قضايا وآراء

الاستعمار والتدمير المنهجي: قراءة في خيار المقاومة (1-2)

إيمان شمس الدين
"انتهت حقبة الاستعمار المباشر العسكري من قبل الغرب بعد اتفاقية "سايس بيكو" التقسيمية، لكنها زرعت في منطقتنا استعمارا من نوع آخر"-جيتي
"انتهت حقبة الاستعمار المباشر العسكري من قبل الغرب بعد اتفاقية "سايس بيكو" التقسيمية، لكنها زرعت في منطقتنا استعمارا من نوع آخر"-جيتي
الاستعمار هو باختصار ممارسة هيمنة تهدف إلى السيطرة الجماعية على الجغرافيا السياسية لأمة من الأمم، وعلى مواردها الطبيعية والبشرية، وبموجب الاستعمار تفقد الأمم المستعمرة سيادتها. وبموازاة ذلك أُسست منظمة الأمم المتحدة عام 1945م، ومعها نظام الوصاية الدولي المنبثق عن ميثاق الأمم المتحدة القاضي بتحميل الدول المهيمنة مسؤولية إدارة من يقع عليهم الاستعمار وضمان حقوقهم في أفق مبدأ تقرير المصير. هذا من الناحية القانونية، أما من الناحية التاريخية والسياسية، فلقد جاء هذا الموقف نتيجة الحرب العالمية الثانية التي انتهت بإقرار نظام عالمي جديد، بحسابات وشروط مختلفة.

وعلى هذا، القرار يحمل دلالات مهمة في شرعنة الاستعمار، بل ويؤسس له شروطا ظاهرية ومحمولات إيجابية، تشي لقارئ نصوصه بوجود بعد إيجابي في الاستعمار من حيث الإدارة، دون تحديد آلياتها ولا تشخيص مصاديقها، ومن حيث حفظ الحقوق؛ المفهوم الأكثر التباسا في الذهنية الغربية وفلسفتها، خاصة في البعد المعرفي كمصادر للمعرفة وقيمة هذه المعرفة.

والدليل على هذا الالتباس التجارب الاستعمارية تاريخيا، واشتراكها جميعا بأسس مخالفة لتوصيات الأمم المتحدة كالعادة. فغالبا طبيعة الاستعمار وفق التجربة التاريخية، خاصة تلك التي وقعت في حدودنا المشرقية العربية والإسلامية، اتسمت بعدة سمات أهمها:

- طبيعة الاستعمار تدميرية، متوحشة، مركزيتها عسكرية، وطبيعتها استعلائية إقصائية، لا وزن إنساني فيها لصاحب الأرض، ولا حق معتبر، بل منتهك الحقوق، ومنتقص في قيمته الإنسانية، وأي خيار مقاوم في وجه هذا المحتل، سيواجه بذات الروح الاستعلائية، فالاستعمار لا يرى أي حق للمُسَتَعْمَر في رفضه للاحتلال ومواجهته بالحق الطبيعي في المقاومة.

- عادة أي مستعمر منهجيّته الغالبة عليه هي التدمير والقتل، لإشاعة نوع من الإرهاب النفسي، وتهييج المخاوف الفطرية على الحياة، دون دخالة للعقل في ضبط معيار الخوف وفق حدود عقلية تضبط إيقاع الفرد وخياراته وقراراته وسلوكه، فيقمع تحت تهديد القتل والتدمير والاستبداد أي محاولة تغيير أو مواجهة ومقاومة، فهو يرفع كلفة الفعل المُقاوِم، لتضييق الخناق عليه كخيار طبيعي في مواجهة الاحتلال.

لذلك هو دوما يسعى في مواجهة مفهوم المقاومة الشرعية لحرف دلالاتها وتشويه ممارساتها، من خلال خلق فضاءات أخرى يُمارَس فيها حمل السلاح بطريقة لا تنتمي للفعل المقاوم، لكن المحتل يحاول ربط هذا الفعل المُشَوّه الهجين بدلالة سلبية يروج لها إعلاميا، كما فعل في ربط الجهاد والمقاومة بداعش وغيرها من الحركات المتشددة.

- هذا لا يعني أن الاستعمار العسكري لم يمهد للاستعمار الثقافي في ذلك الوقت، حيث شهدنا اهتمام المستعْمِرين ولضمان هيمنتهم الاستعمارية؛ بتدمير التعليم الموجود، واستبداله بمنهجهم التعليمي الذي يبدأ باللغة، وهي النقطة المركزية في الهوية، لينتهي بتغيير البنية المعرفية ومصادرها. وكان ينشط في القرى التي لا وجود لمدارس تعليمية فيها، ليبني فيها هذ المدارس، ويستقطب إليها الأطفال، وهم الأسهل في التشكيل وفق إرادة المُستَعمِر. ولعل لمحمد أركون(1) قصة عايشها في هذا الصدد، منذ دخوله للمدارس الفرنسية في بلاده المحتلة، إلى ذهابه إلى فرنسا لاستكمال دراساته العليا، ومدى تأثره المعرفي بالمدرسة الغربية.

نجحت استراتيجيته التدميرية في الماضي نوعا ما في إرضاخ الشعوب والدول لأسباب كثيرة ليس هنا محل ذكرها، لكن مع التقادم فشل الاستعمار دوما تحت ضربات المقاومة غالبا والمقاومين. هذا الفشل يأتي في أحد أسبابه المهمة، غياب مصدر معرفي مهم متعلق بالسماء والعقل، وهو البعد المعنوي في المعركة وفي البنية العقلية والروحية للإنسان العربي والمسلم في المنطقة

- وتكرس هذا المنهج في الاستعمار الثقافي، بعد فشل الاستعمار العسكري نتيجة المقاومات الشعبية التي استطاعت انتزاع حريتها بدمها وسيفها، إلا أن الاستعمار عاد إليها بما سمي لاحقا في الثمانينيات من القرن العشرين بـ"نظرية ما بعد الاستعمار" (Post-colonial theory).

وهذه البَعْدِيّة لُغَوِيّا تشي في دلالاتها الظاهرية بانتهاء الاستعمار، كما يراد لها أن تدلل عليه، لكنها في الحقيقة هي تأخذنا من الاستعمار العسكري، إلى الاستعمار الثقافي. فلكي تستمر هيمنة الدول الاستعمارية على مقدرات هذه الدول، لكن دون احتلال جغرافي، وتوفيرا لكلفة بناء المستوطنات، ولدرء ارتفاع منسوب غضب شعوبها نتيجة الارتفاع الكبير في عدد القتلى من العسكر المحتلين، قامت بتعزيز تقويض سيادة الدول، وزادت من سياسة التدّخل في شؤونها الداخليّة، تحت مسميات وعناوين كثيرة، منها على سبيل المثال "الاتفاقيات الأمنية" التي شرعنت قيام قواعد عسكرية متقدمة في منطقتنا، هي أذرع قتال عسكري للتدخل السريع إذا ما اضطر الأمر أو تهددت مصالحها الاستراتيجية، وسارت الأمور عكس رغبتها وتطلعاتها للمنطقة. فمثلا ظهور الأمم المتحدة رافقه نظام "بروتن وودز" الذي أسس لمرحلة جديدة، فهو نظام نقدي صُمّم لتعزيز الاستمرار الاقتصادي الدولي، وتسهيل التبادلات التجارية بين الدول، من خلال تثبيت الصرف بين العملات الرئيسية والدولار الأمريكي، والذي كان مرتبطا بسعر الذهب. لكن النظام رهن دول عالم الجنوب لضرب آخر من السيطرة، وهو ما أسفر عن نمط جديد للاستعمار، والذي يقوم على الهيمنة الناعمة غير المباشرة.

فالاستعمار العسكري بعد بروز القوة الأمريكية، أجبر قوى الاستعمار القديم كبريطانيا وفرنسا، للجوء إلى طرق غير مكلفة، ولا يتوفر على غطاء مقنع من القانون الدولي، لذلك لجأت هذه الدول مكرهة إلى مبدأ "الاستعمار غير المباشر"، وهو استعمارا مناورا ومتخفيّا بأثواب الثقافة والفلسفة والاقتصاد والسياسة، يقوم على تأويل فاسد للقانون الدولي، واعتماد مبدأ لعبة الأمم.

- وعادة تقييمات المُسْتعمِر للجغرافيا المُستَعمَرة واستراتيجياته التي يضعها لمواجهة المقاومة فيها، أو لكيفية تمكين استعماره أكثر، عادة ما تقع في أخطاء قاتلة، ومع ذلك هو يكررها دوما، ويقع ضحية خلله المعرفي وقراءته الخاطئة للمنطقة والمجتمع المُسْتَعْمَر، لأن انطلاقته المعرفية في التقييم ورسم الاستراتيجيات، وقراءة الآخر المُسْتَعْمَر، تنطلق من مصادر للمعرفة ذات بعد مادي تجريبي حسي استعلائي استعماري فقط، حتى في تقييمه لهذه المجتمعات ولمقاومتها. لذلك نجده يعتمد كثيرا على التدمير والقتل والتهجير، لفهمه المادي للإنسان، وطبيعته.

طبعا نجحت استراتيجيته التدميرية في الماضي نوعا ما في إرضاخ الشعوب والدول لأسباب كثيرة ليس هنا محل ذكرها، لكن مع التقادم فشل الاستعمار دوما تحت ضربات المقاومة غالبا والمقاومين. هذا الفشل يأتي في أحد أسبابه المهمة، غياب مصدر معرفي مهم متعلق بالسماء والعقل، وهو البعد المعنوي في المعركة وفي البنية العقلية والروحية للإنسان العربي والمسلم في المنطقة (القرآنية، العقدية، القومية، التاريخية، النقلية، القبلية وسمات القبيلة المهمة في هذا الصدد)، وهي أغلبها من مُحَدّدات الهوية العَقَدِيّة.

وقفة مع البدايات:

كانت الصراعات منذ القرن التاسع عشر قائمة على التوسع المنهجي جغرافيا، خاصة بعد سقوط الدولة العثمانية والتسابق بين القوى العظمى على وراثة الإرث الجغرافي العثماني، خاصة تلك الجغرافيا الغنية من جهة بالثروات ومن جهة أخرى بمواقع استراتيجية رابطة ومحورية في المسارات التجارية، هذا فضلا عن الاهتمام بنقاط القوة التي تجمع هذه الجغرافيا وأهمها على الإطلاق الدين والعروبة والأوطان.

انتهت حقبة الاستعمار المباشر العسكري من قبل الغرب بعد اتفاقية "سايس بيكو" التقسيمية، لكنها زرعت في منطقتنا استعمارا من نوع آخر: الكيان الصهيوني الذراع الاستعمارية المتقدمة للغرب

ولتحقيق استراتيجيات نابليون التوسعية تم توظيف التالي:

- الخطابات الدينية.

- استحضار تاريخ الصراعات خاصة بين الصليبيين والمسلمين.

- توظيف الجغرافيا في ضرب نقاط قوتها الخاصة في منطقتنا.

- كان الخوف يكمن في استمرار تلاقي القوة القومية العروبية خاصة مع القوة الدينية الإسلامية، واستمرار الجمع بين هاتين القوتين يشكل مركز قوة ردع لكل محاولات التوسع والهيمنة.

هذا فضلا عما تشكله الجغرافيا الممتدة من النيل إلى الفرات من ثراء تمثل في:

- ثراء معرفي تاريخي متراكم شيد حضارات عدة عكست التنوع العرقي والديني والثقافي في هذا الامتداد.

- ثراء مادي غني بالمياه والموانئ وطرق التجارة والثروات المعدنية بما فيها النفط.

- ثراء هوياني قائم على مشتركات غزيرة في الهوية تمثل ثقل وقوة جامعة في هذه المنطقة، قادرة دوما على بناء حسور رابطة بين الشعوب، وهو ما يخشاه دوما أي مشروع توسعي استعماري. فجاء الاستعمار بعد سقوط الدولة العثمانية، ليعزز توسعه الجغرافي بخطوة أولية تضمن له ضرب الاتصال العروبي الاسلامي، وتعبد له الطريق للدخول والخروج لمنطقتنا كيف ما شاء ووقت ما شاء.

وكانت هذه الخطوة باصطناع كذبة دينية إنجيلية توراتية اسمها وطن اليهود، وحقهم التاريخي في أرض كنعان. وكان أول من التفت إلى هذه الفكرة هو "نابليون بونابارت"(2)، حيث يقول المفكر محمد حسنين هيكل في كتابه "المفاوضات السرّية بين العرب وإسرائيل": "إن بذور المقدّسات: المحرّمات العربية تجاه الصهيونية وإسرائيل تعود في بداياتها وأصولها إلى القرن التاسع عشر".

ثم لفت هيكل إلى أنه "طوال القرن التاسع عشر كان العالم مشغولا بأربع قضايا: ظاهرة الوطنية، وظاهرة التسابق إلى المستعمرات والتنافس عليها بين القوى الأوروبية، والمسألة الشرقية أي التربّص بإرث الخلافة العثمانية، والمسألة اليهودية. فقد كان اليهود هدف عداء استفحل خصوصا حول تواجد كثافة الوجود اليهودي في شرق أوروبا وروسيا، ووقتها كان 90 في المائة منهم يعيشون على تخوم ما بين روسيا وبولندا".

واستطاع نابليون -حسب هيكل- الربط والتوليف بين المسائل الأربع، وقد التقط في البداية آخرها وهي المسألة اليهودية.

وكانت حملة نابليون على مصر التي سميت حملة النيل كما يرى هيكل تستهدف هدفين:

"احتلال مصر كبداية لعملية إرث الخلافة، والزحف منها إلى فلسطين والشام. فنابليون لم يكن ينظر إلى مصر وحدها، وإنما كان يراها في اتصال غير قابل للانفصال مع السهل السوري الذي يشكّل معها حجر زاوية قائمة تحيط بالشاطئ الشرقي الجنوبي للبحر المتوسّط، وهذه الزاوية القائمة بضلعها الجنوبي في مصر تمدّ تأثيرها بالعرض إلى كل الساحل الشمالي لأفريقيا وبالطول إلى الجنوب حتى منابع النيل، ثم إنها بضلعها الشمالي في سوريا تلامس حدود بلاد ما بين النهرين وشبه الجزيرة العربية والخليج وحتى طرق الاقتراب البري والبحري إلى فارس والهند".

واختياره لتلك المنطقة يعود لذكرياته التاريخية في الحرب الصليبية الاسلامية، وما شكلته هذه المنطقة الجنوبية سواء من خطر خارجي أو من الإسلام والعروبة في مصر وسوريا (ضلعي الزاوية)، اللتين سبق لهما خلال الحروب الصليبية أن صنعتا قوة ذاتية تتشجّع على الانفلات من قبضته. وهو ما يتطلب زراعة كيان لا عروبي ولا إسلامي، تابع لفرنسا وفي ذات الوقت مناهض للعروبة والإسلام، فيفصل ثقل القوة عن بعضه ليصبح بونابارت أكثر قدرة على التحكم والهيمنة وتطويع المنطقة لإمبراطوريته الحالمة.

لذلك وظف نابليون لهذا الهدف الخطاب الديني في ورقته اليهودية التي وزعت على كل اليهود كنداء منه إليهم، حيث قال:

"من نابليون بونابرت القائد الأعلى للقوات المسلّحة للجمهورية الفرنسية في أفريقيا وآسيا إلى ورثة منطقة فلسطين الشرعيين.. أيها الإسرائيليون، أيها الشعب الفريد، الذي لم تستطع قوى الاحتلال والطغيان أن تسلبه اسمه ووجوده القومي، وإن كانت قد سلبته أرض الأجداد فقط.

إن مراقبي مصائر الشعوب الواعين المحايدين -وإن لم تكن لهم مقدرة الأنبياء مثل إشعياء ويوئيل- قد أدركوا ما تنبّأ به هؤلاء بإيمانهم الرفيع أن عبيد الله (كلمة إسرائيل في اللغة العبرية تعني أسير الله أو عبد الله) سيعودون إلى صهيون وهم ينشدون، وسوف تعمّهم السعادة حين يستعيدون مملكتهم من دون خوف.

انهضوا بقوة أيها المشرّدون في التيه، إن أمامكم حربا مهولة يخوضها شعبكم بعد أن اعتبر أعداؤه أن أرضه التي ورثها عن الأجداد غنيمة تقسّم بينهم حسب أهوائهم.. لا بدّ من نسيان ذلك العار الذي أوقعكم تحت نير العبودية، وذلك الخزيّ الذي شلّ إرادتكم لألفي سنة. إن الظروف لم تكن تسمح بإعلان مطالبكم أو التعبير عنها، بل إن هذه الظروف أرغمتكم بالقسْر على التخلّي عن حقكم، ولهذا فإن فرنسا تقدّم لكم يدها الآن حاملة إرث إسرائيل، وهي تفعل ذلك في هذا الوقت بالذات، وبالرغم من شواهد اليأس والعجز.

الاستعمار الثقافي الذي يحفر عميقا بشكل ناعم في مفاهيم الإنسان ومسلماته، ويعمل على مسحها، وبرمجتها من جديد وفق محددات استراتيجية معرفية ترسم معالم هوية أخرى خارجة في بنيتها الفلسفية عن مصدرية السماء والعقل في التشريع والتقنين، وبالتالي إدخال الفرد في متاهات لا جذور لها معرفيا، تقوم على المادية والنسبية في رؤيتها الكونية

إن الجيش الذي أرسلتني العناية الإلهية به، ويمشي بالنصر أمامه وبالعدل من ورائه، قد اختار يروشلايم مقرا لقيادته، وخلال بضعة أيام سينتقل إلى دمشق المجاورة التي استهانت طويلا بمدينة داود ملك إسرائيل وأذلّتها.

يا ورثة فلسطين الشرعيين..

إن الأمّة الفرنسية التي لا تتاجر بالرجال والأوطان كما فعل غيرها، تدعوكم إلى إرثكم بضمانها وتأييدها ضد كل الدخلاء. انهضوا وأظهروا أن قوة الطغاة القاهرة لم تخمد شجاعة أحفاد هؤلاء الأبطال الذين كان تحالفهم الأخوي شرفا لأسبرطة وروما، وأن معاملة العبيد التي طالت ألفي سنة لم تفلح في قتل هذه الشجاعة.

سارعوا، إن هذه هي اللحظة المناسبة -التي قد لا تتكرّر لآلاف السنين- للمطالبة باستعادة حقوقكم ومكانتكم بين شعوب العالم، تلك الحقوق التي سلبت منكم لآلاف السنين وهي وجودكم السياسي كأمّة بين الأمم، وحقكم الطبيعي المُطلق في عبادة إلهكم يهواه، طبقا لعقيدتكم، وافعلوا ذلك في العلن وافعلوه إلى الأبد".

فكان السعي لأسباب عدة أهمها:

- التخلص من اليهود في أوروبا لدورهم التاريخي في مناهضة المسيحية، وفي الهيمنة الاقتصادية وهو ما يشكل دوما خطر وجودي على تلك الدول.

- الهيمنة والتوسع المستديمين، عبر فهم الجغرافيا واللعب على نقاط قوتها وضعفها.

- تفتيت نقاط القوة وتهشيمها لتتحول إلى نقاط ضعف، من خلال خلق كيان يهودي قومي ديني قادر على تنفيذ خطط الهيمنة والاستعمار دوما، وضمان بقاء هذه المنطقة الغنية بالثروات المادية والمعنوية تحت نفوذ الغرب.

- انتهت حقبة الاستعمار المباشر العسكري من قبل الغرب بعد اتفاقية "سايس بيكو" التقسيمية، لكنها زرعت في منطقتنا استعمارا من نوع آخر: الكيان الصهيوني الذراع الاستعمارية المتقدمة للغرب، حيث التقت رغبات الغرب التوسعية والهيمنة على الثروات، مع خيالات دينية توراتية لوطن قومي لليهود.

- الاستعمار الثقافي الذي يحفر عميقا بشكل ناعم في مفاهيم الإنسان ومسلماته، ويعمل على مسحها، وبرمجتها من جديد وفق محددات استراتيجية معرفية ترسم معالم هوية أخرى خارجة في بنيتها الفلسفية عن مصدرية السماء والعقل في التشريع والتقنين، وبالتالي إدخال الفرد في متاهات لا جذور لها معرفيا، تقوم على المادية والنسبية في رؤيتها الكونية. وهذا للتمهيد الناعم للقبول بالذراع الاستعماري المزروع في قلب المنطقة، فلسطين، الزاوية التي كانت تاريخيا تصل بين العروبة والاسلام.
__________
هوامش:
(1) مفكر ومؤرخ وعالم دراسات إسلامية وفيلسوف حداثي وباحث جزائري، ولد في الجزائر وعاش في فرنسا، ودفن في المغرب، آمن بما وراء الحداثة، لكنه شعر بالإحباط من نظرة الأوروبيين إليه كمسلم تقليدي كانت زاوية النظر لديه في قراءة الإسلام تنطلق من تأثره بالنظريات الغربية، فهو ينتقد العقل الإسلامي بلسان فرنسي، وبعقل استشراقي غربي. وكان له دور بارز في إثراء الفكر والحوار والجدل، وكشفه لثغرات هامة في قراءة النص الديني، إلا أن زواياه في قراءة النص كانت تنطلق من زاوية استشراقية تسقط التجربة الغربية الدينية على واقعنا الإسلامي.
(2) قائد عسكري سياسي فرنسي إيطالي الأصل، بزغ نجمه خلال أحداث الثورة الفرنسية، وقاد عدة حملات عسكرية ناجحة ضد أعداء فرنسا خلال حروبها الثورية.
التعليقات (0)