قضايا وآراء

جدلية التفاوض والإغاثة في الاستراتيجية الأمريكية

حازم عيّاد
استراتيجية التفاوض التي تطرحها أمريكا "فقدت قيمتها ومصداقيتها بعد أن تحولت إلى وسيلة للهروب من الهزيمة والفشل الاستراتيجي"- جيتي
استراتيجية التفاوض التي تطرحها أمريكا "فقدت قيمتها ومصداقيتها بعد أن تحولت إلى وسيلة للهروب من الهزيمة والفشل الاستراتيجي"- جيتي
تصريحات أنتوني بلينكن التي برر فيها مجزرة "تل السلطان" في رفح في أثناء زيارته مولدافيا، وتصريحات نائب السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة، روبرت وود، أمام مجلس الأمن بتبرير هجمات "إسرائيل" على قطاع غزة ومدينة رفح، لا تختلف في أهدافها عن دعوة المجتمع الدولي لترقب نتائج مفاوضات باريس، وهي المماطلة والتسويف؛ فتصريحات المسؤولين الأمريكيين تحدد موضع مفاوضات تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار من الاستراتيجية الأمريكية المتبعة تجاه قطاع غزة.

نائب المندوب الأمريكي وود وظف المفاوضات التي أطلقها وليام بيرنز في باريس مجددا كوسيلة لإعاقة مقترح قرار في مجلس الأمن الذي تقدمت به الجزائر، عبر مندوبها عمار بن جامع، لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، بشكل فاقم عزلة أمريكا بفيتو جديد، كما استخدم التحقيقات الداخلية الإسرائيلية للتهرب من ملاحقات الجنائية الدولية لقادة الاحتلال، أو الدعوات بإرسال محققين إلى قطاع غزة.

أمريكا من خلال التصريحات المتكررة للمسؤولين وعلى رأسهم أنتوني بلينكن؛ غير جادة في الوصول إلى اتفاق يفضي لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، وكل ما تريده من هذه المفاوضات التي يديرها وليام بيرنز، كسب الوقت وتوفير المبررات التي تسمح بإعاقة أي قرارات يمكن أن تقدم عبر مجلس الأمن أو الجمعية العامة أو محكمة العدل الدولية؛ لوقف الحرب أو تجريم الكيان الإسرائيلي في محكمتي الجنايات والعدل الدوليتين بشكل يفضي لفرض عقوبات عليها.

من قبل ذلك كله، فإن المبررات التي ساقها المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي لجرائم الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، تشير إلى أن أمريكا ماضية في دعم وتمويل ومشاركة الكيان المحتل في مجازره وعدوانه على قطاع غزة؛ بتبرير جرائمه وتوفير الغطاء لها عبر المفاوضات، أو عبر الحديث عن رصيف بحري وإنزال جوي لإيصال المساعدات.

جون كيربي كما وزير الخارجية بلينكن دافع عن جرائم الاحتلال، ملخصا ذلك بالقول؛ إن "إسرائيل" التزمت بإطلاق عملية محدودة في رفح، وأنها ملتزمة باستخدام الأسلحة المناسبة، بمعنى أنها لم تستخدم القنابل الكبيرة التي تزن 950 كغم (أي ما يقارب (الطن- 1000 كغم) لقتل المدنيين، مكتفية باستخدام قنابل أصغر لا تزيد زنتها عن 500 كغم، ولا تقل عن 250 كغم من طراز "جي بي يو 39"، التي كشفت عنها صحيفة نيويورك تايمز وشبكة "CNN" مؤخرا، خلال تحقيقات أجريت لبقايا القنابل التي انفجرت في خيم النازحين في "تل السلطان" برفح.

أمريكا من خلال التصريحات المتكررة للمسؤولين وعلى رأسهم أنتوني بلينكن؛ غير جادة في الوصول إلى اتفاق يفضي لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، وكل ما تريده من هذه المفاوضات التي يديرها وليام بيرنز، كسب الوقت وتوفير المبررات التي تسمح بإعاقة أي قرارات يمكن أن تقدم عبر مجلس الأمن أو الجمعية العامة أو محكمة العدل الدولية؛ لوقف الحرب أو تجريم الكيان الإسرائيلي في محكمتي الجنايات والعدل الدوليتين بشكل يفضي لفرض عقوبات عليها.

المفاوضات التي يديرها وليام بيرنز باتت وسيلة للحفاظ على زخم الهجوم وإعاقة جهود تعطيله إلى حين إيجاد إجابة لمعضلة اليوم التالي للحرب، وهي الإجابة التي باتت مستحيلة دون الاعتراف بالعجز عن تحقيق أهداف الحرب والعدوان على قطاع غزة.

المفاوضات التي يديرها وليام بيرنز باتت وسيلة للحفاظ على زخم الهجوم وإعاقة جهود تعطيله إلى حين إيجاد إجابة لمعضلة اليوم التالي للحرب، وهي الإجابة التي باتت مستحيلة دون الاعتراف بالعجز عن تحقيق أهداف الحرب والعدوان على قطاع غزة.

استراتيجية التفاوض وسيلة مكشوفة كالرصيف البحري؛ يستخدمها مندوب أمريكا في مجلس الأمن لتبرير مواصلة المجازر وحرب التجويع والهجوم على رفح والقطاع، على أمل أن يتمكن الاحتلال من تحقيق إنجاز على الأرض، أو أن يتمكن قادة الأحزاب الإسرائيلية من إعادة تشكيل الحكومة وإعادة إنتاج صورة الكيان المحتل المهشمة في أوروبا على الأقل. فالدفع بقيادة جديدة سيقلل من حدة المعارضة الأوروبية للحرب والعدوان، وسيضيف ورقة جديدة للمناورة لإطالة عمر الحرب وترتيب أوراق اليوم التالي، على أمل التخف من وقع الفشل بالبحث عن سراب النصر، كالقول إنها حرب دولية على الإرهاب، أو عربية لتحقيق السلام وعزل إيران، أو فلسطينية أهلية بحسب ما يريد ايزنكوت ولبيد وغانتس وجدعون ساعر، ومن ورائهم ليبرمان مؤخرا.

ختاما.. استراتيجية التفاوض التي تطرحها أمريكا تحتاج إلى إعادة نظر، فهي من حيث الشكل والمضمون، فقدت قيمتها ومصداقيتها بعد أن تحولت إلى وسيلة للهروب من الهزيمة والفشل الاستراتيجي، بتبرير المجازر والتملص والامتناع عن الامتثال لأوامر محكمة العدل الدولية وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة وتعطيل عمل مجلس الأمن، ما يتطلب إشراك قوى دولية أكثر جدية في المرحلة المقبلة في عملية التفاوض لوقف الحرب والمجازر وصياغة الاتفاقات، كروسيا والصين وجنوب أفريقيا وإسبانيا وأيرلندا وتركيا، فأمريكا لا تتمتع بمصداقية، واحتكارها للمفاوضات يسمح لها بإطالة عمر العدوان والمجازر، واستثمارها للمفاوضات لا يقل وحشية وهمجية عن القنابل التي تقدمها للكيان المحتل لقتل الأطفال والنساء في مخيمات النزوح.

x.com/hma36
التعليقات (0)