في
مقابلة أجريت معه مؤخرا في صحيفة معاريف
الإسرائيلية، صرّح رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي
السابق، عامي أيالون، أنه لو كان فلسطينيا لَحارب أولئك الذين سرقوا أرضه "بلا
حدود". وأضاف: "فيما يتعلق بالفلسطينيين، فقد فقدوا أرضهم، ولهذا السبب عندما
يسألني الناس عما كنت سأفعله لو كنت فلسطينيا، أقول إنه إذا جاء شخص وسرق أرضي، أرض
إسرائيل، فسأقاتله بلا حدود". وأكد أيالون أن
الفلسطينيين "يرون أنفسهم كشعب.
ومن مآسينا أننا نراهم كأفراد، بعضهم جيد، وبعضهم سيئ".
وفي
خضم موجة الإدانات الإسرائيلية والمؤيدة لإسرائيل للفلسطينيين بوصفهم برابرة، ومعادين
للسامية، وقتَلة، وإرهابيين، ومتوحشين، وحيوانات بشرية، من بين أوصاف عنصرية أخرى أطلقها
عليهم عدد كبير من القادة الإسرائيليين كجزء من الدعاية السياسية، كان العديد من أبرز
قادة إسرائيل، مثل أيالون، في الواقع يتماهون دائما مع النضال الفلسطيني، ويعترفون
علنا بأنهم لو كانوا فلسطينيين وليسوا مستعمِرين يهودا، لانخرطوا فورا في النضال ضد
الصهاينة وإسرائيل.
وذلك
ينطبق حتى على وزير الدفاع الإسرائيلي سيئ الذكر موشيه ديان الذي فهم نضال أهل غزة
ومقاومتهم للاستعمار الإسرائيلي. ففي نيسان/ أبريل 1956، قتلت
المقاومة الفلسطينية
ضابط أمن في مستعمرة نحال عوز، التي أقيمت في عام 1953 على بعد ميل واحد من حدود غزة.
وكان الضابط قد ضرب العديد من الفلسطينيين قبل قتله ببضعة أيام عندما ضبطهم وهم يحاولون
العودة إلى أراضيهم بعد أن طردهم الإسرائيليون منها، وأجبرهم على العودة إلى غزة. أصر
ديان على تذكير المشيعين في جنازة الضابط بأنه "لا ينبغي لنا اليوم أن نلقي باللوم
على القتلة. فمن نحن حتى نعترض على كراهيتهم؟
ليس أيالون أول زعيم إسرائيلي يفهم جيدا نضال الفلسطينيين لإنهاء الاستعمار الاستيطاني الصهيوني ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي، بل هو في الواقع جزء من قائمة طويلة من الزعماء الصهاينة والإسرائيليين، الذين أكدوا دون تردد عبر العقود فهمهم أو حتى تماهيهم مع النضال الفلسطيني
فهم يجلسون منذ ثماني سنوات في مخيمات
اللاجئين في غزة، وأمام أعينهم، نحول الأرض والقرى التي عاشوا فيها هم وأجدادهم إلى
منازلنا.. نحن جيل من المستوطنين، وبدون الخوذة الفولاذية والمدفع لا يمكننا أن نزرع
شجرة ونبني منزلا".
ينبغي
التذكير هنا بأن تصريحات أيالون الأخيرة لصحيفة معاريف ليست بجديدة، فقد أعلن في مقابلة
سابقة مع محطة التلفزيون الأمريكية "إيه بي سي" بأنه لو كان فلسطينيا
"لقاتلت إسرائيل من أجل تحقيق حريتي. سأفعل كل شيء لتحقيق حريتي".
ليس
أيالون أول زعيم إسرائيلي يفهم جيدا نضال الفلسطينيين لإنهاء الاستعمار الاستيطاني
الصهيوني ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي، بل هو في الواقع جزء من قائمة طويلة من الزعماء
الصهاينة والإسرائيليين، الذين أكدوا دون تردد عبر العقود فهمهم أو حتى تماهيهم مع
النضال الفلسطيني.
في
حديثه عن المقاومة الفلسطينية في عام 1923، أكد فلاديمير جابوتنسكي، مؤسس الحركة
الصهيونية التصحيحية، الذي خلفه مناحيم بيغن فيما بعد، أن
"أي
شعب أصلي -سواء أكان متحضرا أم متوحشا- ينظر إلى بلده باعتباره وطنه القومي، والذي
سيكون دائما هو سيده بالكامل. ولن يسمح طواعية، ليس فقط بسيد جديد، بل وحتى بشريك جديد.
وهذا هو الحال بالنسبة للعرب. يحاول المساومون بيننا إقناعنا بأن العرب نوع من الحمقى
الذين يمكن خداعهم.. [وأنهم] سيتخلون عن حقهم في فلسطين من أجل مكاسب ثقافية واقتصادية.
أرفض تماما هذا التقييم للعرب الفلسطينيين، إنهم متأخرون عنا ثقافيا بخمسمائة عام،
وروحيا لا يتمتعون بقدرتنا على التحمل أو قوة إرادتنا، ولكن هذا يستنفد كل الاختلافات
الداخلية.. إنهم ينظرون إلى فلسطين بنفس الحب الغريزي والحماس الحقيقي الذي نظر به
أي أزتيكي إلى المكسيك أو أي "سو" (أو "داكوتا" وهي إحدى
قبائل الهنود الأصليين في أميركا الشمالية) إلى البراري.. إن هذا الخيال الطفولي لـ"محبي
العرب" فيما بيننا يأتي من نوع من الاحتقار للشعب العربي... [حيث إنهم
يعتبرون] هذا العرق حثالة وبأنهم مستعدون لقبول الرشوة أو بيع وطنهم مقابل شبكة سكك
حديدية".
لقد
أدرك جابوتنسكي جيدا أن الفلسطينيين "ليسوا رعاعا، بل أمة". وبوصفه كان فاشيا
معجبا بموسوليني، لم يسمح جابوتنسكي لعنصريته ضد الفلسطينيين بأن تعميه عن الظروف على
الأرض، وهذا هو السبب بالتحديد وراء سعيه إلى محاربة الفلسطينيين وإخضاعهم للحكم الصهيوني
وتهجيرهم. ولكن جابوتنسكي لم يتماهَ مع الفلسطينيين رغم محاولته مساواتهم باليهود الأوروبيين
(مع حفظ الاختلاف) على مستوى التعلق بوطنهم واستخدام العنف للدفاع عن بلادهم.
وقد
ذهب صهاينة آخرون إلى أبعد من ذلك. فمثلا، فهم ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل،
النضال الفلسطيني تمام الفهم وتماهى معه، رغم التزامه بقهر هذا الشعب. وكان قد
عبّر عن تماهيه على النحو التالي:
من الأهمية بمكان أن نلاحظ أنه في هذه التصريحات، لم يعتقد أي من هؤلاء القادة الإسرائيليين أن السبب وراء مقاومة الفلسطينيين لإسرائيل هو يهودية إسرائيل. بل على العكس من ذلك، فقد أكدوا جميعا أن سبب مقاومة الفلسطينيين لإسرائيل واليهود الإسرائيليين هو أن الإسرائيليين سرقوا بلادهم وأراضيهم، واضطهدوهم، وحرموهم من استقلالهم وحريتهم
"لو كنت زعيما عربيا لما عقدت أبدا أي اتفاقات مع إسرائيل. وهذا
أمر طبيعي؛ فقد استولينا على بلادهم. صحيح أن الله وعدنا بها، ولكن لماذا يكترثون لهذا
الزعم؟ إلهنا ليس إلههم. لقد جئنا من إسرائيل، هذا صحيح، ولكن كان ذلك كان قبل ألفي
عام، وماذا يعني ذلك بالنسبة لهم؟ لقد عانينا من معاداة للسامية، والنازيين، وهتلر،
ومعسكر أوشفيتز، ولكن هل كان ذلك خطأهم؟ إنهم لا يرون سوى شيء واحد: لقد أتينا وسرقنا
بلادهم. لماذا ينبغي عليهم أن يقبلوا ذلك؟".
لقد
استمر القادة الصهاينة في التعاطف مع الفلسطينيين في العقود التالية، وكان رئيس الوزراء
الإسرائيلي السابق إيهود باراك هو الأكثر تعاطفا. كان باراك عضوا في وحدة كوماندوز
إسرائيلية أُرسلت إلى بيروت في عام 1973 لقتل ثلاثة ثوار فلسطينيين. وفي مقابلة مع
صحيفة هآرتس الإسرائيلية، أكد باراك أنه "لو كنت فلسطينيا، لكنت انضممت أيضا إلى
جماعة إرهابية". إن تعاطف باراك مع الفلسطينيين غير مشروط. هنا، كانت ليا رابين،
أرملة إسحاق رابين التي شاركت في الغزو الصهيوني لفلسطين عام 1948، أكثر ذكاء في التعبير
عن تعاطفها مع الفلسطينيين من جميع القادة الصهاينة الآخرين. فقد أكدت في عام 1997:
"نحن [
اليهود] استخدمنا الإرهاب لإقامة دولتنا، فلماذا نتوقع من الفلسطينيين أن
يكونوا مختلفين؟". وفحوى مقولة رابين هي أن الفلسطينيين شأنهم شأن اليهود، ولا
يختلفون عنهم على الإطلاق.
من
الأهمية بمكان أن نلاحظ أنه في هذه التصريحات، لم يعتقد أي من هؤلاء القادة الإسرائيليين
أن السبب وراء مقاومة الفلسطينيين لإسرائيل هو يهودية إسرائيل. بل على العكس من ذلك،
فقد أكدوا جميعا أن سبب مقاومة الفلسطينيين لإسرائيل واليهود الإسرائيليين هو أن الإسرائيليين
سرقوا بلادهم وأراضيهم، واضطهدوهم، وحرموهم من استقلالهم وحريتهم. إن الدعاية الكاذبة
التي تشنها الحكومة الإسرائيلية الحالية بأن عملية طوفان الأقصى استهدفت اليهود الإسرائيليين
باعتبارهم يهودا وليس باعتبارهم مستعمرين، وأنها كانت بالتالي الهجوم "الأكثر
دموية"
العنصرية الغربية العميقة تجاه الفلسطينيين هي السبب وراء عدم تفكير أي زعيم سياسي غربي قط فيما قد يفعله لو كان فلسطينيا، وذلك على النقيض من الزعماء الإسرائيليين الذين ما زالوا قادرين على التعاطف مع كفاح الفلسطينيين من أجل الاستقلال والحرية على الرغم من عنصريتهم الاستعمارية
على اليهود منذ المحرقة النازية -وهي اللازمة التي لم يكل القادة الغربيون
ووسائل الإعلام الغربية السائدة المطيعة من تكرارها- إنما تهدف إلى التغطية بشكل حاسم
على أن الاستعمار اليهودي الإسرائيلي لأرض الفلسطينيين هو السبب وراء مقاومة الفلسطينيين
لهم.
تهدف
هذه الأكاذيب إلى تبرئة اليهود الإسرائيليين من جريمة سرقة أرض الفلسطينيين، كما تتناقض
مع إصرار الفلسطينيين وكل القادة الصهاينة والإسرائيليين الذين، كما رأينا، فهموا دائما
طبيعة النضال الفلسطيني، أن المقاومة الفلسطينية تستهدف اليهود الإسرائيليين لأنهم
مستعمِرون وليس لأنهم يهود. لم يكن التعبير عن فهم النضال الفلسطيني والتماهي معه من
قبل نفس القادة الإسرائيليين الذين اضطهدوا الفلسطينيين؛ مجرد زخارف خطابية أو هفوات
وزلات لسان، بل إنه يكشف بصراحة عن فهم واضح لطبيعة العنف والقمع الذي مارسته إسرائيل
وما زالت تمارسه على الشعب الفلسطيني.
على
النقيض من الدعاية الإسرائيلية الرسمية وتكرارها من قبل القادة السياسيين الغربيين
ووسائل الإعلام الغربية السائدة، يبدو أن الفلسطينيين الذين قاوموا الاستعمار الصهيوني
منذ أوائل ثمانينيات القرن التاسع عشر ليسوا استثناء بين الشعوب على الإطلاق؛ بل إن
الفلسطينيين، وفقا للقادة الإسرائيليين المذكورين أعلاه، يشبهون إلى حد كبير اليهود
الصهاينة المستعمِرين الذين يضطهدونهم ولا يختلفون عنهم كثيرا في التزامهم بقضيتهم
والنضال من أجلها. إن الفارق الوحيد بينهما، على ما يبدو، هو أن الفلسطينيين ليسوا
يهودا، وبالتالي لا يمكن أن يتمتعوا بالاحترام والإعجاب الغربيين اللذين يستحقهما أي
شعب قاوم الاستعمار لمدة قرن ونصف القرن.
وهذه
العنصرية الغربية العميقة تجاه الفلسطينيين هي السبب وراء عدم تفكير أي زعيم سياسي
غربي قط فيما قد يفعله لو كان فلسطينيا، وذلك على النقيض من الزعماء الإسرائيليين الذين
ما زالوا قادرين على التعاطف مع كفاح الفلسطينيين من أجل الاستقلال والحرية على الرغم
من عنصريتهم الاستعمارية.