكون مؤيدا لحرب حاسمة وطويلة المدى بالنظر لموقفه من إيران وهيمنتها في المنطقة، إلا أن تفضيلات ترامب قد تذهب باتجاهات أخرى، وقد يذهب إلى تبني مقاربات من شأنها إنتاج ديناميكيات مختلفة، تريحه من الانشغال الكلي في منطقة لم يعد يرى فيها مصلحة كبيرة لأمريكا.

السؤال الآن: كيف سيتكيف ترامب مع الحقائق الجيوسياسية الجديدة؟ ليس صحيحا القول بأنه أمام خيارين لا ثالث لهما: إما اتباع مسارات الإدارات السابقة في معالجة الأزمات، عبر إدارتها وعدم الانخراط بها بشكل مباشر؛ كطريق للانسحاب التدريجي من مشاكل العالم الخارجية والتفرغ للشأن الداخلي، أو أنه سيذهب باتجاه تشغيل جميع النقاط الساخنة على طول خطوط الصدع في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط؛ في تحدّ علني لمواجهة القوى المنافسة للسيطرة الأمريكية العالمية. فمن واقع تجربة حكمه السابق، يميل ترامب إلى عقد الصفقات، ولا يأخذ في الاعتبار قضايا من نوع حقوق الإنسان والحريات، فحسابات ترامب السياسية تتطابق إلى حدّ كبير مع حساباته الاقتصادية؛ التكاليف والجدوى. ترامب يعرف حدود قوة الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن تفضيلاته السياسية تركز على الداخل وكيفية استعادة أمريكا قوتها الاقتصادية والتكنولوجية على المستوى العالمي، وهو الحقل الذي يراه القاطرة الأساسية لمواصلة التأثير الأمريكي على المستوى العالمي.

ترامب الحالي، سيكون مختلفا عن ترامب السابق بدرجة كبيرة، والمرجح تراجع المزاجية والتسرع في بناء سياساته، وهذا قد يفتح الباب أمام تفاعلات أكثر جدية بينه وبين الطاقم الذي سيختاره للإدارة، وقد ينتج عن ذلك التخفيف، إلى حد بعيد، من ما جرى تسميته بـ"الترامبية"، أي السياسات التي اصطبغت إلى حدّ بعيد، بسياساته النزقة والمستعجلة والعاطفية.

لكن بالمقابل، يعمل ترامب في بيئة لن تدعه يخطط بأريحية، وستفرض عليه نموذجا للمنافسة، يضطره إلى إعادة ضبط أجزاء كثيرة من استراتيجيته، لتتواءم مع هذا الواقع المعقد، ذلك أن هذه التحديات لم تنشأ بسبب معارضة الفواعل الدولية والإقليمية للسياسات الأمريكية وحسب، بل نتيجة احتياجاتها ومتطلباتها ورؤاها لمستقبل أدوارها وحجم تأثيرها العالمي، والأهم من ذلك، تقديرها لقوتها وقوة أمريكا، ومن ثم، فإنها قد لا تتأثر بصفقات ومساومات ترامب كثيرا؛ فروسيا على سبيل المثال لن تتراجع عن احتلالها لأجزاء كبيرة من أوكرانيا، مهما وصل مستوى العلاقات بين ترامب وبوتين، دون الحصول على مكاسب جيوسياسية مهمة في أوروبا، كما أن الصين لن تتراجع عن سعيها لاستعادة تايوان، حتى مع احتمالية حصول تحولات إيجابية في سياسة ترامب تجاهها.

المؤكد، أن ترامب الحالي، سيكون مختلفا عن ترامب السابق بدرجة كبيرة، والمرجح تراجع المزاجية والتسرع في بناء سياساته، وهذا قد يفتح الباب أمام تفاعلات أكثر جدية بينه وبين الطاقم الذي سيختاره للإدارة، وقد ينتج عن ذلك التخفيف، إلى حد بعيد، من ما جرى تسميته بـ"الترامبية"، أي السياسات التي اصطبغت إلى حدّ بعيد، بسياساته النزقة والمستعجلة والعاطفية؛ فالواقع الجيوسياسي العالمي الجديد، لم يعد يحتمل مثل هذه السياسات، والمرجح أن الجيوسياسة ستفرض على ترامب التكيف مع واقعها ومخرجاتها، لا أن يشكّل ترامب العالم وفقا لرؤيته وتطلعاته.

x.com/ghazidahman1
التعليقات (0)