صحافة دولية

بوليتكو: ناشطو حركات حقوق الإنسان متشائمون من المستقبل

يرى ناشطو حقوق الإنسان أن الأنظمة القمعية تطور أدواتها - جيتي
يرى ناشطو حقوق الإنسان أن الأنظمة القمعية تطور أدواتها - جيتي
نشرت مجلة بوليتيكو تقريرا للصحفية نهال الطوسي قالت فيه إن اجتماعات ناشطي حقوق الإنسان تميل إلى إبراز الالتزامات بالقضية ممزوجة بالكثير من الفكاهة المأساوية – ففي الغالب، نجا العديد من هؤلاء المدافعين واستمروا في نشاطهم على الرغم من السجن والتعذيب والمراقبة من قبل الأنظمة الاستبدادية.

ولكن في إحدى ليالي حزيران/ يونيو في منتدى الحرية السنوي في أوسلو، النرويج الأسبوع الماضي، كان من الصعب تجنب نبرة أكثر تشاؤما.

المعارضون والمدافعون عن حقوق الإنسان ناشدوا بعضهم البعض للحفاظ على الإيمان في سعيهم لإنهاء الطغيان. ومع ذلك، فقد اعترفوا بأنهم يفتقرون إلى الأمل وسط ظهور خصوم يتسمون بالمهارة والذكاء التكنولوجي بشكل متزايد.

قال رامي يعقوب، الذي يعمل في قضايا الشرق الأوسط لصالح مؤسسة "المجتمع المفتوح"، وهي شبكة لتقديم المنح أسسها الملياردير الليبرالي جورج سوروس: "إن حالة حركة حقوق الإنسان الحديثة مريعة إلى حد ما. في الماضي، كانت جماعات حقوق الإنسان في الطليعة. لكن الأنظمة الاستبدادية تعلمت من ذلك. إنهم يستثمرون في تكتيكاتهم".

وتشير المحادثات مع أكثر من اثني عشر مشاركا الأسبوع الماضي إلى أن الحركة الحقوقية العالمية التي ازدهرت بعد الحرب العالمية الثانية، وشهدت انتصارات كبيرة وسط سقوط الاتحاد السوفيتي، ترى نفسها الآن على مفترق طرق.

اظهار أخبار متعلقة



وإذا فشل الناشطون في إيجاد طرق جديدة، كما يقولون، فمن المرجح أن يزداد الطغاة جرأة.

بالنسبة ليعقوب و1400 آخرين اجتمعوا في المنتدى، شهدت السنوات الخمس عشرة الماضية إخفاقات أكثر بكثير من النجاحات، حتى ما بدا وكأنها انتصارات أولية غالبا ما تحولت إلى خسائر.

قبل بضع سنوات فقط، على سبيل المثال، احتفل ناشطو الديمقراطية في السودان بإسقاط نظام ديكتاتوري، واليوم القادة العسكريون الذين استغلوا تلك اللحظة أعادوا البلاد إلى الحرب.

قالت أندريا براسو، المديرة التنفيذية لـ"مبادرة الحرية": "لا يمكننا حتى الحديث عن تونس بعد الآن"، مشيرة إلى عودة الدولة إلى الحكم المطلق بعد سنوات من كونها نجاحا ديمقراطيا وحيدا للربيع العربي.

وتابعت أنها تواجه صعوبة في إقناع الممولين لدعم عمل منظمتها، التي تركز بشكل كبير على إطلاق سراح السجناء السياسيين، حيث تبدو النتائج الإيجابية قليلة جدا ومتباعدة، وتحاول أن تشرح لهم "أنها لعبة طويلة".

لا ينوي المدافعون التخلي عن معاركهم الجماعية والفردية. لكن المحادثة هنا في أوسلو تركزت على الحاجة إلى إعادة التفكير في تصرفات حركة حقوق الإنسان وأدواتها في وقت اكتسب فيه الاستبداد قوة في جميع أنحاء العالم وتعد التكنولوجيا بالأمل والخطر في آن واحد. إنهم يعلمون أنه بينما تعمل الأنظمة الاستبدادية على تحسين أساليبها، فإن الدول التي تقول إنها تدعم حقوق الإنسان، مثل الولايات المتحدة، يمكن أن تكون غير موثوقة عندما تكون مصالحها الخاصة على المحك.

سناء سيف تعلمت من التجربة المريرة. منذ أكثر من عقد من الزمان، انضمت إلى الجماعات التي دعت بنجاح للإطاحة بالديكتاتور المصري حسني مبارك. لكن الدولة العربية تخضع الآن لدكتاتورية أكثر وحشية لعبد الفتاح السيسي، المتلقي لمليارات الدولارات من المساعدات الأمنية الأمريكية. وشقيق سناء، علاء عبد الفتاح معتقل سياسي هناك.

قالت سناء سيف: "لقد بدأت قوية للغاية، ثم كان هنالك هزائم وانحطاط، والآن، أعتقد أننا يجب أن نحلم كثيرا، لكن يجب أن نكون واقعيين للغاية بشأن توقعاتنا".

اظهار أخبار متعلقة



لا توجد طريقة قوية لتحديد أسباب إحباط الناشطين. ولا توجد مجموعة بيانات واحدة تجسد كل فوز أو خسارة في مجال يجتذب الجميع من المدافعين عن السجناء السياسيين إلى أولئك الذين يصوغون قوانين مكافحة الفساد.

أحد المصادر التي يتم الاستشهاد بها كثيرا هو "مؤشر الحرية العالمي" الصادر عن منظمة "فريدوم هاوس"، وهو مقياس لقوة الديمقراطية. وكان في حالة تراجع لمدة 17 عاما.

مجموعات البيانات الأخرى مجزأة في أحسن الأحوال، لذلك يُترك الناشطون الحقوقيون مع حكايات، عادة ما تكون محبطة: أفغانستان عادت تحت سيطرة طالبان، مما يعني تقليص حقوق النساء والفتيات بشكل كبير ونجح النظام الإيراني في القضاء على حركة احتجاجية إلى حد كبير خلال العام الماضي، جزئيا عن طريق تكثيف عمليات الإعدام،  والعديد من الأصوات تقول إن الديمقراطية في الولايات المتحدة، التي لا تزال منارة الأمل لهذا الحشد في خطر، وسط لحظات مثل تمرد كانون الثاني/ يناير 2021 في مبنى الكابيتول الأمريكي.

ويشيد العديد من نشطاء حقوق الإنسان بالولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين والآسيويين لدعمهم أوكرانيا في محاولتها صد الغزو الروسي، وهو موضوع رئيسي في منتدى هذا العام.

لكن البعض قال إن الحرب أصبحت ذريعة للزعماء الغربيين للتساهل مع الحكومات المسيئة في أماكن أخرى من العالم.

جادلت ليلى يونس، التي كانت سجينة سياسية في البلاد ذات مرة، أن إلهام علييف، رجل أذربيجان القوي، يجب أن يواجه عقوبات اقتصادية أكثر بكثير من الولايات المتحدة والحكومات الأخرى. وقالت يونس إنه بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا والتي أضرت بأسواق الطاقة، فإن "الغرب يحتاج إلى نفط وغاز أذربيجان، وديكتاتورنا يتمتع بذلك".

رفضت وزارة الخارجية التعليق على سياسة الولايات المتحدة تجاه أذربيجان أو الحالات المحددة الأخرى المذكورة في هذه القصة.

وفي حالة أذربيجان، زادت تعقيد أي رغبة أمريكية في معاقبة البلاد بسبب الجهود الدبلوماسية الأخيرة لحل النزاع طويل الأمد بين أذربيجان وأرمينيا.

ومع ذلك، أحال متحدث باسم وزارة الخارجية بوليتيكو إلى تعليق حديث من وزير الخارجية أنطوني بلينكين حول هذه القضية على نطاق أوسع، حيث قال بلينكين إن "حقوق الإنسان هي دائما على جدول أعمال الولايات المتحدة".

اظهار أخبار متعلقة



مثل هذه الادعاءات لا تهدئ الناشطين الحقوقيين. قال فيكتور نافارو، الصحفي والسجين السياسي الفنزويلي السابق الذي حضر المؤتمر، إن الديمقراطيات تضع دائما "اقتصادياتها المحلية قبل حقوق الإنسان".

في الولايات المتحدة، يستضيف الرئيس جو بايدن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي هذه الأيام على مأدبة عشاء رسمية، على الرغم من المخاوف المتزايدة بشأن الإجراءات الاستبدادية لحكومة مودي واضطهاد المسلمين.

في الماضي، شدد المسؤولون الأمريكيون على أنهم يتحدثون مع الهند بشكل خاص حول قضايا حقوق الإنسان، لكنهم يعتبرونها أيضا شريكا مهما في التنافس الأمريكي مع الصين.

في السنوات الأخيرة، تساءل العلماء والممارسون بشكل متزايد عما إذا كانت حركة حقوق الإنسان الحديثة تنجح.

يجادل البعض بأن تكتيك "فضح الأنظمة المنتهكة لحقوق الإنسان" الذي كثيرا ما تستخدمه الجماعات الحقوقية لا يؤثر على الحكام المستبدين بالطريقة التي ربما كان عليها في الماضي. يبدو أنهم لا يهتمون كثيرا بالصورة التي يبدون بها.

جادل الباحث جاك شنايدر في مقال نشر عام 2022 في مجلة "فورين أفيرز" بأن بعض الرجال الأقوياء قد نجحوا في تصوير الترويج لحقوق الإنسان على أنه عمل يقوم به "المتنمرون النخبويون البعيدون عن الوعي والذين يدفعون بأجندات غريبة لتحل محل تقرير المصير الوطني الشعبي".

وتتراوح الحلول المقترحة من قبل الأكاديميين والناشطين من التركيز بشكل أكبر على العدالة الاقتصادية وقضايا عدم المساواة إلى زيادة التعاون عبر الحدود بين المنظمات الحقوقية.

في مؤتمر أوسلو، ركز الناشطون  بشكل متزايد على إمكانية استخدام التكنولوجيا الجديدة لمساعدة قضاياهم. يرسل البعض العملات المشفرة إلى المعارضين في البلدان الاستبدادية كوسيلة لتكملة مواردهم.

لكن الطغاة تعلموا أيضا استخدام التكنولوجيا لمراقبة شعوبهم وخداعهم واضطهادهم. والأنظمة الاستبدادية تتعاون مع بعضها البعض على صعيد التكنولوجيا - الأنظمة في الشرق الأوسط تستخدم الآن أدوات المراقبة الصينية. وقعت إيران وفنزويلا على سلسلة من اتفاقيات التعاون في مجال العلوم والتكنولوجيا وما وراءهما جزئيا لتحدي العقوبات الأمريكية على كلا البلدين. يضاف وصول إصدارات جديدة قوية من الذكاء الاصطناعي إلى مخاوف الناشطين الحقوقيين.

وأشار المعارضون إلى أن الحكام الدكتاتوريين تعلموا أيضا أن يضعوا قشرة من الشرعية والاحترام على أفعالهم. يعرف المزيد من الحكام المستبدين أنهم لن يفوزوا بما يسمى بالانتخابات بنسبة 99% بعد الآن، لكن بنسبة أكثر منطقية تأتي بعد الكثير من التلاعب.

لم يستطع الناشطون في النرويج التفكير في العديد من النجاحات في السنوات الأخيرة. وأشار البعض إلى الوعي المتزايد بالتطرف اليميني المتطرف، والإفراج عن بعض السجناء السياسيين (على الرغم من أن ذلك غالبا ما يكون مصحوبا باعتقالات جديدة) والجهود التي تبذلها شركات وسائل التواصل الاجتماعي لمنع التطرف عبر الإنترنت.

وشددوا على أن زيادة الوعي بانتهاكات الحقوق ما زالت مهمة. قالت غلبهار هايتيواجي، وهي من الأويغور واحتُجزت سابقا في أحد معسكرات الاعتقال في الصين، إن القمع الصيني لمسلمي الأويغور سيكون أكثر شدة لولا الغضب العالمي الموجه ضد بكين.

وقالت: "النقد لم يحرر الجميع، لكنه ساعد بعض الناس على استعادة حريتهم".

تتضمن أهداف منتدى الحرية في أوسلو ربط المنشقين والناشطين حتى يتمكنوا من تبادل الأفكار ومعرفة أنهم ليسوا وحدهم في معاركهم.

السجناء السياسيون في المؤتمر، الذي تنظمه مؤسسة حقوق الإنسان ومقرها نيويورك، يتواصلون مع الآخرين الذين مروا بتجارب مماثلة. يتضمن جزء كبير من البرنامج عروضا تقديمية من معارضين نجوا من كل شيء من الحبس الانفرادي إلى محاولات الاغتيال.

وذكر أحد المتحدثين كم كان من الرائع أن يكون في النرويج وأن لا تتعقبه قوات الأمن.

قال مزوانديل ماسوكو، محامي حقوق الإنسان من سوازيلاند، مازحا عن ملاحقيه المعتادين: "هل تعلمون، أفتقدهم. وأتساءل ماذا يفعلون".
التعليقات (1)
صلاح الدين قادم
الثلاثاء، 20-06-2023 11:53 م
حقوق الإنسان؟ ما هي؟ وإن اتفقنا عليها كيف يتم تطبيقها؟ هل بازدواجية معايير لا تقل عن ازدواجية معايير المنتهكين لها؟ لنأخذ سناء سيف كمثال حي، وأنا أحترمها وأحترم أسرتها بالكامل فنضالهم الطويل جدير بالشكر والاحترام، لكن. ألا تصارح سناء سيف أقرانها في مؤتمر النرويج بما حدث فعلاً في مصر؟ ألازالت تعتقد أن محمد مرسي كان يمثل الفاشية الدينية ويستحق الانقلاب عليه؟ هل كان فعلا ديكتاتورا يستوجب خلعه ولو بالدبابة؟ هل نالت مجازر رابعة التاريخية القدر التي تستحقه من تسليط الضوء، أم لأنها كانت ضد إسلاميين فعادي، نستنكر صحيح لكن هناك قمع آخر يستحق الاهتمام أكثر؟ هل مشروع السيسي السياسي ينحصر في حبس علاء أو حتى الإسلاميين أم في محو وطن بالكامل وبالتالي ننتقل من مجرد قمع سياسي لجرائم ضد الإنسانية؟ هل لم تكتشف سناء بعد نفاق الغرب السياسي وعلاقته بكل ما يحدث؟ هل بعد كل ذلك نستغرب الفشل الذريع لمجهود النشطاء العاملين في مجال حقوق الإنسان؟ هناك كلام كثير يقال بخصوص طالبان والغرب والحقوق الإنسانية، لكن لا مجال لها الآن.