قضايا وآراء

عن اليوم التالي لحرب غزة.. أيضا

غازي دحمان
الأناضول
الأناضول
ثمة من يستعجل، في إسرائيل والدوائر الشرق أوسطية والدولية، القفز إلى اليوم التالي للحرب في غزة، وبعض هؤلاء بات يراه على بعد أمتار، أي بعد استكمال السيطرة على رفح، إن حصلت، وبالتالي، فإن الواقعية لدى هؤلاء تستدعي تهيئة العدة اللازمة للتكيف مع هذا الآتي الذي ربما يعيد تشكيل المنطقة من جديد.

يندمج اليوم التالي الموعود في الذهنيات التي تسعى إلى رسمه مع رهانات وطموحات وتقديرات أصحابها، بغض النظر عن مدى دقتها وواقعيتها؛ فبعضهم يراه بمثابة نقلة نوعية، ليس فيما يخص السياسات وتغير أدوار الفاعلين وحسب، بل حتى على مستوى منظومات القيم والأفكار والفئات التي ستكون في مركز الفعل والتأثير وصنع توجهات المنطقة في العقود القادمة، وتبعا لها النخب التي ستشكل حوامل مشروع اليوم التالي، الذي هو في حقيقته المشروع الثوري، بنظر هؤلاء، الذي يأتي في أعقاب مخاض طويل مرت به المنطقة منذ أكثر من عقدين.

بحسابات الطامحين في اليوم التالي، لن يكون هناك أي دور للإسلام السياسي، الذي سيتم القضاء على مشروعه بتدمير ما تبقى من رفح، وتهجير الفلسطينيين منها، حيث سيكون هذا التهجير، وإن كان داخل غزة نفسها، بمثابة التطهير من الإسلام السياسي إلى الأبد،
يندمج اليوم التالي الموعود في الذهنيات التي تسعى إلى رسمه مع رهانات وطموحات وتقديرات أصحابها، بغض النظر عن مدى دقتها وواقعيتها؛ فبعضهم يراه بمثابة نقلة نوعية، ليس فيما يخص السياسات وتغير أدوار الفاعلين وحسب، بل حتى على مستوى منظومات القيم والأفكار والفئات التي ستكون في مركز الفعل والتأثير وصنع توجهات المنطقة في العقود القادمة
وكأن الناس سيتخلصون من الأيديولوجيا باعتبارها حملا زائدا لا يمكن لهم حمله في تنقلاتهم، وبالتالي سيتركونها في كل ما لن يتمكنوا من حمله في ترحالهم، ولن تكون الأيديولوجيا أعز من الأغراض الشخصية والحاجات الأساسية التي تساعد الناس على البقاء على قيد الحياة!

وفي حسابات هؤلاء أن محفزات مقاومة إسرائيل لدى الفلسطينيين ستتوارى لعقود قادمة بعد حفة التأديب "الإبادة" التي لقنتها لهم إسرائيل، الفلسطينيون أنفسهم سيصبحون روافع لمشروع اليوم التالي، الذي سيكون مناقضا لما شهدوه، إعمار وتنمية وعمل ووفرة وتخمة من كل شيء، وفي هذه الحالة ستظهر نخبة جديدة، ربما يجري تدريبها في هذه المرحلة، قادرة على تسويق اليوم التالي الموعود ووضع أسس فلسفته والترويج للقيم الجديدة التي لا بد أن يتعلم الفلسطينيون، إن أرادوا الفوز بثمار اليوم التالي، التكيف والتفاعل معها.

وثمة تجارب عديدة على المستويين الإقليمي والدولي، تغيرت معها مسارات المجتمعات وتغير بالتالي سلوكها ونمط تفاعلها مع التطورات، تجربة الانتقال إلى عصر الانفتاح في عهد الرئيس المصري السابق أنور السادات، والتي انخرطت بها شرائح من المجتمع المصري، الذي صرخ قبل سنوات قليلة "حنحارب يا جمال"، وتجربة روسيا التي فاجأ شعبها العالم بترحيبه بالخلاص من قيم الشيوعية وأفكارها وأنماط حياتها، والانتقال السريع إلى نمط الحياة الرأسمالي القائم على الاستهلاك والعيش في كنف أحلامه والفرص التي يتيحها في الثراء والمجد.

هذه الحسابات نظرية إلى حد بعيد، فهي لا تأخذ بالاعتبار الديناميكيات الصاعدة والتي سيكون لها أثر كبير في صنع وتوجيه السياسات في المرحلة المقبلة، والتي قد تأخذ اتجاهات الأحداث في منطقتنا إلى مسارات ليست بالحسبان ولا يمكن ملاحظتها ضمن خرائط الطرق التي تحاول تمهيد الأمور لليوم التالي في غزة والمنطقة

بيد أن هذه الحسابات نظرية إلى حد بعيد، فهي لا تأخذ بالاعتبار الديناميكيات الصاعدة والتي سيكون لها أثر كبير في صنع وتوجيه السياسات في المرحلة المقبلة، والتي قد تأخذ اتجاهات الأحداث في منطقتنا إلى مسارات ليست بالحسبان ولا يمكن ملاحظتها ضمن خرائط الطرق التي تحاول تمهيد الأمور لليوم التالي في غزة والمنطقة.

من ضمن هذه الديناميكيات التي سيكون لها تأثير مستقبلي واضح على السياسة المستقبلية في المنطقة، صعود اليمين الإسرائيلي بقوة، والاحتمالات التي ينطوي عليها هذا الصعود والتي قد تصل إلى حد سيطرة المتدينين على الحياة السياسية في إسرائيل، وما يستتبع ذلك من حرب دينية ضد الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية ومناطق الخط الأخضر، وما سيفرزه ذلك من استعدادات مقابلة على الجبهة الأخرى، ومثل هذه الاحتمالات واردة بقوة، وخاصة في حال خرجت إسرائيل منتصرة في الحرب وفرضت منطقها وشروطها على المنطقة؛ فمن سيقنع المتطرفين اليهود بالرجوع عن أحلام بناء الهيكل وطرد الفلسطينيين وحتى تحقيق حلم السيطرة من الفرات إلى النيل؟

من ضمن هذه الديناميكيات أيضا، الحراك العالمي الذي تشهده جامعات وشوارع الغرب، وانفجار غضب دول جنوب العالم ضد سيطرة الغرب واستهتار إسرائيل بالقيم الإنسانية، وبالتالي ما هي الديناميكيات التي ستولدها هذه التغيرات في المنطقة وأي تغذية ستؤمنها لقوى ونخب المنطقة التي تنحاز للتحرر والتغيير؟ ما يعني أن اليوم التالي لحرب غزة لا يمكن الاستعجال والبناء على مظاهره الزائفة، وغالبا سيبقى الحدث جاريا وساخنا لوقت طويل، وقت كفيل ببلورة ديناميكيات جديدة تقلب جميع الحسابات المتعجلة.

twitter.com/ghazidahman1
التعليقات (0)