انتهى الفصل الثالث من مسرحية
الانتخابات الرئاسية في
مصر، وهي مسرحية بكل ما تعنيه الكلمة، سواء من حيث إخراجها
السياسي، أو من حيث اللاعبون على المسرح، وبخاصة من الرموز والمؤسسات الدينية،
الإسلامية والمسيحية على حد سواء للأسف.
فقد جاءت أحداث الجارة الموجوعة غزة،
فرصة غير متوقعة من السيسي ونظامه لتكون مصائب غزة فوائد عنده، فقد تابع الإعلام
العالمي قبلها ما دار حول هذه المسرحية، وكيف حارب كل من سولت له نفسه الترشح، ممن
يمثل تهديدا شعبيا ولو نسبيا، وقد كان ذلك هو الإجراء المتبع في فصول المسرحية
الثلاثة، بداية من الفصل الأول سنة 2014م، حين ترشح وحده، وأتى بحمدين صباحي
كومبارس، ووجه له إهانة بالغة، حين جعل الأصوات الباطلة أعلى من أصواته.
ثم في الفصل الثاني من المسرحية، سنة
2019م، إذ به يحدد إقامة الفريق أحمد شفيق، ويمنع سامي عنان رئيس الأركان السابق
أيضا، ولا يبقي سوى على موسى مصطفى كمرشح كومبارس ثاني للعرض الثاني، وهو نفس ما
تم في الفصل الثالث.
جاءت أحداث غزة، لتصرف العالم عن
متابعة ما يجري من عرض مسرحي في مصر، وهي أحداث كانت جديرة بتأجيل الانتخابات لو
كانت جادة، إذ كيف تهدد حدود بلد بحرب ومجازر بهذا الكم والحجم، ولا تكون داعية
لتأجيل، خاصة وأن الانتخابات قد قدمت عن موعدها بالأساس.
لكن ما يلفت النظر في هذه المسرحية هو
أداء رموز المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية، فباستثناء مشيخة الأزهر، والتي
جنبت نفسها الدخول في هذه المهزلة، ولم يرصد لها سوى صورة التقطت لشيخ الأزهر في
لجنة الانتخابات يدلي بصوته، عدا ذلك وجدنا الأوقاف والإفتاء ومشايخ السلطة، وكذلك
قساوسة وباباوات الكنيسة، اجتمعوا على عزف نشيد سياسي واحد، كله تمجيد في السيسي،
والحشد لانتخابه، لأن التحدي أمامهم في حشد عدد يكون لقطة مهمة.
تحول بعض الرموز الدينية التابعة للسلطة، لهتيفة، أو بلغة المصريين العامية: نبطشي، وهو شخص يقوم في العرس على خشبة المسرح، ليهتف وتهتف وراءه الناس، أو يشجع على جمع النقوط (أموال) لصاحب الفرح، فقام الشيخ علي جمعة المفتي السابق ليهتف ويهتف الناس وراءه: يا عليم يا فتاح، انصر عبدك عبد الفتاح، وكلنا وراءك يا سيسي.
نظام اعتاد وقام على اللقطة والصورة،
منذ الثالث من يوليو، وحتى الآن، يتم استدعاء الجماهير سواء بالخطاب الوطني، أو
الخطاب الديني، لالتقاط صورة تصدر للإعلام المحلي والعالمي أن الناس تهتف بالسيسي
رئيسا، وبأن انتخابه واجب وطني وديني!!
بل تحول بعض الرموز الدينية التابعة
للسلطة، لهتيفة، أو بلغة المصريين العامية: نبطشي، وهو شخص يقوم في العرس على خشبة
المسرح، ليهتف وتهتف وراءه الناس، أو يشجع على جمع النقوط (أموال) لصاحب الفرح،
فقام الشيخ علي جمعة المفتي السابق ليهتف ويهتف الناس وراءه: يا عليم يا فتاح،
انصر عبدك عبد الفتاح، وكلنا وراءك يا سيسي.
وما قام به علي جمعة وكل الرموز
الدينية الرسمية، قامت به أيضا عمائم ولحى شعبية كحزب النور. ورأينا مثله في
الكنائس المصرية، بدءا من البابا تواضروس، وانتهاء بكل القساوسة، ولأن الخطاب
الكنسي لا توجد فيه رموز خاصة، بل كلهم رسميون، كما هو الحال في الخطاب الإسلامي،
فهو له رأس يضع النوتة للعزف، وخلفه كل المؤدين.
العجيب أن هذه الرموز الدينية ـ
الإسلامية منها والمسيحية ـ تحدث على حدود بلادها مجازر يومية في غزة، ولم نسمع عن
هذه الرموز أن قامت بتنظيم حملات إغاثة تكفي لهؤلاء الجرحى والشهداء وأسرهم، إلا
ما كان من باب ذر الرماد في العين.
ولم نر تحركا يليق بمكانة الكنيسة
الأرثوذكسية، تتحرك لأجل المقدسات المسيحية التي دمرها العدوان الإسرائيلي في غزة،
وفي هذه الكنائس المدمرة كنيسة هي من أقدم ثلاث كنائس في العالم المسيحي كله،
وقبله المستشفى المعمداني، بل لو رحت تحصي كلمات وبيانات البابا تواضروس عن
العدوان على غزة، لن يصل إلى عدد أصابع يد واحدة، حوالي مرتين أو ثلاث على الأكثر،
بعد الحرب بأيام قليلة، ومنذ بضع أيام، وكلمات محدودة.
لو أن حجرا رمي من شخص مجهول على كنيسة
في منطقة نائية في مصر، لقام البابا ورجاله، وصاحوا بكل ما يملكون للتنديد بهذا
العدوان الصارخ، والتحذير من نيران الفتنة الطائفية، ولجيشوا أقباط المهجر معهم،
وهو حق لا ينكره أحد، لكن هذا الخذلان للمقدسات الفلسطينية، وفي القلب منها الآن
غزة، مقارنا بما نراه من هرولة وتسارع وتسابق بين القساوسة والكنائس في الحشد
لانتخابات هزلية شكلية، بدأت تضع الخطاب الديني في سياق لا يليق بمكانته عند
المؤمنين به.
وهو ما يقال عن خطاب مشايخ السلطة
كذلك، وليس الأمر خلطا هنا بين شأن محلي وشأن إقليمي، بل إن الدفاع عن غزة، هو أمن
قومي مصري صرف، كان يدرك ذلك كل من توالى على حكم مصر، ليس غزة فقط بل كل حدود
مصر، لكن الآن والوضع يصل لهذه الدرجة من المجازر غير المسبوقة، فإنه يهدد هذه
المؤسسات في قيمتها وجماهيريتها.
كثيرا ما بذلت هذه المؤسسات جهودا، أو
فتحت باب النقاش حول ظاهرة الإلحاد في بلادنا العربية، وقد كانت من أقوى أسباب
فقدان الشباب الثفة في الدين، هو الخطاب الديني نفسه، لأنه ـ في غالبه ـ خطاب
سلطوي، وخطاب لا يعبر عن آلام الشعوب ولا آمالها، وقد جسد ذلك بوضوح هذا الخطاب في
مسرحية الانتخابات الرئاسية، مقارنا بكارثة إنسانية بكل معاني الكلمة في غزة، فقد
نشط كل النشاط في اتجاه السلطة، وخمل كل الخمول، في اتجاه الأمة وقضاياها.
[email protected]