لا شكّ أنّ غالبيّة العراقيّين بمختلف هويّاتهم
الدينيّة والقوميّة والعرقيّة يحبّون السلام والأمن لبلادهم ولبقيّة الدول، وهم
متعاطفون بقوّة مع معاناة أهلهم في غزّة ولبنان والسودان واليمن.
وبالتزامن مع الضربات "الإسرائيليّة"
للجنوب اللبنانيّ، منتصف أيلول/ سبتمبر 2024، تنوّعت المواقف العراقيّة الرسميّة، والمسلّحة
المتعاطية مع الحدث.
وتوافق التصعيد "الإسرائيليّ" في
جنوب لبنان وبيروت مع زيارة رئيس الوزراء العراقيّ محمد شياع السوداني إلى نيويورك، الذي دعا من هناك إلى عقد "اجتماع طارئ" لرؤساء الوفود العربيّة في
الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة؛ "لوقف سلوك
إسرائيل الإجراميّ في لبنان".
وبعد أقلّ من (24) ساعة، أصدر السوداني توجيهاته بتسهيل إجراءات التأشيرة والإقامة
لمواطني لبنان.
ومقابل المواقف الرسميّة العاجلة، توعّدت بعض "فصائل
المقاومة الإسلاميّة" يوم 26 أيلول/ سبتمبر 2024 "إسرائيل"
بالمشاركة في أيّ حرب مفتوحة.
وبعد ثبوت اغتيال زعيم حزب الله اللبنانيّ حسن
نصر الله، كان
العراق الدولة الأولى التي أعلنت الحداد الرسميّ لثلاثة أيّام! وبعدها
بساعات حاول المئات من عناصر الجماعات المسلّحة عبور الجسر المعلّق ببغداد باتّجاه
السفارة الأمريكيّة، وهذا الفعل أحرج حكومة السوداني، التي طالبتها السفيرة الأمريكيّة
في بغداد إلينا رومانسكي "بحماية موظّفينا الدبلوماسيّين وضرورة إيقاف
الهجمات"، والسفيرة، قبل غيرها، تعلم بأنّ الحكومة عاجزة عن ضبط تلك الجماعات!
أُعلن الموقف الرسميّ عبر بيان للداخليّة العراقيّة، التي أكّدت بأنّ "عناصر خارجة عن القانون، تحاول تعكير صفو الأمن بعد قصف المطار".
والموقف الآخر الذي أحرج السوداني، تمثّل في إقامة
المرجع الشّيعيّ الأعلى "علي السيستاني"
مجلس عزاء لنصر الله، وبهذا لا يمكن للحكومة بعدها أن تعترض على هجمات الفصائل
المسلّحة؛ لأنّها مدعومة بموقف السيستاني.
ولا يمكن نكران مشاركة بعض الفصائل العراقيّة
في توجيه ضربات صاروخيّة، وهجمات بطائرات مسيّرة لقاعدة فيكتوريا الأمريكيّة في بغداد، وأهداف "إسرائيليّة" بصواريخ "كروز مطوّر".
وفي المقابل، أُعلن الموقف الرسميّ عبر بيان للداخليّة
العراقيّة، التي أكّدت بأنّ "عناصر خارجة عن القانون، تحاول تعكير صفو الأمن
بعد قصف المطار".
وفي تهديد هو الأوّل من نوعه، قال المتحدّث
باسم الجيش "الإسرائيليّ"، دانيال هاغاري: "نراقب بدقّة التهديدات
التي تأتينا من العراق، وسوف نفعل ما يلزم". وقتل، ليلة السبت الماضي، أكثر من
(18) مسلحا عراقيّا، في قصف جوّيّ مجهول على منطقة البوكمال عند الحدود العراقيّة
السوريّة!
ومع ذلك، لم تكف تلك الفصائل عن تهديداتها، وقد
كشف الأمين العامّ لكتائب "سيّد الشهداء" أبو آلاء الولائي استعداده
لإرسال "سيل بشريّ عراقيّ تكتظ به حدود لبنان".
وهكذا، يبدو أنّ المنطقة عموما، والعراق خصوصا،
تتّجه نحو حرب ساحقة، وبالذات مع الضربات الإيرانيّة إلى العمق "الإسرائيليّ"
ليلة الثلاثاء الماضي، وربّما، بعضها نُفِّذ بجهود بعض الفصائل العراقيّة، التي
يبدو أنّها تتحرّك خلافا لتوجّهات حكومة السوداني.
يبدو أنّ العراق سيكون مجدّدا ساحة لتصفية الحسابات الإيرانيّة الإسرائيليّة والأمريكيّة، وربّما ستجد واشنطن "وإسرائيل" هذه التهديدات مناسبة للتخلّص من القيادات الفاعلة للفصائل العراقيّة.
وتحاول تلك الفصائل تركيز عملها العسكريّ، وربّما
السياسيّ، على الوجود الأمريكيّ في العراق، لدفع واشنطن للضغط على حكومة نتنياهو
لوقف الضربات القاسية على لبنان، ولكن هذا الأسلوب أثبت، خلال معارك طوفان الأقصى
في غزّة، عجزه عن تحقيق أيّ أهداف؛ ومن ثم لا يمكنهم أن يُحرجوا واشنطن، التي
تتعامل بسياسة ردود الفعل العسكريّة الدقيقة والمدروسة، التي طالت بعض قيادات
الفصائل، وكذلك قد تجد تلك الفصائل نفسها منفردة في الميدان؛ بسبب تراجع المواقف "المتشنّجة"
لبعض القيادات العراقيّة السياسيّة والقريبة من الفصائل، لعدم رغبتهم في "إزعاج"
واشنطن.
ولا أظنّ أنّ "إسرائيل" أو واشنطن
ستغضّ الطرف عن الانتقام من الضربات الصاروخيّة والطائرات المسيّرة التي نفذتها
الجماعات العراقيّة، ومن ثم فإنّ أرض الرافدين يمكن أن تسير لمنعطفات خطيرة، وستُستهدف
الفصائل المسلّحة التي اعترفت صراحة بتلك العمليّات، وقد تُدْخِل العراق
"المتراخي أمنيّا" في دهاليز مظلمة.
وهذا الكلام، لا يعني بالضرورة أن تُوجّه
الطائرات المسيّرة "الإسرائيليّة" ضرباتها داخل العراق، ولكن ربّما
ستُوكل هذه المهمّة للطائرات المسيّرة الأمريكيّة المتحكّمة بالأجواء العراقيّة
بوضوح.
وهكذا، يبدو أنّ العراق سيكون مجدّدا ساحة
لتصفية الحسابات الإيرانيّة الإسرائيليّة والأمريكيّة، وربّما ستجد واشنطن
"وإسرائيل" هذه التهديدات مناسبة للتخلّص من القيادات الفاعلة للفصائل
العراقيّة.
ورغم ذلك، شدّد المسؤول في كتائب "حزب الله
العراقيّ" أبو علي العسكري، على أنّه "إذا بدأت حرب الطاقة، سيخسر العالم
12 مليون برميل نفط يوميّا، إما ينعم الجميع بالخيرات أو يحرم الجميع".
العراق سيكون ضمن معادلة حرب الطائرات المسيّرة المرتقبة، لضرب كبار قادة الفصائل المتعاطفة مع الأجندات الخارجيّة، والمستهدفة للوجود الأمريكيّ في العراق.
وهذه ربّما تهديدات مبطّنة باحتمالية التصعيد
ضدّ بعض الدول العربية، وقد تكون داعمة لتهديدات القياديّ "أبو
آلاء الولائي"، يوم 27 أيلول/ سبتمبر 2024، "بضرب الإمارات في حال اندلاع حرب شاملة في المنطقة".
وقبل
ساعات، أعلنت فصائل عراقيّة مهاجمة ثلاثة أهداف في الجولان وطبريا بطائرات مسيّرة. ورغم هذه الهجمات، أرى أنّ المشهد
العراقيّ، خلال الأسبوع الماضي، شهد حالة من "التراخي العملياتيّ"،
وربّما هنالك تهديدات حقيقيّة بالتصفية وصلت إلى بعض قيادات الفصائل.
يبدو أنّ العراق سيكون ضمن معادلة حرب الطائرات
المسيّرة المرتقبة لضرب كبار قادة الفصائل المتعاطفة مع الأجندات الخارجيّة، والمستهدفة للوجود الأمريكيّ في العراق!
هي الحرب، والفوضى، وهي صفحة جديدة لا نعرف متى،
وكيف ستطوى؟ الأيّام المقبلة مليئة بأحداث قد تعيد العراق إلى المربّع الأوّل، مربّع
الفوضى والاغتيالات والتهجير والرعب.
x.com/dr_jasemj67