قضايا وآراء

كيف يمكن للفلسطينيين تجاوز المحنة الراهنة؟

ياسر مناع
"الجماهير الفلسطينية تفتقد إلى القيادة الفاعلة، لا سيما في الضفة الغربية، حيث تعاني الفصائل الفلسطينية من حالة إنهاك شديدة أو تعرضت لاعتقالات إسرائيلية"- جيتي
"الجماهير الفلسطينية تفتقد إلى القيادة الفاعلة، لا سيما في الضفة الغربية، حيث تعاني الفصائل الفلسطينية من حالة إنهاك شديدة أو تعرضت لاعتقالات إسرائيلية"- جيتي
الحرب عادة ما تبدأ بقرار أحادي، لكن إنهاءها لا يكون ممكنا بقرار من طرف واحد فقط؛ فهي تتطور تدريجيا لتصبح ساحة تتداخل فيها الأطراف والمصالح بشكل معقد. في هذا السياق، تلعب كل من إسرائيل والولايات المتحدة دورا محوريا في تشكيل مجريات الأحداث وتوجيهها. وبحكم نفوذهما الكبير، تتشابك مصالحهما مع تطورات الصراع، مما يجعل إنهاء الحرب عملية معقدة تتطلب تدخل وتفاهم جميع الأطراف المعنية. ولكن يبقى السؤال الذي يطرحه العامة قبل النخبة: أين يكمن الدور الفلسطيني في كل هذا؟

رغم أن الطرح الذي يُقدّم في هذا المقال قد يبدو بعيدا عن الواقع، إلا أنه يمثل أحد السيناريوهات الممكنة التي يمكن النظر فيها كحل للخروج من الأزمة الراهنة. قد يبدو هذا الطرح غير عملي للبعض، لكنّه يعكس احتمالا يمكن استكشافه في إطار البحث عن حلول عملية للخروج من حرب الإبادة.

بعد شهور من الحرب الضارية التي تشهدها غزة والضفة الغربية، يظهر الوضع الفلسطيني في حالة من الفوضى الداخلية على المستوى الرسمي السياسي. حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة قد خلفت دمارا هائلا على المستويات المادية والثقافية والنفسية والصحية،
الخطوة الأساسية للخروج من هذه الأزمة تتمثل في التوصل إلى اتفاق مصالحة حقيقي وشامل، هذا الاتفاق ينبغي أن يؤسس لحكومة فلسطينية توافقية ذات برنامج سياسي واضح، وحتى وإن كان هذا البرنامج مؤقتا
في حين أن الضفة الغربية تعاني من توغل استيطاني متزايد، إضافة إلى الحرب متعددة الأذرع التي تخوضها إسرائيل ضد الفلسطينيين في جميع المحاور.

في ظل هذه الظروف الصعبة، نجد أن الجماهير الفلسطينية تفتقد إلى القيادة الفاعلة، لا سيما في الضفة الغربية، حيث تعاني الفصائل الفلسطينية من حالة إنهاك شديدة أو تعرضت لاعتقالات إسرائيلية، مما أدى إلى تآكل القيادة السياسية والتوجيه الفعال. وبات واضحا أن هناك انفصالا متزايدا بين الضفة وغزة، مما يعزز الشعور بالانفصال والتمزق بين الجانبين.

إن الخطوة الأساسية للخروج من هذه الأزمة تتمثل في التوصل إلى اتفاق مصالحة حقيقي وشامل، هذا الاتفاق ينبغي أن يؤسس لحكومة فلسطينية توافقية ذات برنامج سياسي واضح، وحتى وإن كان هذا البرنامج مؤقتا، يجب أن يركز على إدارة الشؤون اليومية للفلسطينيين، خاصة في غزة، عبر إعادة الإعمار ورفع الحصار.

من الضروري أن يكون هناك تنسيق فعّال بين مختلف الفصائل لتوحيد الجهود وتحقيق الأهداف المشتركة دون المساس في المقاومة. كذلك، من الضروري تشكيل فريق تفاوض وطني يتمتع بتوافق واسع وقادر على إدارة المفاوضات المباشرة مع إسرائيل. الهدف من هذه المفاوضات يجب أن يكون الخروج من الحرب الحالية والتوصل إلى اتفاق لتهدئة طويلة الأمد، تضمن للفلسطينيين حقوقهم الأساسية وتوفر لهم الأمن والاستقرار الذي يفتقدونه حاليا.

المسار الذي ستتبعه القيادة الفلسطينية بمختلف أطيافها -إن رغبت بذلك- في الفترة القادمة سيكون له تأثير كبير على مستقبل القضية الفلسطينية. المصالحة الوطنية وإعادة بناء المؤسسات الفلسطينية بشكل يتسم بالشمولية والفعالية قد تكونا الطريق الوحيد للخروج من الأزمة الحالية، إلا أن النجاح في تحقيق هذه الأهداف يتطلب شجاعة السلطة الفلسطينية

يجب أن يُنظر أيضا في إعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية لتضم كافة الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي. يمكن أن يتم ذلك دون الحاجة إلى إجراء انتخابات في الوقت الحالي، من خلال تشكيل إطار مؤقت يمثل الكل الفلسطيني ويهدف إلى تحقيق الأهداف الوطنية المشتركة، فإعادة بناء منظمة التحرير بشكل يشمل جميع الفصائل من شأنه تعزيز الوحدة الوطنية وتقديم رؤية شاملة للتعامل مع القضايا العالقة.

التساؤلات الكبرى

لكن، يظل السؤال الكبير قائما: هل السلطة الفلسطينية على استعداد لدفع أثمان هذه الخطوات الكبيرة؟ هل هي جاهزة لاتخاذ هذه القرارات الجريئة والمكلفة، أم أنها تنتظر حتى يتم إنهاك خصمها السياسي بشكل تام وتستفيد من الوضع الراهن لتدخل على هيئة "المخلص"؟

ختاما، إن المسار الذي ستتبعه القيادة الفلسطينية بمختلف أطيافها -إن رغبت بذلك- في الفترة القادمة سيكون له تأثير كبير على مستقبل القضية الفلسطينية. المصالحة الوطنية وإعادة بناء المؤسسات الفلسطينية بشكل يتسم بالشمولية والفعالية قد تكونا الطريق الوحيد للخروج من الأزمة الحالية، إلا أن النجاح في تحقيق هذه الأهداف يتطلب شجاعة السلطة الفلسطينية والعمل من أجل المصلحة العليا للشعب الفلسطيني.
التعليقات (0)